عند نقطة البداية!
في موعد السفر تم اجتماع سريع بين أعضاء الفريق المسافر إلى ألمانيا والمكوَّن من «أحمد» و«رشيد» و«خالد» و«إلهام» و«ريما» … وأعدوا معًا التجهيزات التي سيحملونها معهم … وقد شملت حقائب بها جيوب سرية للأسلحة الخفيفة، والأجهزة الأخرى كالنظارات المكبرة وأجهزة الاستماع الدقيقة … وأدوات صغيرة أخرى لفتح الأبواب والنوافذ والسيارات …
وفُتحت أبواب المقر السري الصخرية، وانطلقت سيارة ضخمة من طراز مرسيدس ٥٠٠ تحمل الشياطين إلى أقرب مطار … واجتازوا الصحراء التي تُحيط بالمقر السري مسرعين. وعندما كانت الشمس تميل للمغيب وصلوا إلى أقرب مطار … وكانت معهم تذاكر السفر إلى «برلين». أيضًا وجوازات تحملُ التأشيراتِ المطلوبة.
قفزوا إلى طائرة شركة «إنترفلوج»، وربطوا الأحزمة، وقد فضَّل «أحمد» أن يجلس بجوار النافذة … فقد كان يريد أن يسرحَ بخياله قليلًا في المعركة القادمة … مع هذا الرجل الذي مات ودُفن ثم ظهر بعد ثلاث سنوات …
وتساءل «أحمد» بينه وبين نفسه: تُرَى مَن الذي دُفن في القاهرة … ومَن الذي يعيش في برلين؟
لا بد أن أحدهما هو العالم المصري «سامح سليم» … أو قد يكون رجلًا ثالثًا؟
إن ما مروا به من أحداث جعل كلَّ شيء ممكنًا …
ومضت الساعات الأربع سريعة، ثم أعلن قائد الطائرة وصولَهم إلى «برلين» … وبعد ذلك بنصف ساعة كانت هناك سيارة أجرة تحملهم إلى المقر الذي اختاره العميل رقم «صفر» في برلين … وقد أحسوا على الفور أن الطقس معتدل … بل حارٌّ، وعندما بدَت ملامح المدينة تظهر …
قال «خالد»: أظنها أول مرة نزور «برلين»؟
ردَّ «أحمد»: إنها مدينة تاريخية وجميلة، تعرَّضَت للقصف العنيف عند نهاية الحرب العالمية الثانية من الحلفاء … ومن الاتحاد السوفييتي … ولقيَ فيها «هتلر» مصرعَه … وانتهت الحرب بسقوطها … وقد تهدَّمت «برلين» تمامًا … ولكن الألمان استطاعوا إعادة تعمير برلين … بل ألمانيا كلها!
ردَّت «ريما»: أظنهم تركوا بعض الأماكن كما دمرتها الحرب … لتكون ذكرى للأجيال.
أحمد: نعم! و«برلين» كما نعرف مقسمة إلى جزأين … برلين الغربية التي استولى عليها الحلفاء أمريكا وإنجلترا … وبرلين الشرقية التي استولى عليها الاتحاد السوفييتي، وأصبح الانتقال بينهما الآن مسألة صعبة.
كان الشياطين يتحدثون باللغة العربية، ولكن كلمة «برلين» لفتَت انتباه السائق الألماني العجوز الذي ظل صامتًا طوال الوقت … ولكنه تحدَّث فجأة وسأل بالألمانية: إنني أسمع كلمة «برلين» تتردد على ألسنتكم!
أحمد: من الطبيعي أن نتحدث عن «برلين» ونحن فيها!
السائق: إنكم لم ترَوا «برلين» قبل الحرب … لقد كانت جنة الله في أرضه …!
أحمد: لكنها الآن مدينة رائعة!
السائق: إنها لن تعود مرة أخرى كما كانت …
واتجهت السيارة مسرعة … وكم كانت دهشة الشياطين عندما وجدوا أنهم يسكنون في نفس شارع «ليندبورج» حيث يعيش الدكتور «سامح سليم» … وسرعان ما كانت السيارة تقف بجوار الرصيف ونزل الشياطين، وهم ينظرون إلى لافتة الفندق، وتأكَّدوا أنه الفندق الذي يُقيم به المخترع الميت … الحي. فندق «كورونا» …
أنزل السائقُ الحقائبَ من السيارة، فمدَّ له «أحمد» يدَه ببقشيش سخي، فشكره الرجل العجوز بحرارة ثم عاد إلى سيارته، وأدار المحرِّك وانطلق مبتعدًا …
وقف «أحمد» في الشارع يتأمل الفندق الذي ينزل به العالِمُ المصري، بينما ذهب بقية الشياطين إلى الفندق لاتخاذ إجراءات قيد الأسماء … وصَعِد الشياطين بالحقائب إلى الغرف التي خُصِّصت لهم … وكان من نصيب الشبان الثلاثة غرفة واسعة تطلُّ على الشارع بينما نزلت «ريما» و«إلهام» في الغرفة المجاورة.
وعندما تم فتح الحقائب، وضعت الملابس في الدواليب ثم نزلوا إلى الشارع، ووجدوا «أحمد» يتمشى وحيدًا، فانضموا إليه، وقرروا أن يدرسوا المكان من جميع نواحيه استعدادًا للجولة القادمة، ولكن «أحمد» قال: من الأفضل استئجار سيارتَين … أولًا حتى تسهل حركةُ تنقلاتنا … وثانيًا لأن اختيار رقم «صفر» لهذا المكان يضعنا في قلب المغامرة مباشرة …
خالد: سأتولَّى أنا هذه المهمة … وسوف أسأل عن أقرب مكتب لتأجير السيارات!
