مدحت باشا (٣)
هذا مدحت باشا — في مزرعته — يفكر، كل محاولته في الإصلاح ضاعت سدى، لصلابة السلطان عبد العزيز الذي يأبى أن يسمع كلمات «الشورى، والدستور، والعدل، والحرية، والأمة»؛ وكل من نطق بهذه الكلمات كان عرضة للنفي والتشريد والقتل والعزل كما حدث له.
إن السبب الوحيد لتذمر المسيحيين في الدولة هو فقدانهم الحرية، فمتى مُنحوها عطفوا على الدولة وشعروا أنهم جزء منها.
وسَبب ضعف المسلمين هو فقدان الحرية، فمتى شعروا بحريتهم أقدموا على عملهم ونشطوا، وكسبوا، وتعلموا، واستخدموا ذكاءهم ومواهبهم لإسعاد أنفسهم وأسرتهم وهيئتهم الاجتماعية.
وفقدان الجميع الحرية يملؤهم خوفًا، ويفقدهم رجولتهم ويخلقهم بأخلاق العبيد: من ذلة وضعة، وعدم الالتفات إلا إلى المأكل والملبس ينالونه من أخس الطرق. وليس الذي وقعنا فيه من طبيعة الإسلام في شيء، فالإسلام يسوي بين الغني والفقير في الحقوق والواجبات، وبين الوزير وراعي الغنم، ويجعل أمرهم بينهم شورى؛ وهذا السلطان يكره كلمة الشورى كما يكره الموت. والإسلام جعل من أهم قواعده الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وهذا السلطان لا يسمح لأحد أن يأمر بمعروف ولا أن ينهي عن منكر.
إن الشورى الإسلامية نظمت في العصر الحديث بما يسميه الأوروبيون البرلمان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشكل في المدنية الحديثة بحرية الصحف في النقد، وحرية الأفراد والجماعات في التأليف وإبداء الآراء في صراحة، يستحسنون ما يرون، ويستنكرون ما يرون، ويخطبون كما يشاءون، فلا أحد معصوم، ولا الحكومة معصومة، ولا الولي معصوم؛ وإنما الذي يقوْمهم ويخيفهم ويلزمهم الجادة يقظة الرأي العام وحريته في النقد، وهذا هو ما سمي في القرآن: بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر. كل هذا واضح وجلي ولا بد منه، ولكن إرادة السلطان عبد العزيز هي الصخرة التي تتكسر عندها كل هذه الآراء.
أرض الدولة العثمانية أخصب أرض في العالم، وهي مع ذلك أفقر أرض، لهجرة كثير من أهلها بالظلم، وإقال كاهل من بقي بالضرائب. ولا شركات، ولا مصانع؛ فالقطن كثير في البلاد ومع هذا فالأقمشة القطنية تجلب من أوروبا، حتى الطرابيش التي نضعها على رءوسنا، وعلب الكبريت التي نشعل بها نيراننا نجلبها من الخارج؛ وكل المواد الأساسية متوفرة عندنا، ولكن لا عدل، ولا أمن على المال، فلا شركات ولا صناعات. ولا يتأتى العدل إلى بالقوانين العادلة، والمحاكم العادلة، وهذه لا تكون إلا بالحرية، أي الدستور. كل من جاهر بالإصلاح أبعد؛ ففؤاد باشا مات محتقرًا مهينًا، وعالي باشا دُسَّت له الدسائس حتى عزل من منصبه، وهما ماهما في الكفاية والاستقامة؛ وإما يقرَّب أمثال محمود نديم الشره الجاهل الذي يقدِّم مال الدولة للسلطان، ثم ينتهب لنفسه ما نالته يده.
