لقاء قرب النهاية!
أشار «أحمد» إلى الشياطين الثلاثة فغطسوا في المياه العميقة … وظلوا نحو دقيقة يعومون بسرعة ثم عادوا إلى السطح، واقتربوا من الحافة القريبة … كانت القنابل قد توقفت … وساد صمت مريب.
وقال «أحمد» ﻟ «بو عمير» القريب منه: إنهم يتوقعون أن نظلَّ نبتعد، فإذا هاجَمْنا فاجأناهم … هل حدَّدتَ مكان غرفة المفرقعات؟
بو عمير: نعم!
أحمد: إذَن، هيا بنا!
ودار الأربعة حول المستعمرة دورة واسعة … وكان «ميمون» يسبقهم … وسرعان ما اقتربوا من المكان.
فقال «عثمان»: يجب ألا ننزل من السلالم العادية، فلنحاول الدخول من إحدى النوافذ!
أحمد: إن نافذة غرفة التحكُّم مهشَّمة … فقد كانوا يديرون خنقكم بالغاز فتدخلت!
عثمان: إذَن ندخل منها … إننا في حاجة إلى أسلحة جديدة … إن هذه الأسلحة قد ابتلَّت!
أحمد: إن غرفة التحكُّم فيها مجموعة بديعة من الأسلحة.
واقتربوا من النافذة المحطَّمة … كان الظلام يخيِّم على الغرفة، ودخل «أحمد» أولًا … وكانت لحظة قاتلة؛ فقد أُضيئَت الأنوار فجأة، فأعشَتْ عينَيه … وسمع صوتًا يقول: لقد سبَّبتم من الازعاج ما يكفي.
وعندما تعوَّدت عيناه على الضوء، شاهد ثلاثة رجال يرتدون ملابس غاية في الأناقة … كان أحدهم في نحو الخامسة والخمسين من عمره، نحيفًا ولكن تبدو عليه خمائل القوة والقيادة، وكان هو المتحدِّث فعاد يقول: أين زملاؤك؟
ردَّ «أحمد»: لا أدري؟
الرجل: أنت تكفي فسوف يأتي الباقون لإنقاذك!
كان الآخَران يقفان في اعتدادٍ … وقد أمسك كلٌّ منهما بمسدَّس ضخم!
قال «أحمد»: بحيرة صناعية تخفي مخازن الأسلحة!
الرجل: ما رأيك؟
أحمد: إنه إنجاز عظيم!
الرجل: أين «عوني» … هذا الخائن الأكبر؟
أحمد: إنه في مكان أمين!
الرجل: لقد استطاع أن يخدعنا فترة طويلة … وعندما اكتشفنا حقيقته رفض أن يتحدث … ولكنك ستتحدث!
أحمد: عن أي شيء؟
الرجل: عن مؤسسة الشياطين … لقد كسبتم عددًا من الجولات معنا، وقد آن الأوان أن نكسب جولة … وها نحن قد تقابلنا أخيرًا!
سمع «أحمد» صوت «ميمون» خارج النافذة، ولكن الرجال الثلاثة لم يهتموا بصوت قرد … فالغابة حافلة بالقرود.
أحمد: إذَن فأنت الزعيم!
الرجل: ليس لنا زعيم واحد … إن هناك زعماء مناطق … وهم الذين يقرِّرون سياسة المنظمة!
أحمد: تقصد العصابة!
تلوَّن وجه الرجل بعد هذه الجملة وقال بغضب مكتوم: إننا نعمل من أجل إنقاذ البشرية!
أحمد: هكذا يقول أكثر المجرمين!
تقدَّم أحد الشابين الواقفين من «أحمد» ورفع يده ليضربه، ولكن «أحمد» تجنَّب الضربة ببراعة، ثم هوى على الشاب بضربة، جعلته يختنق ويترنَّح في أرجاء الغرفة.
قال الرجل موجِّهًا كلامه للشاب الآخَر: هكذا تمنيت أن أراكم … إن هؤلاء الشبان في غاية الكفاءة!
ثم التفت إلى «أحمد» وقال: هيا بنا!
أحمد: إلى أين؟
الرجل: سنغادر هذا المكان حتى يتم تطهيره، وسنركب طائرة الي «الخرطوم». وهناك سوف يتم الحصول على المعلومات منك، فإن «عوني» رفض أن يتكلم!
أحمد: وهل تظن أنني سأتكلم؟
الرجل: سنرى … هيا بنا!
