الفجالة حديثًا
(١) منشئ شارع الفجالة ومنظمه
منذ ٥٤ سنة لم يكن الداخل إلى شارع الفجالة من جهة المحطة يرى غير منزل واحد هو منزل المرحوم دميان بك، حيث توجد الآن إدارة جريدة الأخبار، وبعد أن يسير مسافة طويلة متجهًا إلى الشمال يرى منزل المرحوم تادرس أفندي عريان، وحول هذين البيتين من كل جهة المزارع، والمستنقعات، والغيطان يفصل بينها وبين باب البحر السور الفرنسوي الذي وصفناه قبلًا.
ففي سنة ١٨٦٥ اشترى الخواجا حبيب سكاكيني — الآن صاحب السعادة الكونت حبيب سكاكيني باشا — أرض التل المذكور ابتداء من شارع البرج، حتى مدخل شارع الفجالة من جهة المحطة، وتعهد للحكومة من جهة أُخرى بردم الجهة الواقعة في أول الشرابية، حيث الآن مخازن سكة الحديد، فصار ينقل الأتربة من التل، ولا يخلو مقطف من عقرب أو أكثر، ويلقي بها في الشرابية حتى أزالَ التل، وجعله مساويًا للأرض.
(٢) عشرون بدل ثمانية
فلما أتم هذه المهمة الشاقة، رأت الحكومة إدخال شارع الفجالة في التنظيم، فقررت أن يكون عرض الشارع ثمانية أمتار، ولكن الخواجا حبيب سكاكيني أدرك ببصيرته الوقادة أن مستقبل الفجالة سيكون زاهرًا؛ لأنها نقطة الاتصال بين البلد والعباسية، وأنه إذا كان عرض الشارع ثمانية أمتار فقط، فإنه لا بد أن يضيق بالمارين، فكتب عريضة ضمَّنها رأيه الخاص في الموضوع، ووقف عند قنطرة الليمون منتظرًا مرور موكب الخديوي إسماعيل، فلما اقترب منه الموكب رفَع العريضة ملوِّحًا بها في الهواء، ولمحها سمو الخديوي، فأمر بأحد ياوراته بأن يأخذ العريضة من رافعها.
وبعد ساعتين استدعي الخواجا حبيب سكاكيني إلى سراي قصر النيل، حيث قابل سمو الخديوي وعرض عليه رأيه، فدعى مهندس التنظيم وهو فرنسوي، فذكر أنه إذا جعل عرض الشارع عشرين مترًا، فلا مفر من هدم زاوية الشيخ سيف الواقعة في وسط الشارع، وعلى أثر ذلك صدرت الإرادة الخديوية بجعل عرض الشارع عشرين مترًا.
(٣) تعمير الشارع
وكان سعادة حبيب باشا سكاكيني أول من شيد عمارة في الشارع الخارجي، وهذه العمارة هي التي توجد فيها الآن بوستة الفجالة ودائرة السكاكيني.
وأقبل أعيان السوريين على الشراء من أرض السكاكيني قطعًا، فكان أول من اشترى الخواجات يوسف الأونياطي، وخليل الزهار، وحنا قدسي، وحنا موسى، وإخوان مايسترو. وتبعهم الأقباط، ومنهم آل الخياط، وسعد بك عبده، والخواجا رزق لوريا.
ولما رأى السكاكيني نجاح مشروعه في تل العقارب اشترى القطعة المقابلة للقسم الغربي منه، وهي المحصورة بين شارع الفجالة وقسم البوليس وشارع عباس وشارع سيف الدين المهراني، وكانت من أملاك الخاصة الخديوية، ثم نازعه فيها جماعة من المستحقين في وقف أهلي، وانتهى الأمر بفوز السكاكيني، فأحسن تخطيط تلك البقعة، وتنظيمها.
ومن هذا البيان يرى القارئ أن الفضل في إنشاء شارع الفجالة، وجعله في هذا الاتساع عائد بلا مراء إلى سعادة الكونت سكاكيني باشا، ولولاه لما كان هناك فرق يذكر بين شارع الفجالة وشارع باب البحر، ولتحول خط الترام إلى شارع العباسية، ولم يكتف بتنظيم شارع الفجالة، بل واصل العمران إلى الجهة الشمالية، وبلغت مساحة الأراضي إلى مهدها، وقسمها للبناء نحو نصف مليون متر مربع.
