الفصل الثاني والعشرون

أقنعةُ النجاة

الصوت الناعم، المغازلة، الصوت الجذاب، الصوت الضاحك، الصوت المُستكين، الصوت المتملِّق.

تنبثق هذه العادات من الحاجة إلى نيل الإعجاب والظهور بمظهرٍ جذاب. وتنشأ من الحاجة إلى ألا يشكلنَ تهديدًا للرجال. ومن الحاجة إلى ألا يُظهِرنَ مستوًى من الذكاء يفوقهم. وألا يبدون جادَّات بشدة، ولكن ليُظهرن بأن لديهن حسًّا فكاهيًّا حتى ولو كنا نحن محورَ المزحة. ابتُدِعَت أقنعة النجاة لمن كُنَّ قد حُرمن من القوة آلاف السنين.

لا ألوم أيَّ امرأة على استخدام أيٍّ من الأقنعة السابق ذكرها، لكن عليكِ أن تُدركي أنك حينما تكونين في منصب قوة، ثمَّة ثَمن لا بدَّ من دفعه إذا فعلتِ ذلك.

كما سبق أن ذكرت، بدأت التدريس عام ١٩٧٥ عندما كانت الحركة النسوية تكتسب زخْمًا. كانت القوانين قد منحت المرأة حقوقًا قانونية. وكان الجدال حول المساواة محتدمًا وذائعًا وقويًّا.

كان جيل أمي يميل إلى ترفيع نبرة صوتهن. والسبب في ذلك أنهن كن يردنَ أن يبدون أكثرَ «أنوثة». وأيضًا كن يرغبنَ في أن يظهرنَ أكثرَ استحسانًا لآذان الرجال. حتى كانت لأمي صديقات يغيِّرن من نبرة أصواتهن لتُصبح أكثرَ رقةً عندما يدخل رجلٌ الغرفة أو عندما يتحدثنَ مع رجل على الهاتف.

بين عشيةٍ وضحاها، صارت النساء يخفضنَ أصواتهن حتى يُحاكين قوة الرجال. لم يكتشفن أصواتهن الحقيقية؛ بل حجبنَ صوتهن الطبيعي بقناعٍ آخر. كانت من ضمن مهام التدريس الأولى لي مع النساء أنهن طلبنَ مني مساعدتهن في خفض أصواتهن بطريقةٍ آمنة.

والصوت المرتفع هو أيضًا قِناع. إنه ليس إلا جزءًا من صوتك الكامل. إحدى السيدات القويات التي خفضت صوتها بعدما كان مرتفعًا بشدة هي مارجريت تاتشر في أواخر سبعينيات القرن العشرين. لكنها بالغَت في خفضه، فصار يبدو غير طبيعي، بل صار في كثيرٍ من الأحيان خشنًا بسبب هذا الاستخدام الخاطئ.

إنَّ كل الأصوات المُتغيِّرة — الصوت الناعم، المُغازل، الجذاب، الضاحك — تحجب الصوتَ القوي والحقيقي للمرأة. إنها لا تُظهِر للعالم إلا جزءًا من شخصيتنا. تلك الأصوات هي خياراتٌ ربما لم نتَّخذها بوعيٍ كامل. لكنها كان يُكافِئ عليها الرجال باستمرار ونساء أخريات في بعض الأحيان.

كان من الصعب على جيل والدتي العزوفُ عن استخدام تلك الأقنعة. وظل الأمر صعبًا إلى يومنا هذا، لكني أشعر بقوة أنه إذا اخترنا استخدامَ تلك الأقنعة في هذه الأيام، فعلينا أن نتقبَّل مغبَّة استخدامها.

رغم أن هذه الأقنعة التنكُّرية تُسهِّل علينا، بدرجةٍ ما، شوطًا من رحلتنا الشخصية والمهنية، فإنها تُقلل من شأننا إلى أن تقضيَ علينا في النهاية. فلا بد أن ندفع الثمن.

