الملك تركان الثاني
وكان تركان الثاني ميالًا للكبرياء والجبروت محبًّا للظلم والاضطهاد، فأبطل جميع الإصلاحات التي أدخلها سرفيوس وسلب طبقة العوام ما مُنِحَتهُ من الحقوق، فرجعت إلى ما كانت عليه من الضعة والانحطاط؛ ولذلك لقَّبه الأهالي بالشامخ وأظهروا له الجفاء والإعراض، فاتخذ لنفسه حرسًا من الأجانب استخدمهم لقمع الأهالي، وإطفاء كل حركة تبدو منهم طلبًا للحرية، والتخلص من حكمه الجائر.
وكان يقتل كل من آنس منه عدم الإخلاص له والرضا عن أعماله من الأعيان وأعضاء مجلس الشيوخ، واتبع هواه في جميع أعماله، ولم يراعِ لقانونٍ حرمة ولم يخفر لأحد ذمة، وسخَّر الأهالي في أشغاله الخصوصية والمنافع العمومية، فتمم مجاري المدينة والكابيتول وباقي ما شرع فيه والده من الأعمال، وتحالف مع حاكم مدينة (تسكولم)، وزوَّجه ابنته ليكون له عونًا وعضدًا ضد رعاياه، ويقال إن العَمَلة عثروا عند فتح أساسات (الكابيتول) على رأس إنسان، فقال المنجمون إن ذلك يدل على أن مدينة رومة ستكون ذات شأن عظيم في العالم، وتكون مقر حكومة يمتد سلطانها على جميع أنحاء العالم المتمدن.
وفي عصر هذا الملك حضرت إلى المدينة إحدى المتكهنات المدعيات معرفة الغيب وقدمت له تسعة مجلدات مدعية أنها تحتوي على بيان كل ما يستحدث لمدينة رومة من الحوادث، وطلبت منه في مقابلتها مبلغًا عظيمًا فرفض، فأحرقت ثلاثة منها وعرضت عليه الستة الباقية بنفس القيمة فرفض ثانيًا، فحرقت ثلاثة أخرى وعرضت عليه الثلاثة الباقية بالقيمة نفسها فقبل ووضعها في خزانة خصوصية بنيت لها تحت الكابيتول، وعيَّن لحراستها اثنين من الأشراف، وهذه الخرافة تشبه ما يدعيه البعض في زمننا هذا زمن البدع والغرائب من وجود كتب يسمونها (الجفر)، يقولون إنها تنبئ بالمستقبل ويصدقهم بسطاء العقول وصغار الأحلام.
ومن أعمال تركان الشامخ أنه حارب كثيرًا من مجاوريه، وانتصر عليهم خصوصًا قبائل (الفولسك)، وشدد ربط الاتحاد مع مدائن اللاتين، وجعل لرومة — وبعبارة أخرى لنفسه — سيطرة شديدة عليها، وفتح مدينة (جانس) بواسطة أكبر أولاده (تاركان سكستوس)، وذلك أنه تظاهر بالعصيان على والده واحتمى بهذه المدينة، وأقام بها حتى استمال في خلالها الأهالي بحسن المعاملة وبذل العطايا حتى اختاروه حاكمًا عليهم، ولما تم له الأمر أرسل لوالده يسأله عما يفعله لتوطيد سلطته وتسليم المدينة إليه، فوجد الرسول والده يتمشى في بستان، وبعد أن سمع ما كلف بتبليغه إياه أخذ يقطع الأزهار المرتفعة عما جاورها بعصاة كانت بيده، ثم قال للرسول: عليك بتبليغ ما رأيت لولدي فإن فيه الجواب الكافي والرأي السديد.
ولمَّا نقل حديث هذا الدور التمثيلي إلى سكستوس أدرك أن والده ينصحه بقتل أعيان المدينة، وكل من يظن فيه المعارضة، فأمر بقتلهم وسلم المدينة لوالده غنيمة باردة.
وكان تركان فظًّا غليظًا سيئ الخلق ظالمًا مستبدًّا لا يوقر كبيرًا ولا يرحم صغيرًا ولا يحترم أميال الأمة ولا آراء نوابها وشيوخها فنفر منه الأهالي، ولم تبقَ لهم طاقة على احتمال هذه المعاملة، وصاروا يترقبون الفرص المناسبة للتخلص منه، ولا يتركون طريقة لبث شكواهم وإظهار تمللهم، وزاد غيظهم منه ومقتهم له حين تطاول ابنه سكستوس إلى اغتصاب (لوكريسيا) زوجة تركان كوللاتان ابن أخي الملك، فساعده الأهالي على الانتقام منه وطرد الملك تركان الشامخ، وإسقاط الحكومة الملكية، وتأسيس الحكومة الجمهورية.