في الليل والضباب!
ساد الصمت … وأحس «أحمد» في لهجة الرجل بنغمة الصدق، فقال له: لماذا تخشى البوليس إذن؟
عاد الرجل يقول بنفس نبرة الصدق: إنني متهمٌ بأنني هربت من الجيش، وهي تهمة خطيرة ثم إنني أحس أن دور الدكتور «سامح» الذي أقوم به ليس نظيفًا … أقصد أنه دور مشبوه … ولكن ماذا كنت أستطيع أن أفعل في هذه السن … وليس لي أقارب ولا أصدقاء فقد ماتوا جميعًا في الحرب … وأنا وحيد بلا عمل!
رغم دقة الموقف، والظروف التي يدور فيها الحديث … أحس «أحمد» أنه يريد أن يضحك ورغمًا عنه ارتسمت على شفتَيه ابتسامة … هل المهمة الخطيرة التي حضروا من أجلها تنتهي هذه النهاية الفكاهية من ناحية، والدرامية من ناحية أخرى …
قال «أحمد»: إنني لن أبلغ عنك البوليس … فهذه ليست مهمتي، ولن أكون سعيدًا بسجن رجل في مثل سنك … ولكن دعني أسألك … بضعة أسئلة … ما هو اسمك؟
رد الرجل: ماير!
صمت الرجل فقال «أحمد»: أما السؤال الثاني فهو خاص بالحقائب التي تحملها ذاهبًا وعائدًا.
رد الرجل على الفور: هذه الحقائب فارغة … أو بها بعض الملابس والأوراق غير المهمة ولكن هذا ما طُلب مني … قالوا إن هذه الحقائب جزء من الخطة.
أحمد: أما السؤال الثالث فخاص بمن اتصل بك … مَن هو؟ وكيف تتصل به؟
صمت الرجل لحظات يفكر، وقد بدَا عليه الاضطراب، فأشفق عليه «أحمد» وقال: ثق أنني لن أتحدث عما تقوله لي … ولكن من الضروري أن أعلم … فهذا الدور الذي قمتَ به يعرِّضني أنا ومجموعة من زملائي للموت.
أخذ الرجل ينظر إلى «أحمد» لحظات ثم قال: لقد كنت أتوارى عن أنظار البوليس في فنادق صغيرة حقيرة … وهناك تعرفت بشخص يُدعى «هانز بكمان» … وقد انقطعت علاقتنا فترة طويلة ثم اتصل بي ذات يوم وقال لي إن هناك مَن يسأل عن شخص له ملامحي … وأنه سيعهد إليَّ بمهمة بسيطة أتقاضى مقابلها أجرًا ضخمًا!
أحمد: وأين هو «هانز» الآن؟
عاد الرجل إلى تردُّدِه، ولكن «أحمد» عاد يقول له بلهجة قاسية: قلت لك إن المسألة مسألة حياة أو موت … لا تُطِل الحديث فلست أريد أن أسمع مزيدًا من القصص. قل لي أين «هانز»؟ …
رد الرجل على الفور: إنه ينزل في فندق صغير اسمه «كلارا» في «ولهلهم شتراسة» … وهو أيضًا هارب من البوليس … وهو ينزل في الغرفة رقم ١٢!
أحمد: وماذا تعرف عن الذبابة الإلكترونية؟
رد الرجل: ذبابة إلكترونية … هذه أول مرة أسمع عن ذباب إلكتروني!
وقف «أحمد» وقال: أرجو أن تكون معلوماتك صادقة وإلا فإنني لن أتردد في الإبلاغ عنك!
قال الرجل مضطربًا: أقسم لك أن كل كلمة قلتها لك صحيحة!
أحمد: سنرى!
نزل «أحمد» مسرعًا، ولم يهتمَّ أن يراه موظفو الاستقبال، كان يريد الوصول إلى «هانز» بأسرع ما يمكن مهما كلَّفه الأمر … إنه الوحيد الذي يمكن أن يدلَّه على مَن يريد الإيقاع بالشياطين اﻟ «١٣» وحبكوا تلك المؤامرة.
أشار «أحمد» إلى «خالد» أن ينزل … ووصلَا في نفس الوقت إلى السيارة وقال «أحمد»: إن الدكتور «سامح سليم» مات ودُفن منذ ثلاث سنوات … والرجل الذي في الفندق ألماني مسكين هارب من البوليس يقوم بدور الدكتور «سامح» مقابل مبلغ من المال … مهمتنا الآن العثور على شخص يُدعى «هانز» وينزل في فندق «كلارا» في «ولهلهم شتراسة»، هل معك دليل الفندق والطريق إليه؟
خالد: نعم!
أحمد: دلَّني على الطريق!
وأدار «أحمد» محرك السيارة، وانطلق في ضباب الشوارع الساكنة، وقد تحركت فيه روح المغامر الشيطان.
بعد مسيرة طويلة استغرقت نحو نصف ساعة وصلَا إلى «ولهلهم شتراسة» وسارَا على مهل حتى وصلَا إلى فندق «كلارا»، وكان فندقًا صغيرًا يقع في نهاية الشارع.
نزلَا معًا … ودخلَا الفندق … لم يكن هناك إلا موظفٌ عجوز نائم … فصعدَا إلى الدور الثاني … واتجهَا فورًا إلى الغرفة رقم «١٢» … وأخرج «أحمد» أدواته الدقيقة وعالج الباب الذي انفتح على الفور.
