كل شيء تمام!
كان الأسد جميل الشكل … مهيب الطلعة … يمسح شفتَيه بلسانه وتنعكس أشعة الشمس على عينَيه الذهبيتَين، فينعكس عنهما شعاع أشبه بالنار … وأمسك «عثمان» ببندقيته، وتمدَّد على بطنه، واستعدَّ لإطلاق النار … ولكنَّ شيئًا في نفسه كان ضد قتل هذا الحيوان المهيب … وقرَّر ألَّا يطلق النار، إلا إذا هاجمه الأسد.
فتح الأسد فمه وكأنه يتثاءب، ثم أدار رأسه ومضى … إنه حيوان لا يهاجم الإنسان، إلا إذا هاجمه الإنسان … أو إذا طعن في السن، ولم يعُد في استطاعته مهاجمة حيوانات الغابة السريعة، فقد يهاجم الإنسان … استراح «عثمان» لهذه النتيجة … وعاد يجلس بجوار الشجرة في انتظار انكسار حرارة الشمس القاسية … وقام «ميمون» بإمداده بالفاكهة الطازجة.
عاود السير مهتديًا بالشمس والبوصلة والخرائط … ومالت الشمس إلى المغيب، وما تزال هناك أكثر من ساعة من السير المتصل … ورغم أنه كان مُتعَبًا، فقد استمرَّ في السير حتى وصل إلى نهير صغير، فأسرع يغتسل ويبرِّد قدمَيه الملتهبتَين … و«ميمون» يقفز حوله، ويجري إلى الأمام، ثم يعود … ويصرخ ويتشقلب في مكانه، ثم يجري … وأدرك «عثمان» أن «ميمون» يريد أن يوصل إليه رسالة ما، فتبعه مسرعًا … ودخلا إلى غابة صغيرة كثيفة الأشجار … وسرعان ما اشتمَّ «عثمان» رائحة شواء تأتي مع الريح … كان جائعًا … وتمنَّى قطعةً من اللحم المشوي، وقفز «ميمون» إليه، وأمسكه من يده وأخذ يجره إلى الأمام، كأنه يستعجل شيئًا ما.
وصل «عثمان» إلى ساحة صغيرة مكشوفة وسط الغابة الكثيفة، وشاهد نارًا مُوقَدة عليها لحم يُشوى … وكان الشياطين الثلاثة … «أحمد» و«خالد» و«بو عمير» يجلسون … توقَّف لحظاتٍ قبل أن يلفت انتباههم … ولكن القرد «ميمون» لم يستطع الانتظار، وقفز إلى الشياطين الثلاثة وهو يصرخ فرحًا وسعيدًا.
التفتَ الثلاثة إلى «عثمان»، وقفزوا مرة واحدة … وتبادل الجميع السلام، وحكى لهم «عثمان» عن مغامرته الصغيرة، والدور الذي لعبه «ميمون» في إنقاذه، ثم اقتطع قطعة كبيرة من لحم الغزال المشوي وغرس فيها أسنانه ومضى يمضغ، وهو يستمع إلى قصص الشياطين الثلاثة، عن رحلتهم عَبْر الغابات للوصول إلى النقطة «س».
قال «أحمد»: لقد اتصلت بقاعدة الطائرة الهليكوبتر … وهي على مسافة نحو تسعين كيلومترًا من هنا … وقد اتفقتُ مع قائد الطائرة أن أعاود الاتصال به بمجرد وصولك!
عثمان: هل تأخرنا عن جدول العمل؟
أحمد: ليس هناك أي تأخير … فنحن في انتظار معلومات أكثر عن مكان العصابة في هذه المساحات الشاسعة، من الغابات والأنهار … وكلما زادت معلوماتنا، كان اقترابنا من العصابة، مُحدَّدًا وفعَّالًا!
وقام «أحمد» بالاتصال بالطائرة الهليكوبتر، وتم الاتفاق على أن تصل فجر اليوم التالي، إلى النقطة «س»، خارج الغابة الصغيرة التي يعسكر فيها الشياطين الأربعة.
قضى الشياطين و«ميمون» سهرة مُمتِعة حول النار … وقد أبدى القرد الذكي مهارة مُذهِلة في فهم المطلوب منه، حتى إن «خالدًا» علَّق قائلًا: إننا يمكن أن نعتبره الشيطان رقم «١٤»!
عثمان: لا تتصوَّر إلى أي حدٍّ أحبُّ هذا الحيوان … لقد أنقذ حياتي ثم قام بخدمتي كأفضل ما تكون الخدمة.
وعندما نام الشياطين، ظلَّ «ميمون» مستيقظًا، رابضًا على فرع شجرة قريب، ثم عندما اطمأنَّ إلى نوم أصدقائه تمامًا، أخذ يقفز فرحًا بين فروع الأشجار، وسرعان ما وجد مجموعة من القردة انضمَّ إليها، وعاش ليلةً وسط أقاربه.
قبل أن تبزغ الشمس، استيقظ «خالد» ونظر حوله، ووجد «ميمون» قد جمع كمية رائعة من الفاكهة، وأخذ يقفز حولها سعيدًا. وأيقظ «خالد» بقية الزملاء، وتناولوا إفطارًا شهيًّا، ثم شربوا الشاي، ولم يكد الشياطين ينتهون من إفطارهم، حتى سمعوا صوت الطائرة الهليكوبتر، فأسرعوا يجمعون حاجياتهم ويخرجون إلى خارج الغابة، حيث اختاروا بسرعة مكانًا لنزول الطائرة وأخذوا يشيرون إليها، حتى هبطت بسلام على الأرض.