(٤) وصف الفجالة لعلي باشا مبارك
وقد وصف المرحوم علي باشا مبارك الفجالة الحديثة في خططه، فقال: «شارع الفجالة: ابتداؤه من آخر شارع الزعفراني وأول شارع باب الشعرية، وانتهاؤه قراقول باب الحديد وطوله ألف متر ومائة وخمسون مترًا، وبه من جهة اليمين حارة الفجالة غير نافذة، وبها عدة بيوت، ثم سكة الإسماعيلية، ثم سكة لينان بك، وبأوله جامع سيدي علي المنشلي بالقرب من جامع الدشطوطي، وبه ضريح سيدي علي المذكور وشعائره غير مقامة، وتحت نظر الديوان وبآخره قراقول باب الحديد المستجد مقيم به معاون ثمن الأزبكية وبيت الصحة الطبية، وهذا القراقول أُنشئ في زمن الخديوي إسماعيل باشا مدة نظارتي على ديوان الأشغال، والذي عمل رسمه الأمير حسين باشا كُشك المعروف بالمعمار، وهذا الشارع جميعه من الأرض المعروفة بأرض الطبالة.
وفي الأزمنة القديمة كان السالك فيه من جهة باب الشعرية، يجد عن يمينه القرية المعروفة بقرية كوم الريش، وقد صارت بعد نقلها تلالًا عالية، وبقيت كذلك إلى أن أزيلت في زمن الخديوي إسماعيل مدة نظارتي على ديوان الأشغال.
وكان السالك فيه أيضًا يبصر على بعد البركة المعروفة ببركة الرطلي، وقد ردمت بعد إزالة التلول.
وانتظمت هذه الخُطة من ابتداء ترعة الإسماعيلية إلى سور البلد عرضًا، ومن جامع أولاد عنان إلى بوابة الحسينية طولًا، وبيعت الأرض المملوكة للحكومة، وبني فيها وفي غيرها من أرض الأهالي مبان هائلة وقصور فاخرة، تحيط بها بساتين نضرة وحدائق مستحسنة. وانقسمت إلى حارات منتظمة وشوارع معتدلة، فأصبحت نزهة للناظرين وبهجة للطالبين، وكثرت الرغبة في سكناها لحسن موقعها وجودة هوائها، وارتفعت قيمتها حتى بلغ ثمن المتر المسطح في أرضها نحو الثمانين قرشًا، بعد أن كان لا يساوي قرشًا واحدًا.»
(٥) الأقسام الثلاثة
- القسم الأول: سكة الفجالة، وتبتدئ من شارع الزعفراني عند ترامواي الخليج، وفيها حارة الفجالة، وهذه السكة هي التي كانت معروفة من أيام الفرنسويين، وأطلق عليها اسم «الفجالة» لتوصيلها إلى الأراضي التي تزرع فجلًا، ولا يزيد عرضها على ثمانية أمتار، وبيوتها قديمة متلاصقة أغلبها صغير، ومعظم سكانها من الوطنيين المسلمين بينهم عدد قليل من فقراء اليونان والسوريين.
- القسم الثاني: الفجالة القديمة، وتبتدئ من آخر سكة الفجالة القديمة في نقطة مقابلة لميدان بركة الرطلي، وتنتهي عند شارع البرج، وعرضها ١٢ مترًا تقريبًا، ويمر بها ترام السكاكيني داخلًا إلى شارع حبيب شلبي، وخارجًا منه في طريقين، وبيوتها كبيرة، مصدَّر بعضها بحدائق، ولا تزال فيها عمارات متهدمة خربة مشوهة لمنظر الشارع، وفي هذا القسم مدرستا الأمريكان «للبنات» والروم الكاثوليك «للصبيان»، وكنيستا الكلدان الكاثوليك، والأقباط الكاثوليك.
- القسم الثالث: الفجالة الجديدة، وتبتدي من مدخل شارع البُرج حتى باب الحديد، ويبلغ عرض الشارع ٢٠ مترًا، وتمر فيه قطارات ترام العباسية والسكاكيني ومصر الجديدة «الأبيض»، ويمتاز هذا القسم على سابقيه بفخامة مبانيه، واتساع الشوارع المتفرعة منه، وازدحامه بالقهوات الكبرى، والمكاتب، والصيدليات، ومكاتب المحامين، وعيادات الأطباء، وكان لأكثر بيوته حدائق غناء، فحولوها أصحابها إلى دكاكين للانتفاع من أُجورها، فبعد أن كان الشارع روضة غناء انقلب سوقًا مزدحمًا بأنواع التجارات.
(٦) مميزات الفجالة الحديثة
- أولًا: مجتمع كنائس الطوائف المسيحية الثلاث.
