حوار في الفجر!
نظر «أحمد» إلى ساعة السيارة … كانت تُشير إلى الثالثة صباحًا … وقال ﻟ «خالد» … باللغة العربية: «خالد» … يجب ألَّا تُشرق الشمس إلا وقد انتهينا من هذه العملية؛ إن هناك قتيلًا في الفندق … والبوليس يبحث عن رجل هارب … ونحن متداخلون في هذه القضايا كلها!
خالد: يجب أن نُجبر هذا الرجل على الإدلاء بمعلومات أكثر … ربما تساعدنا في الهجوم على مستشفى الأمراض العصبية المزعوم!
أحمد: إن المستشفى منعزل … ومحروس حراسةً جيدة!
خالد: أفكِّر في خطف أحد زعماء هذه العصابة والمساومة عن طريقه!
ساد الصمت والسيارة تشقُّ طريقها ناحية المستشفى … و«أحمد» يفكِّر … وعند إشارة ضوئية توقَّفت السيارة، وفجأة فتح «كول» باب السيارة بسرعة ثم قفز إلى الشارع، وساعده الضباب على الاختفاء، ولكن «أحمد» قفز خلفه وصاح ﺑ «خالد»: نلتقي عند المستشفى!
استطاع «أحمد» أن يتبع «كول» رغم الضباب … فقد كان صوت أقدامه المسموعة واضحًا … وكان «أحمد» يلبس حذاءً من الكاوتشوك لا يُحدث صوتًا.
أخذ «كول» يجري بسرعة أولًا … ثم تباطأت خطواته؛ فقد كان ضخم الجثة ولا يستطيع الجري طويلًا … بينما كانت لياقة «أحمد» البدنية تمكنه من الجري السريع، واستطاع أن يلحق ﺑ «كول» … ولكن لم يقترب ليشتبك معه، فقد فضَّل أن يتبعه؛ لعله يذهب إلى مكان قيادة العصابة. وقد صدق ظنُّ «أحمد» … فقد كان «كول» يمشي ثم يتوقف ليعرف إذا كان ثمة مَن يطارده ثم يمشي مرة أخرى وهكذا … وبعد مسيرة استمرت نحو نصف ساعة أسرع «أحمد» ليكون قريبًا جدًّا من الرجل الهارب؛ فقد شعر أن الرحلة قد أوشكت على النهاية.
اقترب متسللًا … وشاهد «كول» يقف أمام مبنًى قديم … يتلفت حوله في حذر، ثم يدق جرس الباب دقًّا متواصلًا …
مضت دقائق ثم فتح الباب، وشاهد «أحمد» الرجل يدخل على الفور، ثم يتلفت حوله للمرة الأخيرة ويُغلق الباب.
تقدَّم «أحمد» مسرعًا، واختار نافذة في الدور الأرضي عالجها بأدواته الدقيقة ودخل … كان الظلام يشمل الغرفة التي دخلها، فأخرج مصباحه الصغير ووجد نفسه في غرفة فاخرة أقرب إلى أن تكون مكتبةً لعالِم كبير … فاجتازها إلى الدهليز وفتح الباب، ووجد نفسه في دهليز معتم سار فيه متلصصًا، وسمع في نهايته حوارًا غاضبًا بين شخصين.
كان أحد المتحدثين «كول»، وكان يقول بصوت مرتفع: فقد اضطررت إلى قتله، لم يكن أمامي حلٌّ آخر!
الآخر: إنك بهذا تضع البوليس في أثرنا … وتعليمات الزعيم ألا تفعل ذلك مهما حدث!
كول: إنني أريد أن أتحدث إلى الزعيم!
الآخر: هل جننت؟ إنه نائم الآن!
كول: الأمر يستدعي إيقاظه، إن هؤلاء الأولاد على درجة عالية من الكفاءة، وهم يعرفون أكثر مما نظن!
الآخر: لقد أوقعنا ثلاثة منهم ببساطة، وكان المتوقع أن يسقط الاثنان الباقيان هذا الصباح أو المساء، على أحسن تقدير؛ حتى نساوم بهم على أوراق الدكتور «سامح» الموجودة في مصر!
كول: إنهما طليقان الآن، وقد هربتُ منهما بسبب الضباب، وقد كانَا ذاهبَين إلى المستشفى، وإذا وصلَا هناك اكتشفَا كلَّ شيء!
ساد الصمت لحظات ثم قال الآخر: سأصعد لإيقاظ الزعيم. انتظرني هنا!
توارى «أحمد» في الدهليز المظلم حتى شاهد الرجل يخرج من الغرفة ويصعد السلالم، فقفز خلفه في خفة الفهد دون أن يُحدِث أيَّ صوت، وقد تنبَّهَت حواسُّه كلها … ووضع يده على مسدسه استعدادًا لأي معركة محتملة.
صَعِد الرجل مسرعًا إلى الدور الثاني … ثم الثالث … واقترب من غرفة تتوسط صالة، ووقف أمام الباب لحظات مترددًا، وكانت هذه اللحظات كافية لأن ينقضَّ عليه «أحمد» … ويضربه بمقبض مسدسه، ثم يتلقاه قبل أن يسقط على الأرض ويُحدث ضجة.
مدَّد «أحمد» الرجل على الأرض، ثم تقدم من الباب وأدار الأكرة، ولكن الباب كان مغلقًا من الداخل ولم تكن هذه عقبة مستحيلة، فسرعان ما استخدم أدواته الدقيقة، ثم فتح الباب ودخل بحذر شديد.