من الصعب أن تكوني في حضور رجالٍ غير متعاطفين لا يرغبون فيك بصفتك نِدًّا لهم. إنهم يريدون منكِ أن تُجامليهم، تتحدَّثين عنهم وليس عن أي شيءٍ يتعلق بكِ، أن تضحكي على نِكاتهم البذيئة إن لم تكن شهوانية، أن تُوافقيهم الرأيَ ولا تُثبتي أنهم مخطئون، أن تستمتعي بإهانتهم لكِ. لكن التجربة المروعة التي شاركتها كثيرٌ من النساء معي عن عملهنَّ تفيد بأن تلك الأقنعة لا توصلهن في النهاية إلى حيثما أَرَدْن الوصول. إنها أداةٌ للنجاة، لكن إذا اخترتِ قناعًا مدى الحياة، قناعًا يُصبح بمضيِّ الوقت أصعبَ في خلعه، فإنه سيقضي على قوتكِ وعلى أي أفكار مهمة قد ترغبين في التعبير عنها.

وسيُصيبكِ بالإنهاك.

قناعُ الابتسامة

هناك ابتسامة حقيقية، وأخرى زائفة ومُصطنعة. وليست ابتسامة تَنِم عن بهجةٍ أو لطف، بل إنها تُلمِّح برسالة مفادها «أظهِروا إعجابكم بي»، «عامِلوني بلُطف»، «أنا إنسانة لطيفة».

إذا ابتسمتِ في وقتٍ لا داعيَ فيه لأن تبتسمي، فستُثيرين حالة من الحَيرة. والابتسامة المصطنعة هي ابتسامة تكون العضلات المشاركة فيها مشدودةً ومتيبسة: في حين أن الابتسامة الحقيقة مرنة. تعيق الابتسامة المُصطنعة الصوتَ مما ينتج عنه، بوجهٍ عام، نغمةُ صوت أكثر ضعفًا.

كنتُ أُدرِّبُ مديرةً عُليا في شركةٍ متعددة الجنسيات. كان منتقدوها — فريقها وزملاؤها — يصفونها بالمُنافِقة. فعندما كانت تُعطي تعليماتٍ أو تُوجِّه نقدًا، بغضِّ النظر عما تقول، وبالرغم من مضمونه السلبي، كانت تُلقيه بابتسامة. كانت تتواصل من وراء قناع. تعرضت قيادتها للتشكيك لأنهم كانوا يستشعرون بأنها غير صادقة.

عندما أشرتُ إلى ذلك، فهمتْ على الفور كيف كانت الابتسامة مفيدة في ترقِّيها المهني، لكنها لم تَعُد ملائمةً الآن بعد أن أصبحت قائدة. إن بعض الأسابيع من العمل معي على إرخاء عضلات الوجه وتعزيز الوعي فيما يتعلق بالابتسامة، نجحت في تغيير حضورها، وأسهمت في تعزيز قُدرتها على أن تبدوَ كما تريد أن تبدوَ. وأن يكون صوتها متماشيًا مع كلامها.

في بعض الثقافات، يُعد قناع الابتسامة لصيقًا بوجوه السيدات.

عملتُ في الآونة الأخيرة مع مجموعة من السيدات اليابانيات اللائي كن شخصيات طموحات مهنيًّا. كنَّ يُدركن أن ابتساماتهن المُصطنعة تُضعِف قدرتهن على التطوُّر. لقد لاحظنَ أن النساء الغربيات لا يتعرضن للضغط نفسِه الذي يفرضه البقاء مبتسماتٍ طوال الوقت. وكان طلبهن منِّي هو أن أساعدهن على أن تُصبح وجوههن واضحةً ومحايدة. بطبيعة الحال، كانت فرص ترقِّيهن أكثرَ صعوبةً، لكنهن عُدْن وأبلغنَني بأن نظراءهن من الرجال اليابانيين يأخذون كلامهنَّ على محمل الجِد عندما كنَّ لا يبتسمن طوال الوقت.