ريما: سآتي معك!
أحمد: خذَا من الفندق خرائطَ له، حتى لا نتوه في هذه المدينة الكبيرة.
ذهب «خالد» و«ريما» إلى الفندق وعادَا بعد لحظات وأخذ كلُّ واحدٍ خريطةً صغيرة بها اسم الفندق وأرقام التليفونات، ورسم صغير يوضِّح مكانه.
سار الخمسة معًا حتى قرب نهاية الشارع، واختار «أحمد» مطعمًا إيطاليًّا صغيرًا، وقال: سنتناول طعامنا في هذا المطعم فلا تتأخرَا.
انصرف «خالد» و«ريما» بينما دخل «أحمد» «ورشيد» و«إلهام» وطلبوا خمسة أطباق من طعام «البيتزا» الساخنة.
وبدأ الظلام يهبط على المدينة، ودبَّت الحركة في شوارعها، وعادَت «ريما» و«خالد» بعد أن أحضرَا السيارتين وانهمك الجميع في تناول الطعام اللذيذ …
قال «خالد»: استأجرت سيارتين من طراز «بي. إم. دبليو».
أحمد: لا بأس. فهذا النوع من السيارات قويٌّ وسريع.
بعد الانتهاء من تناول الطعام خرجوا … وقال «أحمد»: نراقب فندق «كورونا» من النافذة … فقد نشاهد الدكتور «سامح» في أي وقت.
رشيد: ولماذا لا نسأل عنه في الفندق لنتأكد من وجوده بدلًا من إضاعة الوقت في المراقبة.
أحمد: ربما يلفت ذلك الأنظار … إن ظهور العالم المصري الذي مات في مدينة كبيرة كبرلين مسألة تدعو إلى الشك.
ريما: ماذا تتوقع؟
أحمد: لا شيء محدد … ولكن من الأفضل أن نتعامل بحذر مع الموقف كله … بل إنني أفكِّر في استئجار مكان آخر!
رشيد: ولكن رقم «صفر» هو الذي حدَّد المكان لتسهل مراقبة الدكتور «سامح» عن قرب … فكل المطلوب أن نتأكد من أنه فعلًا العالم المصري ثم ننتظر تعليمات أخرى.
لم يردَّ «أحمد» على هذه الملاحظة، وانهمك في تناول الطعام.
وفجأةً قامت «إلهام» من مكانها مسرعةً وهي تقول: دكتور «سامح»!
وتوقَّف الجميع عن الطعام وغادرت «إلهام» المطعم مسرعةً قبل أن يتحرك أحد منهم.
عندما خرج بقية الشياطين إلى الشارع الذي بدأ يزدحم بالمارة لم يجدوا أثرًا ﻟ «إلهام» وكان من الواضح أنها تبعت الرجل وأنهما اختفيَا في الزحام.
تفرَّق الشياطين بسرعة في اتجاهين على أن يلتقوا بعد نصف ساعة في صالة الفندق …
كانت «ريما» مع «أحمد» فسارَا في اتجاه فندق «كورونا» على أمل أن يكون الدكتور عائدًا إليه … ولكنهما وصلَا إلى الفندق دون أن تظهر «إلهام» أو الدكتور … وأخذَا يفحصان المارة وينظران في كل اتجاه … ولكن لا أثر.
لم يتردد «أحمد» ودخل إلى فندق «كورونا» واتجه إلى موظف الاستقبال وسأله: هل الدكتور «سامح» موجود؟
قال الموظف: سامح مَن؟
أحمد: الدكتور «سامح سليم» … مصري الجنسية!
انهمك الموظف في الاطلاع على دفتر النزلاء ثم تردَّد: نعم إنه ينزل في الفندق!
ثم نظر إلى لوحة المفاتيح وقال: لكنه في الخارج الآن … مفتاح غرفته موجود هنا!
خرج «أحمد» إلى الطريق، ووقف مع «ريما»، وسمعَا معًا صوتَ سيارة إسعاف عند نهاية الطريق … ثم ظهر «رشيد» و«خالد» … وكان واضحًا أنهما لم يُشاهدَا «إلهام» أو الدكتور «سامح» …
قال «أحمد»: سنصعد إلى غُرَفِنا ونراقب فندق «كورونا» في انتظار عودة «إلهام»!
وصَعِد الجميع، وجلسوا خلف زجاج النافذة يراقبون الطريق والفندق، ومضت ساعة دون أن يظهر الدكتور «سامح» أو «إلهام» وبدءوا يشعرون بالقلق.
قال «أحمد»: أعتقد أن الدكتور «سامح» هذا لن يظهر … ولكن قبل أن ينتهيَ من جملته صاحَت «ريما»: دكتور «سامح»!
وكان رجل بالأوصاف التي عندهم ينزل من سيارة أمام الفندق، ويجتاز المسافة متمهلًا، وهو يحمل حقيبة صغيرة.
رشيد: ولكن … أين «إلهام»؟
ظل هذا السؤال معلَّقًا حتى انتصف الليل ولم تظهر «إلهام»، وأصبح من المؤكد أن شيئًا قد حدث!