المقدمة
«ولكن تفطَّر يا قلبي، ولا تنطِق يا لسان.»
يروي هذا الكتاب قصةَ كل امرأة وينقل صوتها. إنه تمثيلٌ لقوَّتنا المُطلقة وحكاياتنا. كتبت مايا أنجيلو عن الغُصَّة المُوجعة التي تسبِّبها قصةٌ مكبوتة غير محكية: الكتمان مؤلِم.
هذه أيضًا قصةُ فتاة فضولية عنيدة، تبدو متعجرفة أحيانًا، لكنها دائمًا مثابرة، كانت تود أن تفهم لماذا تجد صعوبةً في الكلام، ولماذا كانت جميع النساء الرائعات من حولها مسلوباتِ القوة، فيُخفين أجسادَهن ويكتُمن أنفاسهن ويكبِتن أصواتهن وآراءهن.
فتاة وُلدت عام ١٩٥٣، أي بعد ثمانية أعوام من نهاية الحرب العالمية الثانية.
فتاة كانت تفضِّل مشاركة الصبية في ألعابٍ تنطوي على مخاطرة، وهو ما كان أكثرَ إمتاعًا لها من بيت الدُّمى بمجسَّماته الصغيرة لنساءٍ مُبتسمات أنيقات. طفلةٌ كانت تدرك بقوةٍ حزنَ البالغين من حولها، حتى ترسَّخت لديها قناعةٌ بأن حياتهن المقرونة بالحزن كانت حياةً طبيعية.
كانت فترة من الخسارة، لكنها كانت كذلك الفترةَ المناسبة لتجاوزها.
من الواردِ ألا تجد أسرةً في أوروبا لم تتعرَّض لخسارة شخصية. هناك أسرارٌ تُخفي ما قد جرى مشاهدته أو فِعله، أو خوضه أو ارتكابه. لم يكن الوقت وقتَ مشاركة مشاعر أو آراء حرة غير مقيَّدة، إنما كان الوقت للمضي قُدُمًا ومحاولة التعافي في صمت.
لم تلتقِ هذه الفتاة الصغيرة امرأةً حالمة تُناضل من أجل حقوق المساواة؛ فكان العالم لا يُلمِّح حتى إلى إمكانية التأثير خارج دائرة إدارة شئون المنزل أو رعاية الأطفال. فتاة كانت تعرف، من دون أي توجيه خارجي، أنَّ هذا الإقصاء عن التأثير في العالم ليس عدلًا.
إنها أنا.
باتريشيا آن. سُمِّيتُ بهذا الاسم نسبةً إلى أقربِ صديقةٍ لأمي، لكن والدي رأى أنَّ وَقْع اسمي أشبهُ بوقْع صوت العُطَاس. لهذا قبل أن يُمكنني تذكُّره، تحوَّل اسمي إلى باتسي.
لم أكن طفلةً ذات موهبة فذة، لكنني كنتُ أجتهد كي أفهم مَواطنَ الظلم. كنت فتاة، وامرأة فيما بعد، تجد دائمًا مشقَّة في التواصل.
يتحدَّث هذا الكتاب عن الضرر الذي لحِق ويلحق بالأصوات النسائية وإعادة اكتشافها وكيفية مداواتها.
أُهدي هذا الكتاب إلى جميع النساء اللاتي أحببتُهن؛ أُمي، جَدتي، المُعلِّمات اللائي كان بمقدوري أن أشعر بأنهن مكمَّمات الأفواه، واللاتي لم يتمكنَّ من مشاركة ما أرَدْن مشاركته.
هذا دليلٌ من أزمنة قديمة وأخرى حديثة على عظمة أصوات النساء وحكاياتهن، وعلى المحاولات المستمرة والفاشلة لإسكاتهن.