أخيرًا … عوني!
خرج الأربعة وأغلقوا الباب خلفهم … ثم مضوا إلى حيث أشار الرجل الذي قذفه «عثمان» بكُرته الجهنمية، ومرة أخرى بحثوا حتى وجدوا الثقب المُربَّع، وجرَّب «أحمد» المفاتيح … ولم يكَد الباب يفتح حتى سمعوا صوت الرجل يصيح من الألم … وفي دقائق نشبت معركة خرافية بين الشياطين الأربعة، وبين أربعة رجال، كانوا يحيطون ﺑ «عوني» المُلقى على الفراش، يجرِّبون معه أقسى ألوان التعذيب.
انقضَّ كل واحد من الشياطين الأربعة على أحد الرجال … وطارت الأيدي والأقدام، وارتفعت الأجسام، ثم هوت على الأرض الصلبة … ونزلت ضربات كالمطارق على الرءوس … لقد كان الشياطين في غاية القوة على هؤلاء الوحوش، الذين كانوا يضربون رجلًا مريضًا، يوشك أن يموت.
ولاحظ الشياطين أن هناك بابًا آخَر، وسرعان ما كان «أحمد» ينحني على «عوني» قائلًا: أستاذ «عوني»!
وفتح الرجل عينَيه وبدت فيها نظرة غير مُصدِّقة وأخذ يتنفَّس بعمق وكأنه قادم من القمر.
عاد «أحمد» يقول: أستاذ «عوني»!
وغاب الرجل عن وعيه … وأسرع الأربعة يحملون النقَّالة … ثم يغادرون المكان … ولكن «أحمد» صاح ﺑ «عثمان»: سنحمله أنا و«خالد» فقط … اسبقنا أنت و«بو عمير».
ومضى الأربعة، اثنان في المقدمة … واثنان يحملان «عوني»، ومشوا سريعًا بعد أن قرَّر «أحمد» الاتجاه إلى الغرفة الزجاجية، لإخفاء عوني فيها. وعندما وصلوا إليها، قام «بو عمير» يفتحها ثم أدخلوا «عوني».
وقال «أحمد»: «خالد» … ستبقى مع «عوني». احرسه حتى ننظِّف طريقنا إلى الخارج.
وخرج الثلاثة مسرعين … اختار «أحمد» بابًا غير الباب الذي دخلوا منه … كان يفتح على طريق جانبي بجوار البحيرة … وما كاد يفتح الباب حتى ألقى بنفسه على الأرض … فقد انهالت الطلقات عليه!
ولكن «بو عمير» أنهى المشكلة بدفعة من مدفعه الرشاش … ثم صعد الثلاثة إلى سطح الأرض … كانوا بجوار الفيلا الكبرى … التي كان واضحًا أنها المقر الرئيسي لهذه المستعمرة الغامضة.
كانت الأضواء لا تزال مُضاءَة … وأخذ «أحمد» ينظر حوله إلى نهاية البحيرة الصغيرة، ولاحظ على الفور أن منسوبها أقل من منسوب البحيرة الكبيرة.
فقال «أحمد»: هل تلاحظان … إن مياه البحيرة الصغيرة أقل ارتفاعًا من مياه البحيرة الكبيرة.
عثمان: وماذا يعني هذا؟
أحمد: يعني شيئًا واحدًا … أن مياه البحيرة الكبيرة «نياسا»، تتدفَّق إلى البحيرة الصغيرة من خلال فتحات يمكن التحكُّم فيها … أي إنه يمكن تقليل منسوب المياه أو زيادته في البحيرة الصغيرة … فإذا لاحظت أن جميع شواطئ البحيرة الصغيرة مصنوعة من الأسمنت والحديد، عرفت على الفور أنها بحيرة صناعية.
عثمان: بحيرة بهذه الضخامة صناعية!
أحمد: ممكن … وأعتقد أننا مُقبِلون على مجموعة من المفاجآت العلمية!
عثمان: وماذا بشأن «عوني»؟
أحمد: إنني أريد أولًا أن أعثر على مخزن المفرقعات الموجود هنا!
«بو عمير»: لقد رأيت على أحد الأبواب السرية علامة خطر جدًّا … وهذا يعني أنها، إما كهرباء عالية الضغط … وإما مفرقعات!
أحمد: اذهب وتأكَّد … وأنت يا «عثمان» اذهب إلى «عوني» واحمله إلى هنا مع «خالد» … سأنتظر حتى تحضرون جميعًا!
ووقف «أحمد» في الظلام بجوار مجموعة ضخمة من الصناديق الفارغة … من الواضح أنها أُفرِغَت من حمولتها … وفجأةً وجد «ميمون» يقفز بجواره، ثم يمسك بيده ويجره ناحية غرفة مضاءة في الفيلا الرئيسية … وأحنى «أحمد» رأسه، ومضى حتى وقف بجوار النافذة … وسمع حركة مفاجئة … ثم صراع وصوت «ميمون» يزمجر … واستطاع أن يرى «ميمون» في الظلام مشتبكًا في صراع مع رجل … فأسرع إليه … وبضربة سريعة من فوهة المدفع الرشاش سقط الرجل … وأخذ «ميمون» يقفز حوله كأنه ملاكم قد انتصر على خصمه.
