مهمة عثمان الصعبة!
أخذ كلُّ واحد من الشياطين يراقب جانبًا من المستعمرة التي بدت ألوانها الزاهية واضحة في وسط الأحراش الخضراء … وكانت مكوَّنة من مبنى رئيسي مستطيل الشكل، كأنه علبة كبريت ضخمة قد رقدت على جنبها … وبجواره، على مسافات متساوية، عدد من الفيلات … وكان السور مكوَّنًا من الأسلاك الشائكة المترابطة على أعمدة من الطوب، وبين كل مسافة وأخرى مركز للمراقبة تطل منه فوهة مدفع رشاش.
كان واضحًا أنه حصن صعب الاقتحام … وأنه لا بد من استعمال الحيلة للاقتراب والدخول … وعقد الأربعة اجتماعًا.
وقال «أحمد»: لا بد من استخدام «موامبا» للدخول … وما دام من هذه الناحية، وهو من أبناء قبيلة قوية، فلا بد أنه يعرف أحدًا من الزنوج الذين يعملون في المستعمرة.
واستدعى «عثمان» «موامبا»، وسأله «أحمد»: هل تعرف أحدًا ممَّن يعملون في هذه المستعمرة؟
موامبا: إن لي قريبًا يُدعى «موشنجا»، يعمل سائقًا على إحدى سيارات النقل، ولكن لا يسمح له بالاقتراب … فقط يصل بالسيارة، ثم يخرج ولا يعود، إلا بعد تفريغ الشحنة، التي لا يعرف أحد ما بها، إلا أصحاب المستعمرة!
أحمد: هذا ما نريده بالضبط … إننا نريد أن يدخل «عثمان» إلى المستعمرة … إنه أسمر مثلكم، ولن يعرف أحد مَن هو؟
موامبا: هل تريده أن يحل محل «موشنجا»؟
أحمد: نعم.
موامبا: ولكنهم يعرفون «موشنجا» … والأسهل أن يقفز «عثمان» إلى السيارة ويختبئ في الصندوق!
أحمد: لا بأس!
موامبا: إذَن سأذهب وأرى متى تأتي القافلة التالية.
أحمد: بدلًا من إضاعة الوقت … سيذهب «عثمان» معك!
واستعدَّ «عثمان» بجهاز لاسلكي صغير لكنه قوي، وبعض الأسلحة الخفيفة … وقال: وهل آخذُ «ميمون» معي؟
أحمد: لا … سنحتاجه للدخول!
عثمان: كيف؟
أحمد: عندي فكرة سأنفِّذها إذا لم تنجح!
وحاول «ميمون» أن يذهب مع «عثمان» … وأخذ يقفز ويصرخ ولكن الشياطين الثلاثة أمسكوه … وقال له «أحمد»: اجلس هنا يا «ميمون» إننا في حاجة إليك!
وأطاع «ميمون» وجلس حزينًا ساهمًا … وانصرف «موامبا» و«عثمان» وسرعان ما اختفيا بين الأحراش.
لم تمضِ نصف ساعة على انصراف «موامبا» و«عثمان» حتى هطلت الأمطار بشدة … والتفت الغابة في ثوب من المياه المنهمرة، واختبأ الشياطين الثلاثة في الكوخ الصغير.
ظلَّت الأمطار تهطل مدرارًا … واختفت الشمس، وأظلم المكان … ولم يكن هناك ضوء، سوى الأقراص المشتعلة التي يستخدمها الشياطين في هذه الحالة … فتضيء إضاءة خفيفة، وعلى نيرانها يعدُّون الشاي، ويتناولون طعامهم الخفيف.
وفي السادسة مساءً كان كل شيء قد غرق في مياه الأمطار، ولم تصل إشارة واحدة من «عثمان»، بينما جلس «ميمون» في جانب الكوخ، وقد أصابه حزن شديد.
قال «خالد»: إني قلِق … ماذا حدث؟
أحمد: لا أدري … كان يجب أن يتصل «عثمان» … ولكن …
وقبل أن يكمل جملته سمعوا طرقًا على باب الكوخ … ثلاث طرقات … ثم طرقتين، ثم طرقة واحدة.
وأسرع «أحمد» يفتح الباب، وظهر على عتبته «موامبا» وقد ابتلَّت ثيابه، وبدا عليه الإرهاق.
نظر إليه الشياطين نظرة استفسار فقال: هناك قافلة ستدخل المستعمرة في منتصف الليل، وقد تركت «عثمان» مع «موشنجا»، الذي قال لنا إن الحراسة مشدَّدة … ومن الصعب أن يقفز «عثمان» إلى السيارة. ولكن «عثمان» عندما عرف أنها سيارات نقل من النوع الكبير، فقد قرَّر أن يختبئ أسفل السيارة. وقد أعددنا له شبكة قوية يمكن ربط أطرافها أسفل صندوق السيارة، ليتمدد فيها.
تنفَّس الشياطين الصعداء … وقدَّم لهم «موامبا» شيئًا من سعف النخيل، وجدوا به طعامًا دافئًا … وقد أسعدهم هذا كثيرًا، وشكروا الشاب وانهمكوا جميعًا في الطعام.