كانت الغرفة تسبح في الظلام، وفضَّل «أحمد» أن ينتظر حتى تعتاد عيناه الظلام، واستطاع أن يشاهد أكبر غرفة نوم رآها في حياته، يتوسطها فراشٌ ضخم تمدد عليه رجل يغطُّ في نوم عميق. رفع «أحمد» مسدسه، ثم مدَّ يده الأخرى وأدار مفتاح النور، فسبحت الغرفة في ضوء ساطع.
تململ الرجل لحظات ثم فجأةً فتح عينَيه ومدَّ يده إلى مسدس ضخم موضوع تحت وسادته … ولكن «أحمد» صاح به في لهجة آمرة: لا تتحرك أيها الزعيم … ودَع هذه اللعبة!
أخذ الرجل يحدِّق في «أحمد» بعينَين طار منهما النوم، وقد بدَا عليه الغضب الشديد وهو يقول: مَن أنت؟
رد «أحمد»: إنني أحد الذين تُطاردهم بحُقَنك المخدرة وتقتلهم دون سبب في المستشفى المريب عند غابة الحور!
جلس الرجل في فراشه وقال ببساطة مفاجئة: لا بأس … ما دمت هنا فدعنا نتفاهم!
أحمد: ليس هناك أيُّ تفاهم قبل أن تُطلق سراح أصدقائي الذين تحتجزهم عندك دون سبب!
الرجل: صدقني أيها الشاب، إنني لا أريد بكم شرًّا … إنها عملية بسيطة … فهناك شخص يهمُّه … الحصول على بعض الأوراق عندكم … وقد طلب مني وضْعَ خطة للإيقاع ببعضكم حتى يمكنه المساومة على هذه الأوراق … واتفقنا على مبلغ ضخم … وهذا مجرد عمل أيها الشاب!
أحمد: هذا عمل بالنسبة لك، وهو بالطبع عملٌ قذر، ولكنه بالنسبة لنا مسألة وطنية؛ فهذه الأوراق تخصُّ عالمًا مصريًّا … وبالتالي تخص مصر … وسأطلب منك الآن الإفراج عن أصدقائي أولًا … وإعطائي الأوراق التي عندكم ثانيًا!
ابتسم الرجل وقال: إنك طموح جدًّا أيها الشاب، فأنت في مقر منظمة قوية وفي قلب «برلين» … وأنت وحيد ولا يحميك إلا هذا المسدس … وفي أية لحظة من الممكن أن نجرِّدك منه؛ فلا تشترط شروطًا متطرفة.
تقدم «أحمد» من الرجل هادئًا وقال: إنني بلا هذا المسدس يمكنني أن أفعل الكثير … قم الآن وارتدِ ثيابك ولا تضيِّع وقتًا!
لم يتحرك الرجل من مكانه، ولم يتردد «أحمد» لحظة واحدة؛ فقد ضربه ضربة أسالت الدماء من أنفه وفمه وقال بعنف: ما يهمني الآن هم زملائي … وستُفرج عنهم، وستسلمني الأوراق التي عندك!
قام الرجل وهو يتمتم بغضب قائلًا: أين هؤلاء الأغبياء؟ وكيف دخلت هنا؟!
أحمد: هيَّا … لا وقتَ لهذا الكلام!
أخذ الرجل يلبس ملابسه متضايقًا، و«أحمد» يرقبه بحذر، ولكن الرجل أدرك أنه أمام خصم عنيد … انتهى من ارتداء ملابسه … وفجأة سمعوا صوت أقدام تقترب من الباب، وأسرع «أحمد» إلى ركن الغرفة وقال هامسًا: لا تحاول أن تُشعر أحدًا بوجودي!
دق الباب فصاح الزعيم: ادخل!
ودخل رجل وأخذ ينظر حوله في دهشة، فقال «أحمد»: ادخل وأغلق الباب خلفك!
ذُعِر الرجل وقال الزعيم: لقد استطاع أن يدخل مقرَّنا وأنتم خمسة من الحراس … سوف أفتك بكم جميعًا أيها الكلاب!
أسرع «أحمد» يفتِّش الرجل ويجرِّده من سلاحه، ثم سار الاثنان أمامه عبر الدهليز إلى السلم … ومن السلم إلى باب جانبي به مجموعة من السيارات القوية، وصعد الرجل إلى عجلة القيادة، وجلس بجواره الزعيم، وجلس «أحمد» خلفهما وقد ألصق فوهة مسدسه برقبة الزعيم.
ساد الصمت والسيارة تشقُّ طريقَها في الضباب الكثيف. كان «أحمد» يفكر في الساعة القادمة … عليه أن يُفرج عن زملائه، وأن يحصل على بقية أوراق الدكتور «سامح»، ويعرف مَن الذي يقف خلف هذه المؤامرة.
وصلوا إلى مشارف الغابة، وشاهد «أحمد» السيارة المرسيدس السوداء واقفةً عند المدخل الخاص للمستشفى … فقال للسائق: توقَّف عند هذه السيارة.
كان «خالد» قد أعدَّ نفسه لأية مفاجأة … غادر السيارة ووقف متخفيًا خلف إحدى الأشجار الضخمة … فلما شاهد السيارة تقترب أخرج مسدسه واستعد …
صاح «أحمد» من نافذة السيارة: «خالد»!
أسرع «خالد» إليه وقفز بجواره، واجتازت السيارة الكبيرة الطريق الخاص، ووقفت أمام المستشفى الغارق في الصمت … واستعد «أحمد» و«خالد» للاحتمالات القادمة.