رحم الله فؤاد باشا وعالي باشا، فقد رأيا أن السلطان لا يسمع لقولهما في الإصلاح، ففكرا في حيلة لطيفة: أن يشوِّقا السلطان عبد العزيز لزيارة أوروبا، وينتهزا فرصة زيارته للعواصم الأوروبية فيبينا له ما وصلت إليه من النظام والتقدم، ويشعراه من طرف خفي بأن سبب هذا كله حسن الإدارة وصلاحية الحكم، لعله إذا عاد تحفزت نفسه لحسن التقليد، فأصغى إلى المصلحين وشجعهم على الإصلاح، وسار في أموره غير سيرته، والتفت إلى رعيته؛ ولكن خاب فألهما فقد عاد أشد إسرافًا، وأكثر تبذيرًا في ملذاته. عاد ووعد ثم أخلف ما وعد؛ وكل ما فعل أن حقد عليهما لأنهما أشارا عليه بانتخاب مجلس في كل ولاية يجدد كل سنة لمشاركة الوالي في أعماله، وبذل النصح له، فرأى أنها فكرة شيطانية يراد منها التدرج إلى البرلمان أو الدستور، ذلك الشبح المخيف. وكل ما جنته البلاد من هذه الرحلة إنشاؤه مصانع ومتاجر باسم خزانته الخاصة لا باسم الشعب. ثم هذا السلطان يستدين ويستدين؛ فقد كانت ديون الدولة في آخر أيام السلطان عبد المجيد ٢٥ مليون ليرة، فبلغت بعد ١٢ سنة — بفضل عبد العزيز — ٢٥٠ مليون ليرة، فما مصير الدولة إذا استمر الحال على هذا المنوال؟! يظهر أن لا أمل في الإصلاح مع وجود «عبد العزيز»، بل لا أمل حتى ولو أصدر لوائح الإصلاح، وأوامر إنشاء القوانين للمحاكم والنظم للمدارس، فقد جربناه فرأيناه يطأطئ للعاصفة حتى تمر، فإذا مرت عاد سيرته الأولى، وحل ما عقد، ونقض ما أبرم.
لم يبق إلا أمر واحد، وهو تهيئة النفوس لعزله، ووضع الخطط المحكمة لإنزاله عن عرشه؛ ومع الأسف لا يمكن أن يتم ذلك إلا بالجيش، وفي هذا خطورته، ولكن قد تعلّمْتُ في جامع الفاح أن الضرورات تبيح المحظورات. فإذا تمت الأمور وعزل عبد العزيز، وأقيم مكانة سلطان جديد أقامته الأمة بقوتها، وأُعلن — يوم توليته — الدستور، شعر بأن الأمر بيد الأمة فأطاعها، وأنه مدين لعرشه بالدستور فاحترمه، وسارت الأمور سيرًا حسنًا: دستور نافذ، وسلطان مطيع؛ وبدأنا حياة جديدة كلها خير على الأمة، وسرنا في الطريق الذي سارت فيه الأمم الحية، نأخذ محاسنهم، ونتجنب أخطاءهم، فإذا الحياة سعيدة، والعدل شامل، والدستور حام، فلنسر على بركة الله.
هكذا فكَّر مدحت، وهو يشرف على الإصلاح في مزرعته، والفؤوس تضرب في الأرض، والنواعير تبكي بدموع غزار.
سارت الأمور أول الأمر كما فكر تمامًا، فها هو يدبر الحركة ويتصل بالشبان والشيوخ الذين سئموا هذه الحال، ويتفق معه في الرأي حسين عوني باشا (سر عسكر الدولة)، وهما يتصلان بناظر البحرية وشيخ الإسلام، ويتفق الجميع على خلع عبد العزيز في يوم معين. حتى إذا جاء اليوم أتى الأسطول فرسا أمام سراي طولمة بنجه، واجتمعت العساكر فأحاطت بالقصر، ودخل على السلطان من أبلغه خبر العزل، فاستخف بهذا الخبر، فأشهدوه العساكر والأساطيل والجموع المحتشدة فاستسلم، وأنزلوه من السراي، ووضعوه في قصر فخم ومعه والدته وثلثمائة أنثى، بين زوجات وجوار مملوكات ووصيفات وخادمات؛ واختصروا حاشيته فاستغنوا عن ١٢٠٠ سائس و١٠٠٠ طبلكار (حامل طبليات الطعام) و٦٠٠ قواربي وأمثالهم من الخدم، وقطعت مرتباتهم للضائقة المالية التي حلت بالدولة. وبعد بضعة أيام وُجد السلطان مقتولًا، فقيل إنه قتل، ويرى الأكثرون، ويقرر الأطباء العديدون، ويؤكد ذلك مدحت، أن السلطان أخذته العزة فقطع شريانًا من ذراعه بمقراض فمات من ذلك.