تعاملي بجدية مع ذاتك

لم يسبق لي العمل مع أي مجموعة، سواء في المسرح أو في عالم الشركات، إلا ووُجِدت امرأة على الأقل تفعل ما يلي:

تؤدي المُمثلة مشهدًا قويًّا للغاية، وبمجرد أن تنتهي، بدلًا من البقاء وهي تشعر بقوة المشهد، يظهر على وجهها تعبيراتٌ ساذجة وتُدير عينَيها وتتمايل، وبصوتٍ أنثوي تسخر من نفسها ومن عملها. إنها حينما تفعل ذلك تُنْكر قوَّتها وتسخر من عملها الجيد بل وتستهزئ به. تعليقي الذي أُدلي به دائمًا: «إذا كنتِ لا تُعطين عملك قدْره، فلماذا تتوقَّعين من الآخرين أن يمنحوكِ إياه؟»

أعلم السببَ الذي يدفعنا إلى فِعل ذلك. لقد حضرتُ اجتماعاتٍ مع مُخرجين وكُتاب لم يريدوا العمل مع نساءٍ يمتلكن قوةً واضحة. بل ويفضلون البقاء مع امرأةٍ متخفِّيَة وراء قناع «السذاجة». يريدون منهن أن يقدمن دورًا بأداءٍ قوي، لكن يكن ساذجات برفقتهم بعيدًا عن التمثيل.

في عالم الشركات، درَّبتُ مئات السيدات اللاتي وجدنَ أنفسهن عند التواصُل أثناء اجتماعات أو مع الزملاء، يقُلن شيئًا مناسبًا وعميقًا ومهمًّا، لكنهن يرتدين قناع السذاجة أو يتحدثنَ بطريقةٍ ساخرة أو يفعلنَ كِلا الأمرَين كي يُقللن من شأنهن بعد أدائهن المبهر!

يمكننا التوقف عن فعل هذا عندما نتدرَّب على البقاء في وضعٍ ثابت ونتجنب تحريك وجوهنا أو أعيننا أو أجسادنا. ولا نلجأ إلى استخدام صوتٍ أنثوي طفولي.

كوني فخورة بذكائك. وتشبَّثي بقوَّتك.

المجاملة

قد تكون المجاملة وسيلةً مُمتعة، لكنها أيضًا قد تكون قناعًا يشوِّش على ما يفترض أن تكون لحظة صفاء. هذه هي مشكلة المجاملة التي أعمل على حلها: حينما تُقدِّمين ملاحظة أو تعليقًا مهمًّا على عمل شخصٍ ما، فقد تكون ملاحظة إيجابية أو شيئًا يحتاج إلى العمل عليه. بدلًا من الاستماع والرد بتعليقٍ مرتبط بالملاحظة، تلجأ بعض النساء — أكثر من الرجال — إلى المجاملة! هذا سلوك مُثير للغيظ إذا كنت تحاول إنجازَ العمل. وهو أيضًا سلوك مُستنزِف للوقت ويعني أنه عليكِ تصفية الأجواء وتهيئة نفسك من جديد من أجل المواصلة.

في الآونة الأخيرة، قدمتُ ملاحظةً بنَّاءة لإحدى المُمثلات. كانت ملاحظةً عملية على معنًى واقعي لكلمةٍ لم تؤدِّها بدقة. كانت ملاحظة موضوعية لا جدال فيها. ابتسمَتْ وتحرَّكَت قليلًا ثم طَرَفَت بجفنَيها ثم استخدمت صوتًا أنثويًّا طفوليًّا وقالت: «أنتِ بارعةٌ حقًّا.»

قلت: «لا، لستُ هكذا. أنا أعطيكِ ملاحظة لتحسين عملك.» تفاجأت بما قُلته. وتراجعت عن جميع الأساليب التي انتهجتها وقالت: «حسنًا، لم يصلح هذا الأسلوب معكِ؟»

سألتُ: «ما الذي لم يصلح معي؟»

«المجاملة.» فضحكَتْ ثم عادت وطبَّقت الملاحظة.

بالطبع، ثمة مسئولية تقع على عاتق القائد الذي يتلقَّى مجاملات. يجب ألا يُشجِّع على ذلك، وألا يتجاوب معها حتى لا تشوِّش على العمل وتخلق شعورًا بالمُحاباة داخل المجموعة. ومن السهل تحقيقُ ذلك، ما دام الشخص المسئول يُدرك أن المقصود بهذا التملُّق هو سلطته وليس شخصه.

خطُّ التراجُع

المراد بخط التراجع أن تبدئي الحديث بقوة ثم تتراجعين عن الفكرة. ويتضاءل صوتك. هذا يُعطي انطباعًا بعدم الوضوح وأن المتحدثة متردِّدة فيما تقوله، وهذا غير صحيح في أغلب الأحيان. إنها عادة أخرى تقع فيها النساء أكثرَ من الرجال. إنه قناع تُخفين وراءه ذكاءك وتركيزكِ، وينبع من ماضٍ كنتِ فيه غير واثقةٍ من أنَّ لأفكاركِ قيمة.

