الفصل السادس

هل نحن مكافِئات للرجال؟

أعتقد أنني كنت في السادسة عندما طرح عقلي الطفولي لأول مرة هذا السؤالَ — هل الفتيات مساويات للصبية؟ — وظل يطرحه مرارًا وتكرارًا. سألت المُعلِّمين وأُمي والأصدقاء. لم يكن نقاشًا يرغب أيُّ شخصٍ في مُحيطي في الدخول فيه قبل منتصف سبعينيات القرن العشرين، لكنه أزعجني.

عندما كنت في الثامنة من عمري، كنت أحبُّ اللعبَ مع الأولاد في مدرستي المختلطة. فالألعاب كانت أفضل. وكان الأولاد يُعاملونني باهتمامٍ لم يُبَح به، وكنت أُنبَذ من بعض المحادثات والأنشطة.

كنتُ أطلِق صرختي المعتادة فأقول: «هذا ليس عدلًا!» عندما لم يُسمَح لي بركوب دراجة أحد الأولاد. استحوذت هذه الصرخةُ على انتباه الأولاد الأربعة الذين سُمِح لهم بركوبها. فشاركوا تلك الابتسامةَ الذكورية الماكرة التي رأتها جميع النساء، ثم التفتوا إليَّ.

«إنه عدلٌ لأن الأولاد أفضلُ من البنات.»

«لماذا؟»

تعالت الضحكات: «أنتِ مجرَّد فتاة.»

«لكنني هزمتك في كرة الراوندرز! وأحصل على درجاتٍ أعلى منك.»

فتعالت الضحكاتُ أكثرَ.

«إذا أراد الأولاد قتْلَك، بإمكانهم ذلك. فالأولاد أفضلُ لأننا أقوى.» كان هذا تشارلز قائد الأولاد.

إذن، كان هذا طرَفَ خيطٍ مهمًّا على سؤال المساواة. كانت قطعة من أُحجية العدالة التي أفادتني وأثارت قلقي.

كان الأمر يستحق أن أُمضيَ وقتًا للتفكير فيه. وأول شيءٍ خطر في ذهني كان: لكن بعض الأولاد، وكذلك بعض الرجال لا يتمتَّعون بقوةٍ بدنية. كنت قد تصارعت مع صبي من الجيران حتى طرحته أرضًا، ولم يكن قد مضى على هذا الحادث سوى بضعة أسابيع.

كان لبعض أصدقاء والدي المَرموقين هيئةٌ ضعيفة جدًّا. كان أحدهم يُصافح بقبضةٍ ضعيفة، ولم يستطِع الآخر السباحةَ عندما زارنا في الإجازة وصرخ عندما أسقطته موجةٌ على قدمَيه في المياه الضحلة.

هل من المُمكن أن مفهوم القوة البدنية قد أعطى الرجال فكرةَ أنهم أفضل منَّا؟

لقد اخترت هذه المشكلة ثم بحثتُ فيها. ليس جميع الرجال أقوياء بدنيًّا. فالفكرة ليست حقيقة ثابتة.

ثم، أجريت زيارةً إلى حديقة حيوانات لندن.

كان هناك غوريلا اسمه جاي، نزيلًا مشهورًا في حديقة حيوانات ريجنتس بارك. وقفت مبهورة أمام هذا الحيوان المدهش. إن قوَّته، وحالة بدنه المُسترخية، ونظرته الجريئة أثَّرت فيَّ.

صار لديَّ الرد على تشارلز.

وواجهته بمجرد أن أُتيحت الفرصة لي.

«تشارلز، هل تعتقد أنَّ بسبب قوَّتك، أنت أفضل من البنات؟»

فأجاب بابتسامةٍ كبيرة: «أجل!»

«إذن، هذا يَعني أنَّ الغوريلا جاي أهمُّ من أي رجل. يمكن لجاي أن يهزم أيَّ رجلٍ بنكزةٍ واحدة. ويسحب ذراعك بِشَدَّةٍ واحدة.»

تلعثم تشارلز. كنت أعلم أنني فزتُ. أمَّا هو فكان مترددًا ومضطربًا وظل يعتصر ذهنه.

«لا، ليس بوسعه ذلك. سأطلق النار عليه. فالرجال اخترعوا البنادق.»

«بذلك، فأنتَ لستَ الأقوى. إنما البندقية، بإمكان النساء كذلك إطلاقُ النار. وبوسعهن أيضًا حمْلُ البندقية.»

كنت مُبتهجةً بالانتصار عليه ومضيت.