ومهما كان فقد بويع السلطان مراد، فلم تمض عليه أيام حتى ظهر جنونه واختلط عقله؛ فوُلِّيَ السلطان عبد الحميد بعد ثلاثة أشهر، وحمل «مدحت» عبء هذه الأحداث الفظيعة والربكة الشنيعة؛ وهو في أثناء مرض السلطان مراد يجتمع بأعوانه ويدرس قوانين أوروبا ونظمها ويختار أنسبها.
وكان في ذلك يضع إحدى عينيه على النظم الأوروبية والأخرى على حالة الدولة، فما كل ما يصلح لأوروبا يصلح لها؛ وفي ذلك يقول: «إن أخذ القانون من أوروبا ووضعه لنا لأنه أفادهم يشبه أخذ آلة من الآلات عندهم للنسيج وجلبها إلى بلادنا وليس عندنا فرد يقدر على إدارتها والاستفادة من سرعتها.
وفضلًا عن ذلك فكثير من القوانين لا يوافق كل الولايات في دولتنا؛ فالقانون الذي يوافق ولايات حلب وسوريا وبغداد لا يوافق ولايات بروسه وأزمير وأدرنه؛ وقد يكون القانون في بعض الولايات عدلًا، وفي بعضها ظلمًا، فيجب النظر إلى هذه المسألة عند تغيير القوانين.
وإن مسألة استقلال المحاكم، وأصول جباية الأموال، وقوانين الإدارة وغيرها من القوانين والنظامات، قد استعملها الإفرنج فأفادتهم بسبب رقي الأهالي ومدنيتهم؛ فقانون الأراضي مثلًا يقضي علينا بتعيين المهندسين، ومعرفة مقادير أراضي بلادنا وأصحابها ووضع الضرائب اللازمة، وهذا لا يتم بواسطة كاتب واحد يتقاضى ١٥٠ قرشًا في الشهر، فالإفرنج يعينون لكل قرية لجانًا ومهندسين يمسحون الأراضي ويقدرون الضرائب، ونحن لا نعرف لليوم عدد سكان بلادنا ولا مقدار أراضينا.
فيجب تدريب الرجال وإلقاء أزمة الأمور إليهم بالتدريج … كما يجب تخصيص الأعمال لكل طائفة؛ ففي أوروبا للمالية اختصاصها، وللحربية اختصاصها، وكذلك للداخلية والعدل أما عندنا فالأمور كلها منوطة بالوالي».
وهكذا عكف هو وأعوانه على هذا الإصلاح الذي يتلخص في اختيار خير النظم الأوروبية واختيار أوفقها لحالة الدولة الاجتماعية، والأخذ بيدها تدريجًا، كلما أَلِفَتْ خطوة انتقل بها إلى ما بعدها.