إنه النمط نفسه الذي تتَّبعه تهويدة الطفل: نمط باعث على الراحة والهدوء، ولكنه كذلك يُعرِّض مُستمعيك لخطر الخلود إلى النوم. هذه المحاولة اللاواعية لبثِّ الهدوء يمكن في كثيرٍ من الأحيان أن تأتي بنتائج عكسية وتُعطي انطباعًا بالاستعلاء في الحديث.

خُذي شهيقًا أطول للحفاظ على صوتك واضحًا، وتأكَّدي من نطق نهاية كل كلمة وأنك تقصدين كل كلمة تقولينها.

إذا تحدثتِ وكأنكِ تدفعين الحائط بيدَيكِ، فستشعرين بجسمك يتراجع وكأنك تنهارين. هذا التراجُع يبدو ويعكس ضعفًا وتردُّدًا عند مخاطبة الجمهور. قد يشكك الناس في ذكائك أو يفترضون أنك تشعرين بالملل، أو الأسوأ من ذلك، قد يبدو الأمر وكأنك تجِدين الجمهور مملًّا. إنه يوحي برسالة مفادها: «التحدُّث مُملٌّ حقًّا.»

يحدث شكلٌ آخر لتضاؤل الصوت عند التراجُع عن كل كلمة. على عكس خط التراجُع الذي يحدث على مستوى الفكرة، قد يكون هذا التضاؤل في الصوت على مستوى كل كلمة. فيخرج الجزء الأول من الكلمة من فمك ثم تكتُمين الجزء الثاني. إنها الغمغمة التي تعطي انطباعًا وكأنك لا تُبالِين. لكن بمجرد أن تُدركي أن عليك التنفُّسَ ونطق كل كلمةٍ حتى نهايتها، ستختفي هذه العادة.

الصوت الهامس

إن التلفُّظ من دون صوت هو شكلٌ من أشكال الهمس. إنكِ تنتزِعين القوةَ من صوتك وتعملين بنصف القوة الصوتية التي تملكينها. تستخدم النساء هذا القناع منذ قرون. إنه الصوت المُنخفض المُميِّز للدائرة الأولى الذي يصبغ الكلام بصبغةٍ ناعمة، مما يُتيح القدرةَ على التعبير عن الأفكار الخطيرة «بنبرة عذبة». غالبًا ما ينجح هذا الأسلوب بل ويصبح مفيدًا عندما تفتقرين إلى القوة. ولكن يمكن أيضًا أن يُنظَر إليه على أنه عدوانية كامنة.

المشكلة الأخرى الأكثر إثارةً للاهتمام هي أن صوتكِ سيكون غير مسموع إذا كان حاضرًا في المكان أكثرُ من شخصين.

أحد الأسباب الأساسية التي تدفع النساء ذوات الصوت الهامس أن يأتين لي؛ طلبًا لتدريبهنَّ هو أنهن يُدركن أن لا أحد يستمع إليهن في الاجتماعات. لا يستطيع الجمهور سماعَ صوتٍ منخفض حتى في مكانٍ مساحته صغيرة جدًّا، وحتى لو كان لديكِ ميكروفون مفتوح. لمعالجة هذه المشكلة وتمكين صوتك الكامل من جديد، ستحتاجين إلى أخذ نفَسٍ كامل وإخراج صوتكِ إلى الأمام. اجعلي صوتكِ في وضع نطق الصوتين «أووه» و«آآه» ثم انطقي بوتيرة واحدة «ما-ماي-مي». ثم ابدئي في الكلام مباشرةً بعد النطق بوتيرة واحدة، وستُعيدين اكتشاف صوتك الكامل.

الإسراع في الحديث

تحدَّثنا عن هذه المشكلة سابقًا، لكن من المُهم أن نُعيد تناولها.

يُعد الإسراع في الحديث قناعًا آخر. قناعٌ يُوضع بسبب:
  • الخوف من أن يُقاطعنا أحدهم.