قبل أن أستوعب ما الذي يحدث، دُفِعت من الخلف على بطني، ورُفِعت ثيابي وسُحِب سروالي لأسفل كاشفًا عن مؤخِّرتي.

«آمُل أن يتمكَّن العالَم بأسْره من رؤية مؤخرتك الغبية!»

كانت هذه خاتمة تشارلز لنقاشنا. فغادر غاضبًا، وليس منتصرًا تمامًا. كان مُحقًّا أنه، عندما دفعني ورفع تنُّورتي وسَحب سروالي لأسفل، لم أستطِع المقاومة. ولكني كنتُ أعلم أنني على حق وأن فكرةً ما قد فُهِمت.

لم تكن هذه الواقعة مع تشارلز تجربةً سيئة أو مؤلِمة، فجميع النساء قد تعرَّضن لمواجهةٍ مع شخصية كشخصية تشارلز.

صمدَت بعض النساء يوميًّا أمام تجاربَ مع الرجال تُهدِّد الحياةَ وتُثير الاشمئزاز. وتعرِّض العديدَ منهن للاغتصاب والقتل.

وقعَت حادثةٌ منذ سنوات جعلتني أُدرك أنَّ العديد من الرجال أصحابِ الامتيازات قلَّما يتعرضون مباشرةً، إن سبق لهم ذلك، لأفعالٍ أو كلمات مُهينة. لا يتعرضون لأذًى بطريقة تهدِّدهم. قد يتعرضون لخلافاتٍ على العشاء، لكنهم يغادرون والتعليقات تتناثر منهم مثلما يتناثر الماء عن مؤخرة البطة. هذه الخلافات قد تؤذي، لكنها لا تُهدِّد بهلاكٍ جسدي.

كنت أعمل، منذ سنوات، في المسرح الوطني الملَكي، وكنت أجلس مع ثلاثة مُخرجين، من بينهم رجلٌ واحد. كان هذا الرجل قد وصل متأخرًا والاضطراب بادٍ عليه بوضوح. وأخبرَنا بعد فترةٍ أنه تعرَّض لاعتداءٍ لفظي وهو في طريقه إلى المسرح. كان قد اصطدم برجلٍ كبير أبدى نفورَه منه واصفًا إياه بأنه «حقير من الطبقة العُليا».

واسَيناه، لكن في وقتٍ لاحق، بعد أن غادرت السيدتان الأُخريان، اشتكى لي أننا لم نُظهِر صدمةً أو تعاطفًا كافيَين.

سألت: «هل هذه هي المرة الأولى التي توجَّه إليك تعليقاتٌ من هذا النوع؟»

«أجل!»

أوضحت له أنَّ تجربته بالنسبة إلى معظم النساء هي تجربة عادية. كان في الأربعينيات من عمره، ذا بشرة بيضاء، من الطبقة العُليا، ثريًّا، ولم يتعرَّض من قبلُ إلى كلماتٍ تمثِّل تهديدًا له. كان ذكيًّا، لكنه لم يكن قويًّا أو ذا بنية ضخمة، ومع ذلك نجح في أن يعيش حتى هذه السن من دون أن يُهينه شخصٌ غريب أو يُهدِّده أو حتى يتعامل معه باستعلاء.

نجح الرجال في إقناع النساء وإقناع أنفسهم أن تفوُّقهم علينا في القوة الجسدية — حتى على النساء اللاتي يمكنهن طرحهم أرضًا — هو ما يمنحهم الأفضلية. حتى الرجال الضعفاء بدنيًّا يعتقدون في الأمر نفسه أو يشعرون بالثقة في أنفسهم؛ إذ يعرفون أننا ليس باستطاعتنا اتخاذُ تصرُّف ضدهم.

لا يزال بمقدوري ملاحظةُ الصراع الدائر لدى بعض الشباب الذين يُزعجهم أن تُعلِّمَهم امرأة تمارس سُلطةً عليهم.

كلما كبرت في السن، أصبحَتِ التحدياتُ أكثرَ غموضًا، لكن التهديد المُتمثِّل في احتمالية التعرُّض للعنف لا يزال قائمًا.

إنَّ القوة البدنية لم تمنح البشر القدرةَ على إخضاع الكوكب لسيطرتهم. بل الذي تمكَّن من ذلك هو:
العقل البشري: الذي مُنِح الذكاء، فوضع الاستراتيجيات، فتمكَّن من بناء الأدوات.
القلب البشري: بالذكاء العاطفي الذي يمكن أن يَبنيَ العائلات والمجتمعات.
القدرة على العمل معًا كفريق.
اللغة التي يمكن أن تُعبِّر عن الماضي والحاضر والمُستقبل وتفهمه، وتروي القصص لتذكر المعرفة، وتُعلِّم الأخلاق الإنسانية وتُشكِّلها.