انتهت نوبة المطر في الثامنة تقريبًا، وصعد إلى السماء قمر صغير، أضاء بعضًا من جوانب الغابة المظلمة، وأخذ الأربعة ينزحون المياه التي زحفت إلى الكوخ، وبعد أن أتموا مهمتهم تمدَّدوا، في انتظار رسالة «عثمان» اللاسلكية، بينما قفز «ميمون» إلى الخارج دون استئذان واختفى.
حاول «خالد» متابعة «ميمون»، ولكن كان ذلك عبثًا، فقد اختفى القرد الذكي في تلافيف الغابة الكثيفة، لقد أحب «عثمان» وقرَّر البحث عنه حيث يكون … ورغم أن ذلك يُعَدُّ خروجًا على قواعد الانضباط، ولكن عواطف «ميمون» كانت أقوى من القواعد.
قبل منتصف الليل بقليل، سمع «بو عمير» جهاز الاستقبال يُطلِق صفيرًا خفيفًا … فأسرع إليه، وسمع على الطرف الآخَر صوت «عثمان» يتحدَّث: من رقم «٢» إلى ش. ك. س … لقد وصلت القافلة … وقد قام «موشنجا» بربط الشبكة أسفل السيارة. وبعد دقائق سوف أكون داخل المستعمرة!
بو عمير: لقد هرب «ميمون» ونعتقد أنه يبحث عنك!
عثمان: إنه يقف على فرع شجرة قريب مني … لقد حضر منذ ساعة، ولكني طلبت منه أن يبقى بعيدًا!
بو عمير: متى تأتي؟
عثمان: سأتصل بكم لأحدِّد المكان الذي يمكن الدخول منه.
مضت ساعة تقريبًا، ثم بدأ جهاز الإرسال يطلق صفيره، وسمع «بو عمير» «عثمان» يقول: إنني أتحدث من أسفل السيارة … سوف نجتاز بوابة الدخول بعد قليل … استعدوا.
وتهيأ الشياطين للعمل.
وقال «أحمد»: اسمع يا «موامبا» … إنني أريدك أن تذهب إلى «كوجوكو» … قل له على ما حدث … فإذا لم تستطع الخروج حتى الصباح، فسوف نتصل به لاسلكيًّا لنحدِّد موقفنا!
موامبا: دعوني أدخل معكم!
أحمد: شكرًا … إن مهمتك هي إنقاذنا إذا حدث ما لا نتوقع!
وخرج «موامبا» مسرعًا، وصفَّر جهاز الإرسال.
وتحدث «عثمان»: لقد اجتزت البوابة منذ دقائق، إنني أتحدث من خلف إحدى الفيلات … إن عليها حراسة قوية أكثر من البقية، وقد يكون «عوني» فيها … سأتصل بعد لحظات … ولكن عليكم بالتحرك الآن!
بدأ الثلاثة في التحرُّك بسرعة … واختار «أحمد» أن يتجهوا إلى مكان بعيد عن البوابة، حيث تشدَّدت الحراسة … كان الليل في الغابة مهيبًا، وقد سكن كلُّ شيء عدا أصوات الحيوانات الصغيرة، وهي تفر مذعورة كلما مروا بها … وكان كلٌّ منهم يحمل سلاحًا، يشبه «السونكي» يقطع به الأغصان التي تعترض طريقه … وبعد مسيرة نصف ساعة أشرفوا على نهاية الغابة الصغيرة، وتوقفوا عند المنطقة الجرداء، حتى لا يكشفوا تحرُّكاتهم قبل أن يتصل «عثمان».
مضت بضع دقائق، وصفَّر جهاز الإرسال.
وسمع «بو عمير» صوت «عثمان»: لقد تأكدت من وجود «عوني» في المكان الذي حددته … فقد شاهدته من خلال الزجاج متمدِّدًا على فراش صغير … ويبدو أنه مريض فإنه لا يتحرك … وهو موثق اليدَين والقدمَين!
وتوقَّفَ «عثمان» لحظات ثم قال: إن الشحنات كلها أسلحة … وهم يُخفونها في مخازن سرية تحت الأرض … عليكم بالالتفاف حول البحيرة الصغيرة. ثم تقدَّموا عند منتصف المسافة بين طرفَي السور … إن هذه المنطقة الخلفية ليست مسورة … ولكن عليها حرَّاس … حارس كل عشرة أمتار تقريبًا … سأكون في انتظاركم خلف الفيلا رقم «٤» من اليمين.
اتجه الثلاثة يسارًا … ثم مضوا يمشون مسرعين … وقد أحنوا رءوسهم بحيث أخفتهم الأعشاب … وبعد بضع دقائق كانوا يدورون حول المستعمرة التي تناثرت أضواؤها في الظلام … وأصبحوا خلف الفيلا رقم «٤» … وفجأةً قفز شيء أمامهم، ورفعوا مسدساتهم … ولكن هذا المخلوق لم يكن سوى «ميمون»، الذي أمسك بذراع «أحمد» وأخذ يجذبه بشدة.