بعض حروب أخرى
وكذلك مالت قبائل الغال النازلة في شمال إيطاليا إلى الثورة والعصيان؛ فقمعوا وبقي في إيطاليا من أراد البقاء، وهاجرت عدة من القبائل التي لم تَرْضَ أن تكون تحت ذل واستعباد الرومانيين، وآثرت هجرة الوطن إلى غيره من بلاد الله الواسعة طلبًا للاستقلال والتمتع بالحرية بعيدًا عن مرامي أنظار الرومانيين، ونزلت على شواطئ نهر الدانوب.
ولما اخترق فلامينوس بلاد اليونان وأعاد السكينة إليها قصد عاصمة ملك بروزياس، وطلب منه تسليم أنيبال فلم يرَ بدًّا من الإذعان لطلباته خوفًا من سطوة حكومته، وخشية أن تمد رومة يدها الخاطفة إلى بلاده، خصوصًا وأنها لم تبخل عليه بإقطاعه بعض أملاك أنتيوكوس؛ فأمر بالقبض عليه وإحضاره، ولما علم أنيبال بذلك تجرع السم بنفسه حتى لا يقع في أيدي من لم يرحمه (سنة ١٨٣ق.م)، وبذلك انتهت حياة هذا البطل الذي زعزع أركان الحكومة الرومانية وكاد يدخل رومة لولا وطنية الأمة الرومانية، وثباتها أمام النوائب والنوازل، وبذلها الأموال والأرواح لإنقاذ وطنها من احتلال الأجنبي وإجلائه عنها.
ولما علم سناتو رومة بمساعي فيليب أطلق سراح ابنه دمتريوس الذي كان أخذ ضمن الرهائن وأرسله لبلاده ليكون نصيرًا للرومان على والده، فذهب إلى مقدونية وصار رئيسًا للحزب المصافي للرومانيين، وكان له أخ لأبيه يدعى (برسيه)، فخشي برسيه من أن يرث دمتريوس المُلك بعد أبيه دونه بسبب أن والدته ليست من العائلة الملوكية؛ فسعى به لدى والدهما وأقنعه بأن دمتريوس يؤامر لقتله، فحنق عليه والده وقتله سنة ١٨١، ثم ندم على تسرعه وحزن حزنًا شديدًا كان سببًا لوفاته في سنة ١٧٩ فخلفه ابنه برسيه المعادي للرومانيين، وتظاهر في أول أيامه بقبول الشروط التي قبلها والده، وأخذ في استمالة القبائل المجاورة له وملوك اليونان بآسيا الصغرى وفي تحريض المتبربرين على تعدي الحدود الرومانية، وأرسل وفدًا إلى قرطاجة يطلب منها المساعدة والمعاونة سرًّا وأخذ يستعد لمحاربة الرومانيين ومنازلتهم.