ونظر «أحمد» من خلال الزجاج … وشاهد غرفة لم يشاهد مثلها في حياته … غرفة إدارة المستعمرة … كانت هناك عشرات من شاشات التليفزيون تغطِّي كلَّ ركن في المستعمرة … وعشرات من أجهزة الكمبيوتر … والتحكُّم الآلي … والأتوماتيكي … وأربعة رجال يفحصون جزءًا مُعيَّنًا من المكان … ولدهشته الشديدة شاهد «عثمان» و«خالد» يحملان «عوني» من الغرفة ويخرجان … وكان الرجال الأربعة يوجِّهون ذراعًا انعكست صورته على الشاشة … كانت فوهة … استنتج «أحمد» على الفور أنها فوهة غاز سام، إذا انطلق يقتل الثلاثة على الفور … وعرف أن أسقف جميع الحجرات أسفل البحيرة مزودة بثقوب، يمكن إطلاق النار من خلالها … ولأن «عثمان» و«خالد» كان يجريان بسرعة، فلم يتمكن الرجال الأربعة من توجيه النار بشكل مباشر.
لم يتردَّد «أحمد» لحظة واحدة عندما شاهد على الشاشة «عثمان» و«خالد»، وهما يحملان «عوني» قد انحرفا إلى ممر صغير، يمكن التحكم في إطلاق النار فيه.
ضرب الزجاج بفوهة المدفع، ثم صاح: أي حركة سأطلق النيران على الفور!
التفت الرجال إليه في ذعر، فألقى نظرة سريعة على المكان، وشاهد بابًا في نهاية غرفة التحكُّم … أشار إليه وقال: ادخلوا هنا.
وأسرع الرجال الأربعة في رعب … وفتح أحدهم الباب …
صاح «أحمد»: قِف!
ودار وهو لا يحول عينَيه داخل غرفة التحكُّم، ثم نظر إلى الغرفة … ولحسن الحظ لاحظ أنها مُغلَقة بإحكام من جميع الجوانب وصاح آمِرًا: ادخلوا!
ودخل الرجال الأربعة … وأسرع يغلق عليهم الباب.
أسرع «أحمد» إلى شاشة التليفزيون، وشاهد «عثمان» و«خالد» يصعدان السلم، عند المكان الذي كان يقف فيه.
كان عليه أن يتصرف بسرعة، فدارَ يكسر كلَّ الأجهزة بمدفعه، ثم انطلق جاريًا … وكان «ميمون» يسبقه.
التقى «أحمد» ﺑ «عثمان» و«خالد» في الوقت المناسب، وأشار «أحمد» إلى «ميمون» قائلًا: هل تستطيع الخروج بهما؟
وأخذ القرد يقفز في اتجاهات مختلفة عندما ظهر «بو عمير» وهو يلهث قائلًا: إنها غرفة مفرقعات!
أحمد: عظيم … نريد أن نضع أكبر كمية من المفرقعات، في أماكن متفرِّقة من هذا المكان … خاصة في الأنفاق التي تحت البحيرة … إنها بحيرة صناعية … وأعتقد أن مخازن الأسلحة التي ترد إلى هذا المكان، تُخبَّأ في مخازن تحت البحيرة … إن هذه البحيرة الصناعية هي بالتأكيد أكبر مشروع لعصابة سادة العالم!
بدأت الأرض تهتز فجأة … وقفز «أحمد» من مكانه قائلًا: إنهم يقومون بزلزال صناعي محدود … هيا بنا!
وجروا جميعًا وهم يحملون «عوني». كان «أحمد» و«بو عمير» في المقدمة … وخلفهما «خالد» و«عثمان» … وكان القرد «ميمون» يقفز حولهم … يسبقهم أحيانًا … ويعود إليهم أحيانًا أخرى … والأرض تهتز وهم يجرون بأقصى سرعة، ثم سمعوا صوت انفجارات تقترب منهم … كانت مدفعية خفيفة تطلق قذائفها بالعشرات.
وصاح «أحمد»: يطلب الانبطاح في أقرب حفرة … وانبطحوا جميعًا … وأخذت القنابل تقترب.
وقال «أحمد» في غضب: لقد وقعنا في فخ … سنقفز إلى مياه البحيرة!
وأسرعوا بالرجل المريض والقنابل تقترب … وتقترب … حتى إذا وصلوا إلى مياه البحيرة، نزلوا فيها، مسرعين، وهم يلهثون … وأخذت القنابل تتساقط حولهم.
وفي هذه اللحظات الحرِجة ظهر «موامبا» ومعه مجموعة من الرجال الأشداء … جاءوا سابحين في البحيرة.
قال «أحمد»: «موامبا»؟
وأجاب الشاب الضاحك: «نعم!»
أحمد: خذوا هذا المريض وأخفوه عندكم!
موامبا: وأنتم؟
أحمد: نحن لن نغادر هذا المكان إلا إذا قضينا عليهم … أو قضوا علينا!
وأسرع «موامبا» ورجاله، يحملون «عوني» عبر مياه البحيرة.
وقال «أحمد»: سنبدأ الهجوم!