من واحد … إلى اثنين!
دار نقاش حول ما يجب عمله … اقتراحٌ بإبلاغ البوليس رُفِض … اقتراحٌ بالاتصال برقم «صفر» … رُفض … وفجأة قال: «أحمد»: هل تذكرون؟
التفتَ إليه الشياطين فأكمل جملته: لقد سمعنا صوتَ سيارة إسعاف عند نهاية الطريق قبيل اختفاء «إلهام» مباشرة … لماذا لا تكون ضحية حادث سيارة؟!
وقام إلى التليفون، وطلب من عامل «السويتش» رقم تليفون الإسعاف … وسرعان ما اتصل بإسعاف المدينة ودار حوار: من فضلك إنني أتحدث من شارع «لندبورج» … وفي المساء سمعتُ صوتَ سيارة إسعاف وبعدها اختفَت صديقة لي كانت تسير عند نهاية الشارع … فهل نُقلت إليكم فتاة في هذا الوقت؟
الإسعاف: ما هي أوصافها؟
أحمد: إنها طويلة بيضاء … جميلة وقوية، ترتدي ملابس بسيطة مكوَّنة من بلوزة زرقاء، وبنطلون «جينز» ومعها بطاقة عليها اسمها «إلهام».
طلب الرجل مهلة بسيطة … ثم ردَّ بعد دقائق عليه: لم تنقل سياراتُ الإسعاف فتاةً بهذه الأوصاف مساءً.
اطمأن «أحمد» … ولكن اطمئنانه لم يستمرَّ طويلًا؛ فقد مضى الرجل يقول: وقد تابعت خطوط سير عربات الإسعاف لهذا اليوم، وتأكدتُ أنه لم تمرَّ أيُّ سيارة إسعاف في شارع «لندبورج» سواء صباحًا أو مساءً ولا بد أنك لم تسمع جيدًا.
انتهت المكالمة … وبقيَ «أحمد» صامتًا للحظات، لقد كان متأكدًا أنه سمع صوت سيارة الإسعاف … وعندما سأل زملاءه أكدوا أنهم سمعوا صوت السيارة أيضًا … فماذا يعني هذا؟
قال «رشيد»: ربما كان أحد العابثين قد قلَّد سيارة الإسعاف على سبيل الفكاهة!
أحمد: في هذه البلاد ليس هناك شيء من هذا القبيل على سبيل العبث … ثمة شيء غير مفهوم في هذا الموضوع … وإذا كانت «إلهام» ما زالت على قيد الحياة فلا بد أن مختطفيها سيتصلون بنا … إن الأمور لا تسير في طريقها الصحيح … لقد جئنا من أجل تحريات بسيطة للتأكد من شخصية الدكتور «سامح»، ولكن الأمور ذهبت بعيدًا!
خالد: والحل؟
أحمد: الحل هو استجواب «سامح سليم» إنه ينزل في الغرفة ٤٤، أي الدور الرابع الغرفة الرابعة، وسأذهب إليه!
خالد: وحدك؟
أحمد: طبعًا … كيف تتوقع أن يذهب أربعة في هذه الساعة المتأخرة من الليل للسؤال عن شخص!
وغادر «أحمد» الغرفة، ووقف الشياطين خلف الزجاج يرقبونه وهو يعبر الشارع، ويدخل الفندق. نظر «أحمد» من خلال زجاج الباب، فلاحظ أن موظف الاستقبال قد تمدد على كرسيه، واستسلم للنوم … فلم يتردد ودخل مسرعًا ولم يقف عند المصعد، بل استخدم السلالم قفزًا إلى الدور الرابع … ثم توقَّف ليُنصت إلى ما حوله … ولكن لم يكن هناك أحد في هذه الساعة المتأخرة، فتقدم من الغرفة رقم «٤» ودق الباب بهدوء وانتظر.
مرت لحظات ولم يردَّ أحد، ولم يسمع حركة داخل الغرفة، فعاد يدق من جديد بشدة دون أن يحسب حسابًا لأحد … فإن مصير «إلهام» أخطر وأهم من لَفْتِ انتباهِ أيِّ إنسان أو الدخول في مشاكل مهما كان حجمها.
مرَّت لحظات طويلة ولم يردَّ أحد … هل نوم الدكتور «سامح» ثقيل إلى هذا الحد.
لم يتردد «أحمد»، أخرج مجموعة من الأدوات الدقيقة وأعملها في الباب. وفي ثوانٍ قليلة دار القفل، وانفتح الباب، دفعَه بهدوء ودخل. كانت الغرفة تسبح في الظلام، فتوقف يستمع لعله يتبين تنفس الدكتور «سامح» ولكن لم يكن هناك أيُّ صوت … هل خرج الدكتور «سامح» مرة أخرى … هذا مستحيل … لقد كانوا يراقبونه بجوار النافذة طوال الوقت، ولو كان قد خرج لشاهدوه.
