الملك تركان الأول
وفي مدة ملكه أتى المدينة رجل أجنبي من أهالي (كورنثه) ببلاد اليونان هجر أوطانه،
وترك خلانه مع أبيه (ديماراث) هربًا من استبداد عائلة (سيبسيلوس)، واستوطن مدينة
(تَركُرِينِيَه) إحدى مدائن الأتروسك، ثم ارتحل عنها إلى مدينة رومة، ولشدة ذكائه وقوة
دهائه استمال إليه الملك أنكوس والأمة الرومانية حتى جعله الملك وصيًّا على أولاده من
بعده، وانتخبه الأهالي ملكًا عليهم بعد وفاته، واشتهر في التاريخ باسم (تركان) نسبة
للبلد التي أتى منها إلى رومة ولقب بالقديم، وفي أيامه ازدادت رومة بهجةً وبهاءً وحسنًا
ورواء؛ فجفف أرض (الفورم) حيث كانت تغمره مياه التبر أيام فيضانه وطغيانه، وأحاطه
بأروقة جميلة على أعمدة ظريفة، وخصصه لاجتماعات الأهالي العمومية سياسية كانت أو مختصة
بالأعياد وأوقات الملاهي، وأحاط المدينة على اتساعها بسور منيع من الحجر الصلد أدخل
ضمنه جميع المباني الحديثة؛ لتكون في أمن من كل طارئ، وابتدأ في بناء
(الكابيتول)
١ ومهد أرض المحل المعد للألعاب الرياضية على اختلاف أنواعها (سرك)، وغير ذلك
من الأعمال الجسيمة ذات المنفعة العامة، خصوصًا المجاري العظيمة التي بناها تحت المدينة
لتصريف أقذارها، والباقية آثارها إلى الآن تشهد لبانيها بعلو المدارك وارتفاع
الشان.
ولقد استعان على تتميم هذه الأعمال العظيمة بما أخذه في حروبه العديدة مع السابيين
واللاتين من الأموال الطائلة والغنائم الهائلة، وتغلب أيضًا على أمة (الأتروسك) التي
كانت أرقى من الأمة الرومانية في سلم التمدن، ولمَّا كانت القاعدة التاريخية أن الأمة
الغالبة تتعود بعوائد الأمة المغلوبة، وتتخلق بأخلاقها إذا كانت أرقى منها حضارة وأرفع
تمدنًا اقتبس الرومانيون من الأتروسك عوائد كثيرة؛ منها المواكب الانتصارية التي كان
يحتفل بها عند عودة الملك إلى المدينة عقب انتصاره على الأعداء، فكان يدخل المدينة
لابسًا الحلة الأرجوانية والنجوم مزركشة عليها، راكبًا عربة تجرها أربعة من الخيول
البيضاء، يتقدمه حَمَلة البلط المربوطة حول يدها العصي علامة على السلطة والقوة، وبعد
أن حكم نحو أربعين سنة تآمر أولاد أنكوس الملك السابق على قتله انتقامًا منه على
اختلاسه الملك، فأوعزوا إلى اثنين من الرعاة بالتظاهر بالمشاجرة قريبًا من قصر الملك
حين وجوده به حتى إذا استدعاهما أمامه قتلاه، وقد تم الأمر كما اتفقا عليه وأراداه وضرب
أحدهما الملك بآلة قاطعة قاتلة فشج رأسه ومات لحينه.
هوامش