ويعد القانون الأساسي للدولة ويرتب نظام مجلس المبعوثان، فما وُلّي السلطان عبد الحميد حتى كان ذلك كله معدًا، وتولى مدحت باشا الصادارة. وبعد أربعة أيام من صدارته بادر السلطان إلى إقرار القوانين، وأعلن الدستور المؤسس على الشورى، والمؤسس على اشتراك جميع الرعايا في شؤون تحسين الدولة من غير تفرقة بين عنصر ودين؛ ونُظِّم للدولة مجلسان: مجلس ينتخب من الأهالي ويسمى بمجلس المبعوثان، ومجلس تعين الدولة أعضاءه ويسمى مجلس الأعيان. وتُلى هذا الدستور المشتمل على ١١٩ مادة بالآستانة في محفل عام (١٤ من ذي الحجة سنة ١٢٩٣هـ)، وأمر بأن يكون العمل بمقتضاه في جميع أنحاء المملكة العثمانية، وأطلقت المدافع عن القلاع البرية والبحرية، واستبشر الناس خيرًا، وأقيمت الأفراح والليالي الملاح. وكان يتضمن هذا الدستور حقوق الدولة وواجبات الوزراء ورجال الإدارة، واختصاص كل مجلس من المجلسين، وتنظيم المحاكم والديوان العالي والمالية الخ، وكل الدلائل تبشر بالخير. هذا مدحت أبو الدستور رئيس الوزارة، وهذا السلطان عبد الحميد أتى بإرادة الأمة وهو مدين لها بجلوسه على العرش، مدحت يؤيده، وهو يؤيد مدحت، والكل يخضع للنظام والحكم الديمقراطي، فماذا ينتظر بعد ذلك إلا الخير!!
هكذا قال الناس، وهكذا قال مدحت.
لعله أخطأ إذ بلغ في التفاؤل أكثر مما يلزم، وكذلك أكثر عظماء الرجال تسحرهم الفكرة، ويلعب بلبهم المبدأ فلا يرون منه إلا النواحي البراقة، كالفنان يرى في شجرة الوردة أزهارها ولا يرى أشواكها. استخف بقوة الرجعيين، ولم يعرف لطهارته أساليب دسائسهم، واقتنع بالبسمة على وجوههم، ولم ينفذ منها إلى الغِل في أعماق صدورهم، ولم يقدر قوة العدد العديد الذي كان يغتني من الظلم وسيفتقر بالعدل؛ والذي كان يثري من كلمة ملق أو تسويد سطر بوشاية، فأصبح خائفًا من العدل أن يجرده من ثرائه وينزله من جاهه؛ والذين يبشرون أنفسهم بالحظ لأنهم فقدوا أن ينالوا شيئًا ببذل الجهد.
وشيء آخر هام فاته، وهو أن من عاش طويلًا في ظل العبودية لا يتعلم سريعًا مزايا الحرية، وأن الأمم السابقة إلى النظم الديمقراطية لاقت الأهوال قبل أن تعتدل، وتأرجحت كثيرًا قبل أن تتوسط، والذي نفعها أنها لم يكن يطمع فيها طامع، فقضت مدة التجربة وهي آمنة مطمئنة؛ أما هذه الدولة فلا ينتظر مدة تجربتها أحد، فإذا بدأت تجرب قالوا لا تصلح، وإذا أخطأت لم يقولوا إنه عَرَض مفارق بل قالوا طبع ملازم.
فهذا مجلس المبعوثان يجتمع فيشتط بعض أعضائه في القول من غير حساب حتى يثير بأقواله مشاكل ومخاوف ما كان أغناهم عنها، وكل ولاية تظن أن مبعوثيها نائبون عنها لا غير وليسوا نائبين عن الأمة، وأن عليهم أن ينفذوا جميع رغائبها ولو كانت غير عادلة، ولو كانت لا تتفق ومصلحة الدولة من حيث هي كل؛ ويحمل البريد إلى كل مبعوث ما ينوء بفتحه بله قراءته: هذا يطلب عزل خصمه وتوليته بدله، وهذا يلتمس رتبة ونيشانًا، وهذا راغب في وظيفة، وهذا راغب في ترقية، حتى بلغ الحال أن مكاريا سرقت دابته فبعث إلى مبعوث ولايته أن يأمر بإعادتها إليه.
وربما كان هذا طبيعيًا والنظام جديد، والجهل عتيد، ولا بد من فترة تمر يفهم فيها أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، وأن مبعوث الولاية نائب الأمة أولًا وولايته ثانيًا، وأنه كلما خفف ناخبوه مطالبهم زادوه مقدرة على نفع أمتهم؛ ولكن أنّى لهم بمن يصبر على سخاتهم، ويفسح الصدر لمرانهم، والأعداء كثيرون في الداخل والخارج وهم لهم بالمرصاد؟!
