المنطق نظرية البحث
«تختلف النظرية المنطقية باختلافِ الأساس الذي ينبني عليه العلم في العصر المعيَّن؛ فكلما غيَّر العلم من أساسه، تغيَّرت معه نظرية المنطق؛ وذلك لأنَّ المنطق إنْ هو إلا تحليل لمفاهيم العلم وطرائقه، تحليلًا يُبرِز صورَها؛ فقد كان العلم عند اليونان قائمًا على فلسفةٍ بعينها في الوجود، وجاء المنطق الأرسطي صورةً أمينة دقيقة له؛ فإذا كان العلم المعاصر يقوم على أساسٍ مختلفٍ أشدَّ الاختلاف عن أساس العلم اليوناني، تَحتَّم أن تتغير النظرية المنطقية تبعًا لذلك.»
كما كان المنطق الأرسطي متوافِقًا مع العلم عند اليونان ومعبِّرًا عنه، كان من الطبيعي أن يجد العلم المعاصر منطقًا متوافِقًا معه ومعبِّرًا عنه، وهو ما نجده في البرجماتية باعتبارها ألصقَ الجماعات الفلسفية المعاصرة بتيار العلم؛ إذ إنها تنظر إلى القضايا المنطقية على أنها وسيلة إلى بلوغ هدف مقصود. ولما كانت الوسائل بشتى ضروبها لا تُوصف بكونها صادقة أو كاذبة، بل تُوصف بأنها مؤدِّية أو غير مؤدِّية، فكذلك لا تُوصف القضية المنطقية بأنها صادقة أو كاذبة، بل بأنها مؤدِّية إلى الغرض المقصود أو لا؛ فإذا كان الكلام غير عملي، فهو بالبداهة خارجٌ عن مجال المنطق الذي يخرج عنه أيضًا كلُّ كلامٍ في طابعه الصدق الصوري فقط. ويمكننا التعرُّف أكثر على هذه الفلسفة من خلال هذا الكتاب الذي يتضمَّن عرضًا وتحليلًا لها.