ذبابة على الزجاج!
بدأت مدينة «برلين» صباحها ذلك اليوم بجوٍّ غائمٍ، والمطر الخفيف الناعم يُشبه ستارًا كثيفًا في الشوارع التي امتلأت بالناس الذاهبين إلى عملهم …
نزل الشياطين الأربعة إلى الشارع … قرروا الذهاب إلى المكان الذي حددوا اختفاءَ «إلهام» عنده وسؤال أصحاب المحلات هناك … وتوزعوا على الأماكن يسألون ومرَّ بعضُ الوقت … وفي لحظة ارتفع صوتُ سيارة إسعاف تمضي في الشارع مسرعةً ثم فجأةً يتوقف الصوت!
وتمضي دقائق ثم يرتفع صوتُها مرة أخرى وتمضي مبتعدة حتى يختفيَ الصوت تمامًا.
أحس «أحمد» بانقباض شديد … لكنه جرى بكل قوته ناحية المكان الذي توقَّف عنده الصوت، وعندما وصل إلى هناك شاهد جمعًا من الناس يتفرق … فاتجه إلى أحدهم وقال: ماذا حدث؟
رد الرجل: حادث بسيط … شابٌّ أغميَ عليه في الطريق وتصادف مرور سيارة إسعاف فحملته!
أحمد: هل رأيت الشاب؟
الرجل: نظرة واحدة … وكل ما أستطيع أن أتذكَّره أنه يبدو غريبًا عن البلد … إنه أسمر اللون!
أدرك «أحمد» أنه فقد فردًا آخر من الشياطين … وعندما عاد إلى الفندق وجد في انتظاره «ريما» و«خالد» ولم يكن «رشيد» موجودًا.
قال «أحمد» على الفور: لقد اختفى «رشيد»، ولن يحضر!
ريما: سيارة الإسعاف!
أحمد: نعم … سيارة الإسعاف مرة أخرى … ومن غير المعقول أن تتكرر المصادفة مرتين … ولا ننسى أن مركز الإسعاف أكَّد لنا أمس أنه لم تمرَّ سيارة إسعاف في شارع «لندنبورح» … وقد أصبحتُ متأكدًا أنها سيارة زائفة!
وصمت «أحمد» لحظات ثم قال: وقد ذهبت إلى المكان الذي توقف عنده الصوت … ووجدت مجموعة من الناس تتفرق، وعلمت من أحدهم أن شابًّا أسمر قد أُغميَ عليه … وهو يسير وحملَته سيارةُ إسعاف كانت تمر مصادفة!
ريما: لم يَعُد ثمة شكٌّ أن هناك ارتباطًا بين مرور سيارة الإسعاف وبين اختفاء «إلهام» أولًا ثم «رشيد» ثانيًا!
أحمد: مؤامرة محكمة الأطراف لاصطيادنا واحدًا واحدًا … وهذا الدكتور الذي يدخل إلى الفندق ثم لا يوجد في غرفته ليلًا وثيابه معلقة في الداخل … إنها كلها مسائل مريبة!
خالد: وماذا سنفعل؟
أحمد: الذي لا شك فيه أننا مراقبون بطريقة محكمة … وكل خطوة من خطواتنا تحت أنظار مَن دبَّروا هذه المؤامرة … ولكن سوف نرد عليها.
خالد: هل وضعتَ خطة؟
أحمد: سنتناقش … ولكن لن نتحدث بعد الآن في الفندق؛ فإنني أعتقد أن في الغُرَف أجهزةَ تسجيل دقيقة تنقل كلَّ كلمة نقولها … أكثر من هذا أن تليفون عميل رقم «صفر» الذي لا يَردُّ جزءٌ من المؤامرة.
كانوا يقفون أمام باب الفندق، وأشار «أحمد» لهم بالمشي، فساروا حتى مقهًى صغيرٍ ودخلوا وطلبوا شايًا ساخنًا؛ فقد كان الجو شديد البرودة ذلك الصباح.
قال «أحمد»: إنني أتوقع أن يحاولوا خطفنا واحدًا واحدًا … وسوف نسهل لهم المهمة!
ونظرت «ريما» و«خالد» إليه في دهشة فقال: إن الحل الوحيد أن ندخل في قلب هذه العصابة ونعرف ماذا تريد؟
إيما: أليس من الأفضل الاستمرار في مراقبة الدكتور «سامح»، ربما استطعنا عن طريقه الوصول إلى هذه العصابة!
أحمد: سنراقب الدكتور «سامح»، ولكن هذا سوف يستدعي وقتًا طويلًا!
خالد: ألَا تتوقع أن يتصلوا بنا؟
أحمد: لا … إن خطتهم نجحت حتى الآن نجاحًا عظيمًا، لقد استطاعوا خطْفَ «رشيد» ومن قبله «إلهام» … فلماذا لا يحاولون خطفنا أيضًا؟!
وسكت «أحمد» وأخذ ينظر من زجاج المقهى إلى الشارع ثم قال: لن نفترق بعد الآن … سنسير معًا، ولكن في الليل سوف نُتيح لهم خطْفَ واحدٍ منا!