دخل «أحمد» و«خالد» فوجدَا رجلًا نائمًا في فراش صغير لم يحسَّ بما حدث … وتوقَّفَا للحظات … ثم أضاء «خالد» مفتاح النور: … ولكن الرجل لم يستيقظ فتقدم «أحمد» منه وهزَّه برفق … واستيقظ الرجل فزعًا، وقام مذعورًا.
قال «أحمد»: اهدأ من فضلك … إننا لا نريد بك شرًّا!
أخذ الرجل يبحلق في وجه «أحمد» و«خالد» بعينين حمراوين قد أثقلهما النعاس، فقال «أحمد» على الفور: اسمع يا «هانز» … إننا نعرف كل شيء عن صديقك «ماير» … أو الدكتور «سامح»، وهو ينزل في فندق «كورونا» في لندنبورج … وقد حكى لنا كل شيء. إنكما معًا مطاردان من البوليس ومن الأفضل أن تقول الحقيقة وإلا أبلغت عنكما … مَن هو الشخص الذي عرض عليك مهمة «ماير» في فندق «كورونا»؟
أخذ الرجل يلمس شفتَيه بلسانه فقال «أحمد» بقسوة وهو يهزُّه من ذراعه: لا تضيِّع الوقت في الأكاذيب … قل لي اسم الرجل وكيف أتصل به؟
رد «هانز» على الفور: إنه «كول» وهو … وقبل أن يُكمل جملته فُتح الباب فجأة، وانطلقت رصاصةٌ صامتة أزَّت بجوار أُذُن «أحمد» وأسكتت «هانز» إلى الأبد …
وقفز «خالد» خارجًا، وشاهد شخصًا يجتاز الممر مسرعًا … ثم ينزل السلالم وطار خلفه، ووصلَا إلى الشارع. كانت هناك سيارة في انتظار الرجل أسرع ليركبها … ولكن «خالد» لحق به، واشتبكَا معًا في معركة ساخنة.
كان الرجل عملاقًا مفتول العضلات، استطاع أن يُمسك برقبة «خالد» محاولًا خنقه، ولكن لكمة قوية موجعة جعلَته يتأوَّه، ويترك رقبةَ الشيطان الذي طار في الهواء، ووجَّه ضربة موجعة سقط بعدها الرجل على الأرض وأخرج مسدسه الذي قتل به «هانز»، ولكن «أحمد» كان قد وصل في هذه اللحظة فأطار المسدس من يده بضربة من قدمه، ثم وضع مسدسه في صدغه وقال: لا تتحرك!
كان الظلام كثيفًا، وجلس الصديقان بجوار الرجل، وقال له «أحمد»: أنت «كول»!
لم يردَّ الرجل فضغط «أحمد» المسدس في صدغه وقال: من الأفضل لك أن تتكلم … ليس عندي نية لإضاعة الوقت!
كول: ماذا تريد؟
أحمد: مَن تُمثِّل في هذا العالم؟ مَن الذي دبَّر قصة الدكتور «سامح» الزائفة؟
تنهَّد «كول» وسمعوا في هذه اللحظة صوتَ أقدام منتظمة على أرض الشارع تقترب … ومن دقاتها القوية تأكدوا أنها لأحد رجال البوليس.
دفع «أحمد» المسدس أكثر من صدغ الرجل وقال: هيَّا بنا!
قام الرجل واقفًا وهو يقول: إنكما تخشيان البوليس!
أحمد: إننا لا نخشى البوليس، ولكن ليس الوقت مناسبًا لتدخُّل البوليس.
سار الثلاثة بسرعة إلى السيارة المرسيدس، فجلس «خالد» إلى عجلة القيادة، والرجل بجانبه … بينما جلس «أحمد» في المقعد الخلفي، وانطلقت السيارة في ضباب الشوارع الساكنة.
قال «أحمد»: اتَّجه إلى الغابة!
ارتعد الرجل عندما سمع اسم الغابة وقال «أحمد»: صدقني إنني أعرف الكثير، وأعرف المستشفى المريب الذي في نهاية الغابة … ومن الأفضل لك أن تتكلم، وإلا لن تطلع عليك شمس الصباح!
كول: إنني لن أقول لك كلمة واحدة!
لم يتردد «أحمد» لحظة واحدة وهوَى بجانب يده على الرجل بضربة موجعة جعلته يصرخ ويفقد قدرته على التنفس وأخذ يرتعد ويصرخ كأنه دجاجة مذبوحة.
قال «أحمد» بصرامة: إنك لا تعرف من نحن … ومهما كانت القوى التي خلفك فلن يحميَك أحد!
أخذ «كول» يلهث ثم بدأ يتحدث: صدقني إنني لا أعرف كل شيء … إن الذين أعمل معهم يطبقون نظام الخلايا الصغيرة … كل خلية مكونة من ثلاثة رجال ولها رئيس، وكل خلية لا تعرف الخلايا الأخرى، وأنا أعمل في خلية «تجنيد عملاء» ولا أسأل عن شيء … ولكن أنفذ ما يُطلَب مني!
أحمد: والمستشفى … مَن يديرها؟
كول: لا أعرف … كل ما أعرفه أنهم يُحضرون أشخاصًا في سيارة إسعاف إلى المستشفى ثم يختفي هؤلاء الأشخاص ولا نعرف لهم أثرًا!