وزاد الأمر سوءًا أن الروسيا إذ ذاك لم يرضها هذا الحال، فاحتجت على ذلك وتأخرت في الاعتراف بالنظام الجديد، ولعبت بالبلقان فحرَّكته، وثارت الثورات في أنحائه، فثورة في الصرب، وثورة في الجبل الأسود والبوسنة والهرسك، والحروب قائمة، وانتصارات الدولة لا تفيدها عند الدول، وانتصارات عدوها يفيده؛ والدولة فقيرة في المال بما أسرف عبد العزيز، وفقيرة في رؤساء القواد، فقد قتل حسين عوني باشا وغيره معه بيد أثيمة، وروسيا تريد فصل البلغار عن الدولة، ولكل دولة مطامع؛ ومدحت يتحمل كل هذه الأعباء الداخلية والخارجية في صبر عجيب، فنهاره في تنظيم الشؤون الداخلية، وليله في المشاكل الخارجية، وفي ذلك يقول: «تحملت من المتاعب من يوم جلوس السلطان مراد ما يفوق القدرة البشرية، وكنت أقول ليست هذه الحياة لي بل للأمة، وقد وقع الوطن في مصائب داخلية وخارجية، فواجب أن أسعى في تخليصه من مخالبها».
وفيما هو كذلك سلّم إليه أحد رجال المابين خطابًا فتحه وقرأه، فإذا فيه عزله وإبعاده إلى خارج الدولة فورًا من غير أن يعرّج على أهله، وذلك بعد شهرين من صدارته. فألح مدحت على رجل المابين أن يراجع السلطان في بيان السبب؛ فعاد وقال: إن السلطان يقول إن المادة ١١٣ من الدستور تخول السلطان حق إبعاد الذين ترى نظارة الضابطة سوء حالهم، وقد قام ناظر الضابطة إلى جلالة السلطان تقريرين وقَّع عليهما وهما هذان. ففتح مدحت أحدهما فإذا فيه: «أن جاسوسًا سمع ضابطًا يقول لصاحبه في إحدى المقاهي إن مدحت سيكون رئيس جمهورية» فاكتفى مدحت بهذا ولم يفتح الثاني، وقال: «إن بلادي التعيسة كمريض حضره نُطُسُ الأطباء، وعالجوه حتى كاد يبلُّ من مرضه، فاندس عدوّ له فسقاه سما قضى على حياته». وصدع بالأمر وركب الباخرة «عز الدين» لتوه من غير أن يرى أهله.
وخاف السلطان من الرأي العام، فطلعت الجرائد ومن ضمنها «الجوانب» ترمي مدحت بأفظع التهم، هذه تقول إنه ضبطت أوراق تدل على خيانته، وهذه تقول إنه أراد أن يجعلها جمهورية، وهذه تقول إنه قد أوقع الدولة في مشاكل خطيرة؛ وأدى الشعر رسالته، وأنشئت فيه قصائد هجاء بليغة، وأظهر كثير من المعمَّمين ابتهاجهم، وقالوا إنه يريد فصل السلطة الدنيوية عن السلطة الدينية — والذي يقارن بين الجرائد منذ أربعة أيام وبينها اليوم يعجب لهذا الانقلاب الغريب من مديح رنان إلى هجاء رنان. وسكت الناس بين الدهشة والعجب، والشك واليقين؛ وشُرِّد رجال مدحت ممن أخلصوا له ولمبادئه. ووسط هذه البلبلة الفكرية صدر الأمر الشاهاني بتعطيل الدستور تعطيلًا مؤقتًا، ولكن ألا تعرف — أيها القارئ الكريم — مدة هذا التعطيل المؤقت؟ ثلاثون سنة!!
لم يكن الرأي العام حذرًا فخُدِّر، ولا عاقلًا فخُدع، ولا قويًا فامتهن.