- ثانيًا: ملتقى الأقباط والسوريين المشتغلين بالإصلاح الطائفي والسياسي، وأوسع مجال لمنتدياتهم، وجمعياتهم الخاصة، ومؤسساتهم الخيرية.
- ثالثًا: أهم مركز للمدارس المسيحية المختلفة.
- رابعًا: مركز عظيم للنهضة الأدبية، ومسكن كثيرين من الأدباء والمشتغلين بصناعة القلم.
- خامسًا: مركز قهوات وأندية عامة للأدباء، وأهل الفضل.
(٧) كنائس الفجالة
(٧-١) كتدرائية الروم الكاثوليك ودارهم البطريركية
كان لطائفة الروم الكاثوليك بالقاهرة ثلاث كنائس: الأولى في درب الجنينة، وهي أقدم كنائسهم بُنيت في أيام محمد علي، والثانية في شارع جزيرة بدران «قصور الشوام» بشبرا، والثالثة في قنطرة الدكة، وتعرف بالكنيسة الرضوانية، ثم نما عدد أبناء الطائفة في الربع الأخير من القرن الماضي، وضاقت بهم الكنائس الثلاث، ففكروا في إنشاء كتدرائية تليق بمقامهم.
وكان حضرة صاحب السعادة الكونت حبيب سكاكيني باشا في مقدمة من فكروا في هذا المشروع، فابتاع سراي المرحوم لينان باشا وحديقتها الكبرى، وضم إليهما أرضًا واسعة، وقدم الجميع إلى البطريكخانة بثمن زهيد لبناء الكتدرائية، فقام خلاف بين أعيان الطائفة لعدم ارتياح بعضهم لمركز الفجالة، وعرض هذا الخلاف على سعيد الذكر البطريرك غريغريوس يوسف، فأثبت رأي القائلين بالبناء في الفجالة.
وعقبه على كرسي البطريركية المرحوم البطريرك بطرس الرابع الجريجيري، وحضر إلى القاهرة في سنة ١٨٩٩، فثبَّت رأي سلفه المرحوم غريغوريوس؛ لأن الأرض اللازمة للبناء موجودة في الفجالة، وإذا أريد التشييد في جهة أخرى فلا بد من أرض يعوزها المال الكثير.
ووضع غبطته أساس الكتدرائية في حفلة شائقة، وأتم بناء الجدران بالمال الذي اكتتبت به الطائفة، وفي مقدمتها سعادة سكاكيني باشا.
وتوفي البطريرك الجريجيري سنة ١٩٠١، وخلفه المرحوم البطريرك كيرلس جحا الثامن، ووصل إلى القاهرة سنة ١٩٠٢، فأتم التوفيق بين الطرفين على قاعدة الرضاء بالواقع، وأقبل الخيِّرون على الاكتتاب، واستؤنف التشييد، فتم بناء الكنيسة سنة ١٩٠٦، فهي أحدث كنائس الفجالة عهدًا — ما عدا كنيسة السريان الكاثوليك — وأفسحها بوجه الإجمال.
(٧-٢) كنيسة الأقباط الأرثوذكس
كثر الأقباط الأرثوذكس في الفجالة بعد الاحتلال الإنكليزي، فرأى المرحوم ميخائيل بك جاد أن يبني لهم كنيسة، وتبرع بالأرض اللازمة لذلك، وخاطب في الأمر غبطة الأنبا كيرلس، فشجعه وتوَّج قائمة الاكتتاب بمبلغ من المال، وتولى ميخائيل بك جاد الجمع والإشراف على العمارة، فأتم بناء الكنيسة وافتتاحها في سبتمبر سنة ١٨٨٤، وبلغت نفقاتها حوالي ألفي جنيه، وكان البناء قاصرًا على الهيكل وصحن الكنيسة والمقصورة الغربية الخاصة بالسيدات.
وتوفي المرحوم ميخائيل بك جاد سنة ١٨٩٠، فتولى كبير أبنائه حضرة جوني أفندي جاد إتمام الكنيسة، فشيد مقصورة السيدات البحرية، والقسم الأعلى من محل القربان، والجرس، وبلغت نفقات ذلك نحو ألف جنيه.
ومساحة الأرض المشيدة عليها الكنيسة ٦٠٠متر، وهناك ١٥٠ مترًا أخرى ملاصقة لها يمكن أن يوسع بها البناء في أي وقت.