  • استعراض حجم معرفتنا. هذا لأننا نريد أن نملأ الوقت الذي علينا أن نتحدث فيه بجميعِ ما لدَينا من معلومات.

  • القناعة بأن الإسراع في الحديث سيحُول دون شعور الجمهور بالملل، في حين أن العكس صحيح. كلما أسرعنا في الحديث، فقدَ الجمهور تركيزه بوتيرة أسرع.

  • «أُسرِع في الحديث لأنني أريد أن أنهيَ الأمر!»، سمعت هذا التعليق مراتٍ كثيرة. لكن آخر شيءٍ يريده الجمهور هو أن توحي له بأنكِ لا ترغبين في الوقوف أمامه.

  • الإسراع في الحديث قد يكون أيضًا دليلًا على الذكاء الفائق. وهي حالةٌ يسبق فيها تفكيرُك كلامَك. فيصعب على أعضاء النطق أن تواكِب تفكيرك وكذلك يصعب على عقلك أن يتصوَّر الكلام بالسرعة الكافية.

ومن منظور المُستمِع، فإن الإسراع في الحديث يبعث برسالة مفادها: «لا يحق لي أن أتحدث.»

التحكُّم المتعمَّد للصوت

إن النساء يُدركن جيدًا، خاصة عند تَولِّيهن أدوارًا قيادية، أن الرجال يعتقدون بأنهن عاطفيات أكثر مما ينبغي. ومن ثَم، تحاول النساء مقاومةَ هذه التوقعات عن طريق خفض أصواتهن، مما يجعلها متأنِّيةً بشدة وفي غاية الرتابة. يُعد الشغف من أكثر الصفات الناجحة والمُثيرة للحماسة أثناء التواصُل المؤثر، ومن ثَم، حينما يتحدثن بصوتٍ خفيض ومتأنٍّ للغاية، وحينما لا يُغيرن من وتيرة كلامهن، فإنهن يحرمن أنفسهن من أكثر صفات التواصل إثارةً وإنسانيةً. لقد عملت مؤخرًا مع مديرةٍ أولى كانت قد خفضت صوتها لأنها كانت تخشى أن يُنظر إليها على أنها «عاطفية»، وكانت منزعجة بشدة لأنها تلقَّت تعليقاتٍ من فريقها بأنها تبدو مُملة. كانت تشغل منصبَ أمينة الخزانة في بنكٍ مشهور. وأدركت أن أقسى انتقاد يوجَّه لأصوات النساء، لا سيما عندما يتحمَّسن لفكرة أو شعور، هو أن أصواتهن تصبح ثاقبة ويصرخن، وأن أصواتهن ترتفع ولا تنخفض أبدًا.

أواجه هذه الحالة يوميًّا في عملي مع النساء وأصواتهن. ومن الأمثلة الصارخة: كنت جالسةً مؤخرًا في أحد المسارح أثناء محاولة مُمثلة شابة، يُفترَض أنها غير مدرَّبة، لتقديم أداءٍ مؤثر وعاطفي. كان صوتها ثاقبًا للغاية لدرجة أن خمسة أشخاص أمامي وضعوا أصابعهم في آذانهم، وكان الصوت مُزعجًا جدًّا للأذنَين. وهذا ما يفعله الصوت الثاقب في الجمهور. إنه أمرٌ قاسٍ لكنه حقيقي: لا يمكنك أن تشتكي من عزوف الناس عن الاستماع إليك إذا كان صوتك يؤذي طبلةَ آذانهم. ثمة تحليل بسيط يُفسِّر الصوت الثاقب الأجش الحاد. فلا يوجد نفَس يدعم الصوت، فالانفعال يدفع الحنجرة لأعلى، والشد في عضلات الكتفَين والرقبة يعني أن الحنجرة لا يمكن لها أن تنخفض مرةً أخرى.

كان ذلك أكبرَ مخاوف أمينة الخزانة. قلت لها: «لكنَّ لديك صوتًا جميلًا وحرًّا يدعمه التنفس كما ينبغي، دعينا نحاول تحريره. ليس عليك سوى أخذ شهيق، ثم دعيه ينطلق. عليك فقط أن تثقي في ذلك الآن. إن الحنجرة لن ترتفع للأعلى ولن تنخفض». حاولتُ ونجح الأمر، وهي الآن تستمتع بصوتها مرةً أخرى.

