عوني!
مشى الثلاثة على حذر خلف القرد، الذي وقف في ظل إحدى الأشجار، وأخذ يشد ذراع «أحمد» … وتنبَّه «أحمد» على الفور إلى ما يريد القرد … لقد كان يلفت انتباهه إلى حارس، كان يقف على بُعد أمتار قليلة … ووضع «أحمد» يده على رأس «ميمون» من تعليمات المدرب.
أشار «أحمد» إلى «بو عمير» و«خالد» بإصبعَين، ففهما أنه يريد حركة كماشة حول الحارس. فاتجه أحدهم يسارًا، والآخَر يمينًا، ثم اقتربا من الحارس في هدوء شديد، وانقضَّ عليه «خالد» بضربة قوية، بينما تلقَّفه «بو عمير» بين ذراعَيه، وجذبه بعيدًا، وألقاه بين الأعشاب.
تقدَّم الثلاثة، حتى أوصلهم «ميمون» إلى حيث يقف «عثمان»، الذي قال في همس: كونوا على حذر من مياه البحيرة الصغيرة … إنها تعج بالتماسيح!
ثم قال: إنهم مشغولون الآن بتفريغ الأسلحة، والفرصة مواتية جدًّا لإنقاذ «عوني»!
أحمد: إن «ميمون» يمكن أن يقوم بدور هام … لقد قادنا إليك … هل يمكن أن يدخل الفيلا؟
عثمان: لقد فكرت في نفس الشيء … إنه يمكن أن يدخل من مدخنة المطبخ!
أحمد: لقد فكرت في نفس الشيء!
خالد: الأفضل أن نتخلص من أكبر عدد من الحراس في هذه الفرصة، وكلما استطعنا التخلص من واحد … نقص عدد الأعداء.
ووافق الشياطين … وانتشروا مسرعين في الظلام … وأخذ الحرَّاس يتساقطون هنا وهناك … كانت الضربات مُحكَمة … وكان الشياطين يتحرَّكون بسرعة كأنهم أشباح لا تُرى … وبعد عشر دقائق كان أكثر الحراس يرقدون على الأرض … ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان. فقد دقَّ جرس إنذار قوي، وأُضيئَت الأنوار الكاشفة، وبدأت حركة غير عادية في المستعمرة … وأسرع الشياطين الأربعة يختفون خلف الأشجار والحشائش … وأسرع «ميمون» يقبع فوق الشجرة التي وقف خلفها «عثمان».
شاهد الشياطين الفيلا التي بها «عوني» وقد تحوَّلَت إلى خلية نحل وأُضيئَت الأنوار القوية حولها … ثم شاهدوا أربعة رجال يحملون نقَّالة رقدَ عليها «عوني» ثم لاحظ «بو عمير» أن الرجال الأربعة، قد وصلوا بالنقَّالة إلى حافة البحيرة الصغيرة، ونزلوا بضع درجات … ثم اختفوا.
أطلق «بو عمير» صيحة البومة، وفهم الشياطين الثلاثة أنه يريدهم أن يجتمعوا، فأسرعوا إليه.
وقال «بو عمير»: ثمة مخبأ تحت البحيرة لقد نزلوا ﺑ «عوني» هناك!
خالد: وماذا سنفعل؟
ساد الصمت … بينما الحراس المسلَّحون يجرون هنا وهناك.
وقال «أحمد»: نريد بعض ملابس الحرَّاس!
عثمان: هناك ما يكفي ويزيد … فقد صرعنا منهم نحو عشرة!
أحمد: في هذا الاضطراب، لن يشك أحد فينا … هيا!
وأسرعوا إلى حيث كان الحراس المُغمى عليهم … وأسرع كل واحد منهم يرتدي زي الحراس الخاص، ويضع القبعة الخاصة به.
وعندما اجتمعوا بعد لحظات … قال «أحمد»: سننزل نفس السلالم التي شاهد «بو عمير» الرجال يحملون «عوني» إليها!
كان «ميمون» يراقب كلَّ شيء … وأخذ يقفز ليصل مع الشياطين، الذين اتجهوا مسرعين إلى السلالم … وقد نجحت خطة «أحمد» … فلم يلتفت إليهم أحد.
كان ثمة حارس يقف تحت السلالم، شاهرًا مدفعًا رشاشًا … ونزل «أحمد» إليه، بعد أن أرخى القبعة على وجهه … ولم يتوقَّع الحارس أبدًا أن هذا الشاب في ملابس الحرَّاس يمكن أن يكون من ألدِّ أعدائه … وعلى كلِّ حالٍ، لم يترك له «أحمد» فرصة للتخيُّل، ولا للتفكير … فقد اقترب منه وهو يحمل مدفعًا رشاشًا مثل الذي يمسكه … وبحركة سريعة كالبرق كان قد وجَّهَ إلى الحارس ضربة قوية، جعلت عينَيه تجحظان … ثم يقع كأنه غرارة من التبن.