هذه هي المهارات التي سخَّرت الأرضَ للبشرية. وليس عضلات الجسد.

إن النساء متساويات مع الرجال في جميع المهارات التي تمنحنا السيطرةَ على الطبيعة. بل ويُصبحن، في العديد من المجالات، أفضل منهم! كمبدأٍ عام، يُمكننا بناءُ المجتمعات وتكوين الفِرق أفضل من أغلب الرجال. ونُظهر استعدادًا أكبرَ للتعاون.

لو اعتمدنا على القوة البدنية الذكورية للسيطرة على الأرض، لكانت قطعان الأسود والغوريلا والكلاب البرية محتنا من الوجود منذ فترةٍ طويلة قبل أن يُحطِّم النساءَ أولًا ذلك الشعورُ بالأفضلية ثم يتحدَّى قوى الطبيعة.

أخبرَني حطَّاب، كان مرشدًا لي عندما كنتُ أعمل على فيلمٍ في كالاهاري، أنَّ مجموعة من أربعة أفراد في سنِّ الثانية عشرة يُمكنهم التعاملُ مع أسدٍ، مُستعينين بتفكيرهم الاستراتيجي والعمل الجماعي. بينما إذا تعامل معه فردٌ واحد، مهما بلغت قوَّته، فسيقتله الأسد.

أخبرَني أيضًا أنه إذا هاجمنا وحيدُ القرن، فإنه يتعيَّن علينا أن نركض في مسارٍ متعرِّج؛ لأن وضْعَ عينَيه لا يسمح له إلا باتباع مسارٍ مُستقيم ولا تُتيح له بِنيتُه الجسدية الانعطافَ سريعًا.

سألته: «كيف اكتشفت ذلك؟»

فكانت إجابته: «كل تلك المعلومات من القصص عن وحيد القرن.»

«ومَن يروي لك هذه القصص؟»

«النساء. النساء يلاحظن هذه الأمورَ ويُخبرننا بها.»

القوة البدنية لا تبني الجماعات والمجتمعات التي تضم جميعَ الأطياف. عندما أُسيءَ استخدامُ هذه القوة، فإنها لم تعامِل النساء بوحشية فحسب، بل استُغِلَّت في تدمير الحضارات التي كانت أكثرَ تناغمًا مع الطبيعة وشمولية النساء. تقوم الحضارة الغربية على إحدى أكثر الإمبراطوريات عنفًا ووحشية، وهي الإمبراطورية الرومانية، التي انتقلت بتقديس القوة البدنية إلى مستوًى جديد حطَّم المجتمعات الأكثر حساسيةً وتوزانًا من حولها.

حينما أساء الرجال استخدامَ قوَّتهم البدنية ضد النساء والأطفال، افترضوا أن التفوُّق الفكري والروحي لصالحهم. ولن تؤتيَ هذه الاستراتيجية نتائجَها إلا إذا مُنعت النساء من الوصول إلى المعرفة وأداء أدوارٍ في الطقوس المقدَّسة.

من المؤسف للغاية والمُضحك، في الآن نفسِه، أن ترى رجلًا صغيرًا، ضعيفًا من الناحية البدنية، يعتقد أنَّ بمقدوره جذْبَ انتباه مجموعة من النساء الرائعات؛ إذ إنه محميٌّ تحت مظلة القانون. ورجلًا عجوزًا ضعيفًا كان ولا يزال، أحيانًا، باستطاعته أن يأمرَ برجم فتاة شابَّةٍ نشطة حتى الموت. لكن هذا النهج لم ولن يُجديَ نفعًا. فلم يمنع النساء من الظهور. فيستخدمن أجسادهن وعقولهن وأرواحهن للصمود أمام هذه القوة الذكورية ولتعلُّم استراتيجياتِ الدفاع من أجل البقاء؛ ثم يتفوقْن كثيرًا على الرجال في المعرفة والبراعة الفنية، حتى عندما عَلِمْن بأنهن سيتلقَّين معاملةً قاسية.

وإذا نجا هؤلاء النساء الرائعات من المعاملة القاسية، فستُنسى أعمالهن حينما يمُتنَ أو ستُسرق منهن وينتحِلها الرجال.

وهذا يقودني إلى السيدتَين الرائعتَين اللتَين تولَّتا تربيتي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