وأشار الشاب بمسدسه إلى «أحمد» وفي هذه اللحظة قفز «ميمون» إلى الغرفة قفزة واسعة، ونزل بثقله على الشاب فاختلَّ توازنه … وانتهز «أحمد» الفرصة، وانقضَّ على الشاب وأداره بيده اليسرى، ثم وجَّه إليه بيده اليمنى ضربةً أسقطته أرضًا. وعندما التفتَ ليبحث عن الرجل الذي كان يتحدث معه لم يجده … وذهل … فهو لم يغِبْ عن عينَيه سوى لحظات قليلة، ونظر إلى أرض الغرفة، ووجد فتحة واسعة، وشاهد سُلَّمًا ينزل تحت الأرض.
أسرع «أحمد»: بالنزول إلى الفتحة، فقد أدرك من حديث الرجل، أنه أحد زعماء المناطق، وسيكون من المفيد حقًّا لمنظمة الشياطين أَسْره … ولكن في هذه اللحظة دوَّى انفجار عنيف اهتزَّتْ له جدران الغرفة. وأخذ «ميمون» يدور كالمجنون حول «أحمد»، ويشده من ذراعه … وأدرك «أحمد» أن «بو عمير» قد نفذ التعليمات وبدأ في تفجير المستعمرة، فخرج من الفتحة مرة أخرى، وأخذ «ميمون» معه، وأسرع يغادر الغرفة من النافذة.
أخذت الانفجارات تتوالى و«أحمد» و«ميمون» يجريان في محاولةٍ للبُعد عن مراكز الانفجارات. وفجأةً سمع «أحمد» هدير مياه تتدفَّق كالعاصفة … وعندما نظر حوله على أضواء الفجر البعيدة، شاهد البحيرة الصناعية وقد انهار أحد جوانبها، تقذف بمياهها بقوة تجتاح في طريقها المستعمرة، محدثة خرابًا ودمارًا شديدَين.
أخذ يجري مبتعدًا وهو يقول في نفسه: لقد أسرف «بو عمير» في استخدام الديناميت!
توقف «ميمون» بعد فترة، وأمسك بذراع «أحمد» وجذبه بشدة، وكانت حركة في الوقت المناسب فقد قفز نمر ضخم من فوق إحدى الأشجار، في نفس المكان الذي كان «أحمد» يسير فيه … لم يكن مع «أحمد» أسلحة إلا خنجر صغير، أخرجه استعدادًا لهجوم النمر، الذي وقف يزمجر، ثم يستعد للوثب على «أحمد» … وعندما وثب وأصبح في الهواء، دوى طلق ناري، وسقط النمر … وعندما التفت «أحمد» إلى ناحية مصدر الطلقة شاهد «خالد» يخرج من خلف إحدى الأشجار، وهو يبتسم.
أحمد: أين «عوني»؟
خالد: إنه بخير … نحن جميعًا هنا مع «موامبا» في انتظار «بو عمير»!
وأحسَّ «أحمد» بالقلق، ولكنه لم يستمر طويلًا، فقد ظهر «بو عمير» وهو يجري في اتجاههم وصاح به «أحمد»: لقد قمت بعمل رائع، فقد قضيت إلى الأبد على مستعمرة سادة العالم في أفريقيا!
توقف «بو عمير» وهو يلتقط أنفاسه … وظهرت في هذه اللحظة طائرة صغيرة في الأفق … اتجهت بسرعة إلى الشياطين، ثم نزلت بسرعة، وأخذت تطلق عليهم مدافعها الرشاشة.
وصاح «بو عمير»: انبطحوا!
وانبطح الجميع، ولكن الطائرة دارت وعادت … وظهر «عثمان» وهو يمسك بمدفعه الرشاش، واستند إلى الشجرة، وعندما اقتربت الطائرة للإغارة عليهم مرة أخرى استخدم كلَّ ما يمكن من مهارة، وأطلق عليها دفعة من مدفعه … وسرعان ما انطلق خيط من الدخان من الطائرة يؤكِّد أنها أصيبت واندفعت مبتعدة.
ظهر «موامبا» و«موشينجا» وقال «موامبا»: من الأفضل مغادرة المكان فورًا … إن عندهم طائرات كثيرة!
بو عمير: لقد دمرت أكثرها في المطار الخلفي.
بعد ساعة من هذه الأحداث، كان الشياطين ومعهم «عوني» في الطائرة الهليكوبتر، يطيرون على ارتفاع منخفض، فوق المستعمرة التي كانت الانفجارات قد حطَّمَت أغلب مبانيها … واندفعت مياه البحيرة الصناعية لتدمير الباقي.
وقال «عوني» وهو يبتسم ابتسامة واهنة: لقد قمتم بعمل رائع!
قال «أحمد»: إنك أنت الرائع، فقد كدت تفقد حياتك في حربنا ضد هذه العصابة الدموية.
أما «ميمون» فقد انهمك في أكل أصابع الموز، التي لم ينسَ أن يحضرها معه من الغابة.