أخرج مصباحًا صغيرًا من جيبه، وأطلق شعاعًا رفيعًا من الضوء أداره في أرجاء الغرفة … كان الفراش مستعملًا … ولكن لم يكن هناك أثرٌ للعالم المصري … أدار المصباح يمينًا ويسارًا ولم يكن هناك أثر للعالم … دخل إلى دورة المياه، ولكن لم يكن هناك أحد …
وأحس «أحمد» أن شيئًا رهيبًا قد حدث … هل خطفوا الدكتور «سامح» كما خطفوا «إلهام» … ولكن كيف تم إخراجه من الفندق، إنهم كانوا يقفون … ولو لاحظوا حركة من هذا القبيل لأحسوا بها.
وفجأة خطر له خاطر … إن هذه ليست غرفةَ الدكتور «سامح» … ربما غرفة شخص آخر وإن كان يتذكر جيدًا أن موظف الفندق قد حدد رقم الغرفة ٤٤.
وقف في مكانه مفكرًا فيما حدث … وماذا فعل … وقرر أن يفتش الغرفة جيدًا ربما يعثر على شيء يُنير له الطريق … وسرعان ما تأكد أن الغرفة هي غرفة الدكتور «سامح»؛ فقد وجد نفس ملابسه التي دخل بها الفندق في الدولاب … إذن فهي غرفة الدكتور «سامح» ولا شك … ولكن أين الدكتور؟ لغز … كلغز اختفاء «إلهام»!
أعاد ترتيب الغرفة كما وجدها، ثم أغلق الباب، ونزل السلَّم مسرعًا، ولكنه لم يكَد يصل إلى الصالة حتى وجد موظف الاستقبال يتحدث مع أحد رجال البوليس.
خشيَ «أحمد» أن ينتبهَا إليه … وربما يسألانِه عما يفعله في هذه الساعة المتأخرة من الليل في فندق ليس نزيلًا فيه، تراجعَ إلى السلم بسرعة، ووقف مكانه ينتظر … وتقدَّم الرجلان من السلَّم وأسرع «أحمد» يصعد إلى الدور الثاني ثم الثالث … واضطر في النهاية إلى الصعود إلى السطح … اتجه إلى السور إلى حيث ينزل بقية الشياطين فوجدهم ما زالوا يقفون مكانهم.
عاد إلى السلم يتسمع … وسمع على الفور صوت الأقدام تصعد إلى فوق … نظر حوله … كان كالفأر في المصيدة … ووجد مواسير المجاري الضخمة تطلُّ في نهاية السطح وأسرع إليها وتخطى السور مسرعًا ثم نزل عليها … وتوقف ينظر بطرف عينَيه إلى ما يحدث … شاهد الرجلين يدوران على السطح … وتأكد أنهما سيصلان إلى مكانه فنظر تحته … وجد شرفة إحدى الغرف … فنزل محاذرًا … كانت مواسير المبنى القديمة تئنُّ تحت ثقله … وقد تنهار في أية لحظة … وهكذا استجمع نفسَه وحدَّد توازنه ثم قفز إلى الشرفة الخالية، ولم ينتظر فقد يشاهده الرجلان إذا أطلَّا ناحيته، وقد يراه أحدٌ في الطريق … وأخرج أدواته الدقيقة وفتح باب الشرفة ودخل محاذرًا … ولكن المفاجأة كانت في انتظاره … فقد ظهر شخصٌ واقفٌ بجوار باب الشرفة يُمسك مسدسًا … وبسرعة أطلق «أحمد» قبضتَه بضربة ساحقة أطارت المسدس من يد الرجل بعد أن أطلق آهة عالية.
ولكن «أحمد» هاجمه قبل أن يستعيد توازنه وهوَى عليه بضربة ثانية وهو يقول: آسف جدًّا!
وسَمِع الرجلُ عبارةَ الاعتذار، وهو يتمدد في غيبوبة كاملة … وأسرع «أحمد» إلى الباب ففتحه، ثم نزل السلالم مسرعًا دون أن ينتظر أو يفكِّر فيما حدث.
وجد نفسه في الشارع أخيرًا … وشاهد وجوه الشياطين في زجاج النافذة … وأسرع إليهم …
صاحوا عندما دخل: ماذا قال الرجل؟ …
أحمد: أي رجل؟
ريما: الدكتور «سامح».
أحمد: إنه ليس في غرفته!
ريما: كيف … لقد شاهدناه وهو يدخل، ولم يخرج مطلقًا!
أحمد: هذا ما جرى!
رشيد: إذن ماذا فعلت طوال هذه المدة؟
روى لهم «أحمد» ما مرَّ به من أحداث … وظهور رجل البوليس … وصعوده السطح … ونزوله إلى الشرفة، والرجل الذي هاجمه.
خالد: إن الأمور تتعقد!
أحمد: لقد أصبح لدينا أكثر من مشكلة … ولكن الأهم هو غياب «إلهام» … ألم يتصل أحد؟
خالد: مطلقًا!
وجلس الشياطين وقد استولى عليهم نوعٌ من اليأس … ربما لأول مرة في حياتهم … وقرر «أحمد» في النهاية أن يتصل بعميل رقم «صفر» في المدينة … وقام إلى جهاز التليفون وأدار الرقم ولكن على الطرف الآخر ظل رنين الجرس متصلًا دون أن يردَّ أحد … ووضع «أحمد» الساعة وهو يتنهد في أسًى.