وعاد الاثنان ينظران إليه فقال: ستسيران معًا في نفس الشارع، في نفس الاتجاه الذي اختُطفت فيه «إلهام» ثم اختفى «رشيد» … سأكون في إحدى السيارتين أتبعكما عن بعد حتى لا يشكُّوا فينا … وعندما تظهر سيارة الإسعاف ويخطفون أحدكما أو كليكما فسوف أطارد سيارة الإسعاف وأعرف أين تذهب؟
ريما: وكيف تتصور أنهم يخطفوننا؟!
أحمد: حكاية الإغماء لفتَت نظري … وأعتقد أن أحدَ أفراد العصابة يسير خلف مَن ينوون خطفه، وفي مكان مزدحم بالمارة يقوم بحقن المخطوف بحقنة مخدرة، وعندما يسقط على الأرض … يتقدم رجال الإسعاف لخطفه. ليست هناك وسيلة أخرى … إلا إذا كانوا يستخدمون غازًا مخدرًا … والنتيجة واحدة!
كان «أحمد» يتحدث وهو غاضب، فهذه أول مرة يقع فيها الشياطين اﻟ «١٣» في مؤامرة وهم مغمضو الأعين … ولم يكن مستعدًّا للاستعانة بأي شخص لإنقاذهم … إن الشياطين لا يُهزمون بسهولة … ولكن ما حدث كان لا بد أن يحدث … لقد حضروا فقط للتأكد من شخصية الدكتور «سامح سليم» ومحاولة الحصول على بقية معادلاته الرياضية … ولم يكن في توقُّعهم أن تكون هناك مؤامرة.
عاد «أحمد» يقول: سنُمضي بقيةَ النهار في الفندق لنرتاح تمامًا … وسأخرج قبلكم بربع ساعة … سأقف عند نهاية الشارع من ناحية الميدان، وبما أن المرور في الشارع في اتجاه واحد فلا بد أن تأتيَ السيارة من حيث أقف … وسأتبعها على بُعْد … وعليكما أن تخرجَا وتسيرَا في الاتجاه الذي سارت فيه «إلهام» و«رشيد» من قبل، وسيكون خروجنا في ساعة الزحام عند خروج الناس من أعمالهم … فأعداؤنا اختاروا هذا الوقت لإتمام خطف «إلهام» و«رشيد». وسينفِّذون خطتهم بنفس الأسلوب.
عادوا إلى الفندق، ودخلت «ريما» غرفتها واستسلمت للنوم؛ فقد قضت الليلة كلها ساهرة … وكذلك فعل «خالد».
أما «أحمد» فقد دخل غرفته وأخذ يبحث في كل مكان عن جهاز التسجيل الذي كان متأكدًا أنه موجود في الغرفة … بحث في كل مكان … ولم يكن هناك شيء … وأخيرًا جلس في مقعده متعبًا وأخذ ينظر إلى النافذة … ولاحظ على الفور وجودَ ذبابة ضخمة، أكبر من الذباب العادي … ولم يكن هناك شكٌّ أنها ذبابة صناعية … لقد قرأ عنها في النشرات التي يوزعها قسم الإلكترونيات في مقر الشياطين اﻟ «١٣» … وهذه الذبابة تُلصَق على زجاج النافذة، فتصبح جهازَ إرسالٍ لكل ما يدور في الغرفة من أحاديث … إن شكلها لا يلفت النظر … فهناك ذباب كبير الحجم يظهر أحيانًا ولا يبعث على أيِّ شك.
أدرك «أحمد» كل شيء وقام إلى جهاز التليفون وطلب رقمًا وهميًّا، وأخذ يتحدث … كأن شخصًا يسمعه … كان يعرف أن الذبابة الإلكترونية على النافذة تُرسل كلَّ حديثه إلى مَن يستمع.
أخذ «أحمد» يقول: لا أعرف أين ذهبت «إلهام» و«رشيد»، ربما قررَا العودة دون إخطاري بذلك!
ويصمت «أحمد» لحظات ثم يقول: ربما نعود غدًا إلى المقر … لا فائدة من أي شيء هنا، ولا أستطيع الانتظار أكثر!
وبعد لحظات: لم أُخطر البوليس بعد … في انتظار رسالة من المقر عن غياب «إلهام» … و«رشيد» … فإذا لم تصلني حتى صباح غد فسوف أُخطر البوليس.
وبعد لحظات: هذا المساء سأخرج للذهاب إلى السينما … أما «ريما» و«خالد» فسوف يتنزهان قليلًا ثم ينتظرانني على باب السينما حيث نلتقي للعشاء …
وبعد لحظات: نعم … طبعًا … في إمكانك أن تقابلني أمام الفندق في العاشرة!
ووضع «أحمد» السماعة … وتأكد أن العصابة سوف تحاول خطف «ريما» أو «خالد» أو كليهما. وبدأ الاستعداد لجولة عنيفة يردُّ بها كرامة الشياطين.