وكان أول من سيم قسًّا لكنيسة الفجالة القمص بطرس سليمان قسيس كنيسة الملاك البحري، ثم خلفه فيها القمص بشاي مقار الذي نقل مؤخرًا إلى إحدى كنائس مصر القديمة، وقد عرف الرجلان بمظاهرتهما لرجال الإصلاح القبطي في حركة سنة ١٨٩٢.
وتمتاز كنيسة الفجالة على بقية كنائس الأقباط في العاصمة باستمرار الوعظ فيها مرتين في الأسبوع؛ ففي يوم الأحد يعظ الشماس فرح أفندي جرجس، أو من ينوب عنه من وعاظ جمعية الإيمان، وفي يوم الأربعاء يعظ الشماس أمين أفندي باسيلي، واعظ جمعية ثمرة التوفيق، والإقبال على الوعظ عظيم جدًّا يشترك فيه الرجال والنساء، ويجمع فرح أفندي عظاته في مجلة خاصة اسمها «غذاء النفوس».
(٧-٣) كنيسة الأقباط الكاثوليك
رأى الأب أندراوس برزي منذ عشرين سنة ونيف أن أبناء طائفة الأقباط الكاثوليك قد تكاثروا في الفجالة والظاهر، ففكر في بناء كنيسة بينهم، وخاطب في ذلك بعض أعيان الطائفة، فتبرع له الخواجات يوسف وفرنسيس خزام بقطعة أرض فضاء من ملكهما في شارع أبي الريش، وشرع الأب برزي بجمع المال من هنا ومن هناك، حتى تمَّ له ما أراد، وشيَّد كنيسة صغيرة باسم «الأنبا أنطونيوس» جامعة بين البساطة المتناهية والمتانة.
(٧-٤) كنيسة اليسوعيين
واقعة في مدخل مدرستهم الشهيرة، وتمتاز هذه الكنيسة عن جميع كنائس حي الفجالة بصغرها وجمال عمارتها المشيدة على الطراز البيزنطي، ويجتمع فيها أيام الآحاد جماهير من الكاثوليك الأقباط والروم والموارنة واللاتين.
(٧-٥) كنيسة السريان الكاثوليك
أقرت الجمعية الخيرية للسريان الكاثوليك بناء كنيسة في الظاهر، وجمعت لهذا الغرض مائتي جنيه، ودفع الكومندور جرجس براهمشا عميد الطائفة مثل هذا المبلغ، وابتيع بالمجموع قطعة أرض مجاورة لمنزل سعادة يوسف مسرة باشا، ثم لاحظ القومندور براهمشا أن الطائفة عاجزة عن بناء الكنيسة، فاتفق مع الجمعية على أن تسلم إليه الأرض التي ابتاعتها، ومقابل ذلك يبني الكنيسة في جزء من حديقة منزله، فوافقت على رأيه، وأتمَّ بناء الكنيسة سنة ١٩٠٩، وأعاد إلى الجمعية الخيرية المبلغ الذي اكتتبت به الطائفة لشراء الأرض.
(٧-٦) كنيسة الكلدان الكاثوليك
أنشأتها السيدة هيلانة كريمة المرحوم أنطون بك البغدادي في سنة ١٩٠٣ بجوار البيت الذي كانت تقطنه إلى جانب المدرسة البطريركية للروم الكاثوليك.
(٧-٧) كنيسة البروتستانت
كان الأقباط البروتستانت من أهالي الفجالة يجتمعون للصلاة أيام الآحاد في قاعة مدرسة البنات الأميريكية، ثم انتخبوا القس غبريال ميخائيل الضبع واعظًا لهم، والرجل عالم تقي غني يقوم بأداء مهمته بلا أجر، فضاقت قاعة المدرسة بالحاضرين، فنصبوا خيمة في فناء المدرسة، ثم استقر الرأي على تشييد كنيسة، واكتتب كثيرون منهم بالمال اللازم لها، واشتروا دارًا واسعة أمام مدرسة الآباء اليسوعيين وهدموها، وهم ينتظرون بنافد الصبر إبرام الصلح للشروع في التشييد.
(٨) المعاهد الخيرية والإصلاحية
(٨-١) جمعيات الأقباط
تضم الفجالة جمعيات الأقباط والمعاهد التابعة لها؛ ففيها الجمعية الخيرية القبطية، ومستشفاها، ومشغلها، وجمعية التوفيق، ومدارسها، وجمعية ثمرة التوفيق، ومدرستها المجانية، ومستوصفها، ونادي اتحاد الشبان المسيحيين، وجمعية أصدقاء الكتاب المقدس، وبيوت الطلبة، ومجتمع الإصلاح القبطي، وجمعية زهرة الآداب. وقد فصلت أغراض كل واحدة منها وأعمالها في كتابي «جمعيات الأقباط وأنديتهم».