الفكُّ والفم

عندما كنت أبحث عن غلافٍ لكتابي الأول «الحقُّ في التعبير» عام ١٩٩١، كنت أبحث عن رسومات تُظهر أشخاصًا أفواههم مفتوحة. بالطبع، إذا لم تفتح فمك، فلا يمكن للصوت أن يخرج. يعتمد الحق في التعبير على حرية الفكِّ وفتح الفم لإخراج الصوت. لم أتمكن من العثور على أي صورٍ، لذلك لجأت إلى مؤرِّخة فنية، فأجْرَت لي بحثًا، لكنها سرعان ما عادت بهذه الملاحظة: «ليس سوى المجانين والبغايا هم مَن يُرسَمون بأفواهٍ مفتوحة.»

بينما الفتيات اللطيفات يُبقين أفواههن مغلقة.

التواصل البصري – قناع التظاهر بالنظر إلى الآخرين

إن التواصل البصري الحقيقي المُميِّز للدائرة الثانية يُعدُّ فعالًا. وإذا قوبل بتواصلٍ بصري من الجانب الآخر، فإنه يُمكِّن الناس من أن يُبصروا إنسانيةَ بعضهم بعضًا والاعتراف بسلطة بعضهم بعضًا. إن القائد الذي يتواصل معنا بالعينَين يجعلنا نشعر بأننا مرئيون ومعروفون ومهمُّون.

إذا استطعت التواصل بصريًّا مع مجموعة أو جمهور، فسيشعر الجميع بمزيد من الهدوء والأمان.

تجد النساء، مقارنةً بالرجال، صعوبةً أكبر في إجراء تواصلٍ بصري واضح وغير مُتخفٍّ وراء قناع. وبالنسبة إلى العديد من النساء، كان من الخطورة أن يظهرن بهذه الجرأة والفضول. لذلك يتظاهرن بالنظر، فينظرن فوقك أو إلى الأرض، أو لا ينظرن على الإطلاق. أو، ينظرن ثم يبتعِدنَ بنظراتهن، ليُغطينَ على التواصل القوي والمباشر الذي أجرينَه وذلك عن طريق انسحابهن إلى الدائرة الأولى، مما يُعطي انطباعًا لا يُوحي بتركيزهن وقوَّتهن. قد يستغرق الأمر أحيانًا شهورًا من طالباتي حتى يجرؤن على النظر إلى الرجال الأقوياء الطوال القامة في مجموعتهن الذين يعتقدن أنهم أقوياء.

الآن صار لديكِ كل الأدوات لفهم كيفية إثبات حضورك وإيصال صوتك بفعالية.

إذا استطعتِ البقاء حاضرةً بجسدك، والتنفُّس يدعمك مع خروج الصوت الكامل منك، فقد وصلتِ إلى حالةٍ تتمتعين فيها بالإمكانات الكاملة: القوة الجسدية والتنفُّسية والصوتية.

سيصل صوتك إلى جميع المساحات. يتحكم التنفس بقوة صوتك، وبينما تأخذين نفَسًا يتناسب مع تواصل الدائرة الثانية، سيكون حضورك طاغيًا في المكان وسيكون لديك تأثيرٌ دون أن يُتوقع أن يُعاني الآخرون حتى يسمعوا صوتك. بينما تأخُذين شهيقًا وتتحدثين بصوتك الكامل، ستُبطئين من وتيرتك وتُظهرين قوَّتك وتمنحين نفَسك وقتًا للتفكير.

سينساب الصوت الحُر متناغمًا مع أفكارك وسيشهد تنوعًا في النبرات والنغمات ويبدو مثيرًا للاهتمام.

عندما تركزين على التنفس ويكون صوتك واضحًا، لن يشعر أحدٌ بأنك عدوانية إلا إذا كنتِ تقصدين ذلك، ولا ضعيفة إلا إذا كان هذا اختيارَك، ولن يرتفع صوتك عاليًا ولن ينخفض أو يبدو رتيبًا وباهتًا.

صار صوتك الآن قويًّا ومسموعًا وواضحًا. لقد حققتِ مقومات الإلقاء الذي يُعَد المرحلة الأولى حتى تُصبحي متحدثةً محترفة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