الملك أنكوس مارسيوس
وولي بعده (أنكوس مارسيوس) ويقال إنه حفيد نومابومبليوس ثاني ملوك الرومان، وكان مثل جده ميالًا للسلم محبًّا للسكينة التي تساعد على تقدم أسباب العمران ونمو الزراعة والصناعة، فنشَّط الزراعة ونقش القوانين المعمول بها على ألواح، وعلقها في محل اجتماع الأهالي المسمى بالفوروم، وأعاد ما اختل من نظام عبادتهم في عهد سالفه، وشدد في مراعاة قواعده لتحققه أن الدين مهما كان فاسدًا ضروري لكبح جماح الأهالي، ومنعهم عن الإخلال بالراحة العمومية لأمره بإطاعة ولاة الأمور والرضوخ لأوامرهم.
لكن لم يمنعه حبه للسلم من الحرب والقتال خصوصًا مع اللاتين الذين نكثوا المواثيق وخانوا العهود، فاضطر لمحاربتهم وإقماعهم بعد قتال عنيف، ولمَّا فاز عليهم بالنصر المبين دمر أربعة من مدائنهم، ونقل سكانها إلى رومة، وأسكنهم على مرتفع (أفانتان)؛ فاتسعت المدينة اتساعًا عظيمًا، وأقام أول جسر (كوبري) على نهر التبر وحفر مينا (أوستيه) لتسهيل التجارة، ونقل البضائع إلى رومة؛ فاتسع العمار وكثرت المساكن على الشاطئ الأيمن، والتزم (أنكوس) أن يقيم حصنًا منيعًا على مرتفع (جانيكول) لحماية الجسر، وصد غارات العدو عنه، وخدَّ خندقًا عميقًا لمنع كل عدو مهاجم يحيط بجميع المساكن القائمة على الشاطئ الأيمن، ولمَّا كثرت أهالي المدينة بسبب إقامة الألبيين وسكان مدائن اللاتين الأربع، وكثر ارتكاب الجرائم وتعدد التعدي على الأموال والأرواح بسبب اختلاف الأجناس واختلاطهم؛ أنشأ (أنكوس) سجنًا تحت الفورم لمرتكبي الجرائم الكبيرة، وبالاختصار نمت المدينة وارتقت في أيامه، وعلا شأنها واشتهر اسمها، وتوفي سنة ٦١٦ قبل المسيح.