تناول «أحمد» المفاتيح من حزام الرجل، ثم فتح الباب الصلب المتين، ولم يكَد يفتحه حتى سمع صوتًا يشبه هدير البحر … وأحسَّ برائحةٍ نفَّاذة، تشبه رائحة الملح والعطن … وأطلق صيحة البومة، ونزل الشياطين الثلاثة ومعهم «ميمون».
ولكن «عثمان»، طلب منه أن ينتظر عند الباب، وينبِّههم لأيِّ خطر.
حاول «ميمون» أن يعترض … ولكن «عثمان» كان حاسمًا وواضحًا … وقفز «ميمون» إلى شاطئ البحيرة العالي مرةً أخرى، وتسلَّق سور الفيلا الرئيسية وقبع على السطح.
نزل الأصدقاء في سرداب ضخم، مُقام من الصلب الأسود، مُضاء بأنوار خافتة … ساروا في شكل رقم «٤» بحيث يحمي كلٌّ منهم الآخَر … كان السرداب طويلًا، ولا تبدو به أية أبواب، فقد أخذوا يجرون بسرعة في اتجاهات مختلفة، على أمل أن يجدوا مكانًا يبدءون منه البحث عن «عوني» … ولكن عبثًا؛ فقد كانت الدهاليز متداخلة … وكلها صماء … وصوت هدير المياه يرتفع كلما اقتربوا من النهاية.
وقال «أحمد» للشياطين: ابحثوا عن ثقوب مربَّعة في الجدران.
وانتشر الشياطين يتحسَّسون الجدران … وفجأةً سمعوا صوت أقدام تأتي من دهليز تتقاطع مع الدهليز الرئيسي … فاجتمعوا في شكل طابور، وأخفوا وجههم بالقبعات، ثم ساروا في شبه عسكرية … وظهر رجلان … أحدهما مسلَّح، والآخَر يلبس ملابس غريبة، أشبه بملابس الغوَّاص … واقترب الاثنان من الشياطين … وسعل «أحمد» ببساطة … وفهم الشياطين الثلاثة أنها دعوة لهجوم … وهاجموا.
وكانت النتيجة معروفة مُقدَّمًا؛ فقد سقط الرجلان في بساطة تحت وقع الأيدي الثقيلة … وتلقَّفَ «أحمد» الرجل الذي يلبس ملابس الغواصين … كان قد ضربه ضربةً خفيفة، أفقدَته الرشد دقيقةً واحدة، وعندما أفاق شاهد عينَين قاسيتَين تنظران إليه.
قال «أحمد»: اسمع … تحدَّث فورًا وإلا … أين «عوني»؟!
بدا الرعب في عينَي الرجل، ولكنه ظلَّ صامتًا … وأمسك «أحمد» بكفه، ثم ثناها إلى الخلف، فأطلق آهةً موجعة.
وقال «أحمد» بشراسة: أين «عوني»؟
أشار الرجل إلى نهاية الدهليز، وعندما حوَّل «أحمد» عينَيه إلى حيث يشير الرجل، انتهزها الرجل فرصة وضرب «أحمد» بكل قوته في ساقه بقدمه الثقيلة … وجرى.
كان «عثمان» و«بو عمير» و«خالد» يفتِّشون الدهاليز للبحث عن الأبواب الخفية … فلم يلاحظوا ما حدث.
ولكن «أحمد» لم يطلق النار على الرجل وصاح: «عثمان» … «بطة».
وأخرج «عثمان» كُرته الجهنمية، ثم رفع ذراعه وقذفها بكل قوته، ومضت منطلقة كالقذيفة خلف الرجل … وأصابته في رأسه، وسقط على الأرض.
قال «أحمد»: شكرًا … لم أُرِد إطلاق النار حتى لا أثير ضجة.
ثم تحسَّس ساقه … وكان الألم مُبرحًا، ولكن لم يكن هناك وقت للالتفات إلى هذه الآلام.
صاح «بو عمير»: وجدت ثقبًا!
وأسرع «أحمد» إليه … وتحسَّس الثقب بإصبعه … كان مُربَّعًا، وهذا يعني أن المفتاح يمكن أن يدور فيه … وسرعان ما جرَّب المفاتيح … وكان المفتاح الثالث مناسبًا … وأدار المفتاح … وكانت مفاجأة. كانت ثمة غرفة كلها من الزجاج السميك … أما المستطيل المواجه للباب فيه فتحات صغيرة عليها مناظير غريبة الشكل … وخلف الزجاج بدا ماء البحيرة الصغيرة … وعلى قاع البحيرة انتشرت مجموعة من البراجيل الشفافة … بداخلها أدوات دقيقة كالعدادات وغيرها.
قال «أحمد»: تجارب جديدة على قاع البحر!
عثمان: أية تجارب؟
أحمد: لا أدري … إنهم يعملون في مشروع جهنمي آخَر!
بو عمير: هل ترى … هناك سُلَّم في آخِر الضلع الأصفر!
خالد: وشخص بملابس الغوص!
أحمد: يبدو أننا دخلنا قاعة مراقبة … ولكن الوقت ضيِّق … هيا بنا!