نزل قائد الطائرة، وكان شابًّا زنجيًّا، باسم الوجه، قوي العضلات، وقدَّم نفسه للأصدقاء: «موامبا»!
وقدم «أحمد» نفسه وزملاءه إلى الشاب المبتسم، ثم اجتمعوا حول خريطة أخرجها «موامبا» وأخذ يشير بإصبعه قائلًا: على بُعد ٤٠٠ كيلو تقع بحيرة «نياسا» وقد اتصل بي «كوجوكو» — وهو الاسم الحركي للعميل رقم «صفر» — وقال لي: إن هناك تحركات غير عادية في الجزء الشمالي من البحيرة، حيث تقع مستعمرة للرجال البيض محاطة بأسوار، وممنوع الاقتراب منها … وبجوار المستعمرة، بحيرة عميقة، حولها بعض الفيلات الفاخرة، ولا يستطيع أحد أن يقترب من هذه البحيرة، التي تبدو وكأنها مكان لتجارب بحرية هامة، لا يعرف أحد حقيقتها.
أحمد: وما هو أنسب مكان للنزول فيه؟
موامبا: يجب أن ننزل بعيدًا قَدْر الإمكان عن المستعمرة والبحيرة … فإن «كوجوكو»، أخبرني أن لديهم رادارًا قويًّا يمسح المنطقة ليل نهار … وأن عندهم عددًا من طائرات الهليكوبتر المسلحة!
«أحمد»: بمناسبة الهليكوبتر المسلحة … ما هو نوع التسليح في المستعمرة؟
موامبا: إن كمية الأسلحة التي تصل إلى هذه المستعمرة كما يقول «كوجوكو»، غير معقولة … فهناك يوميًّا تقريبًا قافلة من عربات النقل، وأحيانًا طائرات النقل تحمل أسلحة من كل نوع، بما في ذلك الدبابات والمدافع، إلى هذا المكان.
أحمد: إن هذه المعلومات من أهم ما يمكن … وسنترك لك حرية اختيار المكان المناسب، للنزول بعيدًا عن المستعمرة بمسافة كافية!
موامبا: لقد درستُ المكان قبل أن آتي إليكم … واخترتُ غابة صغيرة، بجوار نهر يصبُّ في بحيرة «نياسا»!
أحمد: عظيم … وهل لك زملاء يمكن الاعتماد عليهم!
موامبا: إنني من قبيلة قوية في المنطقة، ونحن على استعداد لأداء أي خدمة لكم، فإن «كوجوكو» من زعماء قبيلتنا، وهو شخص محبوب جدًّا منا جميعًا!
أحمد: شكرًا مُقدَّمًا لك يا «موامبا» … وسنتحرك الآن!
قام «بو عمير» بإخفاء آثارهم في المكان، حتى لا يتعرف أحد على خط سيرهم … ثم قفزوا إلى الطائرة، التي حلَّقَت على الفور، متجهة غربًا إلى قرب بحيرة «نياسا»!
استغرقت الرحلة نحو ساعتين، على ارتفاع منخفض، أتاح للشياطين رؤية حيوانات الغابة وهي تتحرك في حياتها اليومية … قطعان الأفيال الضخمة … أسراب الزراف والغزلان … النمور والفهود … ولم يُضيِّع «خالد» الفرصة فقد استخدم آلة التصوير السينمائي في تصوير مشاهد نادرة … منها هجوم مجموعة من الذئاب على جاموسة وحشية خرجت من قطيعها … وقد ذهل الأصدقاء لقوة الجاموسة، التي استطاعت إصابة ثلاثة ذئاب إصابات كبيرة!
وقال موامبا: إن الجاموس الوحشي من أقوى حيوانات الغابة … ومن الصعب على أي حيوان من حيوانات الغابة مهاجمة جاموسة وحشية … خاصةً إذا كانت ضمن القطيع.
وأخيرًا حومت الطائرة حول غابة صغيرة غاية في الجمال … بجوارها نهر صغير.
وقال «بو عمير» مُعلِّقًا: إنها جنة صغيرة على الأرض!
وأدار «موامبا» مقود الطائرة بمهارة، وارتفعت زوبعة من الأعشاب عندما هبطت الهليكوبتر على الأرض.
نزل الأصدقاء … وكانت مفاجأة رائعة أن وجدوا «موامبا» قد أعدَّ لهم كوخًا جميلًا للإقامة … وأخذ «ميمون» يقفز فرحًا بالمكان، فقد كانت أغصان أشجار الغابة، حافلة بالقرود الذين سرعان ما انضمَّ إليهم … وأخذ يتراقص فرحًا على الأغصان العالية.
قال «أحمد»: سنبقى حتى الغروب، وسنتحرك للاقتراب من المستعمرة!
موامبا: لقد أعددتُ لكم بعض النظارات المكبرة القوية، ومن الممكن مراقبة المستعمرة وما يجري فيها، من أماكن خفية فوق قمم التلال.
أحمد: إنني أشكرك كثيرًا يا «موامبا» … لقد أسديتَ لنا خدمات رائعة.
وأسرع الأربعة إلى التلال التي أشار إليها الشاب الأفريقي … وسرعان ما تسلقوا التل، واستلقوا على قمة التل، وأخذوا يراقبون ما يحدث بعيدًا.