ومما يحسن ذكره أن الجمعية الخيرية قررت نقل مستشفاها من الدار المؤجرة له في أول شارع عباس إلى عمارة خاصة، وقام خلاف بين الأعضاء في هذا الشأن، فضَّه صاحب العزة جورجي بك ويصا بأن تعهد بتكملة المبلغ الذي تبرع به أعيان الطائفة لشراء الأرض، وبناء المستشفى، وقد أعلن ويصا بك أنه لو بلغت هذه التكملة عشرة آلاف جنيه فهو مستعد للقيام بها.
أما مستوصف «جمعية ثمرة التوفيق» فمعهد خيري تشتغل الجمعية الآن في إنشائه، وتبرع جماعة من الأطباء الأقباط بفحص المترددين عليه بالمجان، أو برسم زهيد لا يتجاوز ٢٠ مليمًا.
وكان للأقباط نادٍ أدبي في الفجالة اسمه «نادي النيل» أنشأه جماعة من الشبان المهذبين، وفيه ألقى الدكتور مرقس أفندي صادق خطبة اجتماعية، طالب فيها بمساواة المرأة القبطية بالرجل في الميراث، ولكن هذا النادي لم يعش أكثر من سنتين.
(٨-٢) جمعية يد المساعدة
لما وردت الأخبار من سوريا ولبنان باشتداد المجاعة والفقر، ألفت السيدة سعدى سابا جمعية من نخبة السيدات السوريات على اختلاف مذاهبهن لإعداد الملابس لأولئك البائسين، فجمعن مبلغًا من المال، وطفقن يشترين من حين إلى أخرى كميات من البفتة والكستور، ويجتمعن أسبوعيًّا لتفصيلها وخياطتها، وأعلنت «جمعية الإِعانة السورية بمصر» نتيجة عمل هؤلاء السيدات الكريمات في أحد بلاغاتها الأخيرة إلى الصحف، فقالت: «أرسلت الجمعية صندوق ملابس كبيرًا يشتمل على ٦٨٠ قطعة من الفساطين والقمصان وغيرها، و٦٢٤ مترًا من الأقمشة، و١١٠٦ أزواج شرابات، و٦٠ بكرة خيط، و٢٤ دستة زراير، وهذا الصندوق مقدم من جمعية يد المساعدة للسيدات السوريات بمصر التي ترأسها حضرة الفاضلة الكريمة السيدة سعدى سابا إلخ إلخ.»
(٨-٣) جمعية الاتحاد اللبناني
يؤخذ من تقارير هذه الجمعية أنه قد أنشأها في القاهرة حضرة الكاتب الفاضل الشيخ أنطون الجميِّل في شهر نوفمبر من سنة ١٩٠٩، وكانت الغاية التي ترمي إليها الدفاع عن امتيازات جبل لبنان، والمطالبة بحقوقه المهضومة؛ لأنه كانت قد بدت حركة في لبنان على أثر الدستور العثماني يقصد منها التنازل عن امتيازات الجبل وضمه إلى ولايات تركيا الدستورية، فلقيت الجمعية الجديدة بعض المعارضة؛ لأن الناس كانوا لا يزالون مغرورين بحركة فتيان الأتراك، ولكن لم يلبث اللبنانيون أن التفُّوا حول الاتحاد اللبناني عندما رأوا فشل الدستور العثماني.
وعلى إثر إعلان الحرب الكبرى جعلت الجمعية غايتها كما يؤخذ من قانونها الدفاع عن مصالح لبنان السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية على قاعدة «استقلال لبنان التام ضمن حدوده الطبيعية بضمانة الدول».
ولهذه الجمعية فروع في الإسكندرية والمحلة الكبرى والمنصورة. وفي أمريكا الشمالية والجنوبية حيث يكثر عدد المهاجرين اللبنانيين جمعياتٌ لبنانية كثيرة على اتصال دائم بجمعية مصر، ومن هذه الجمعيات ما أخذ اسم «الاتحاد اللبناني»، وخصوصًا في كندا وفي الأرجنتين؛ حيث تصدر جريدة عربية باسم الجمعية.
(٨-٤) جمعية الإسعاف للسيدات السوريات
تأسست منذ سبع سنوات، ومركزها في المنزل رقم ٢٢ بشارع أبي الريش، وينحصر عملها في توزيع الملابس على العائلات البائسة المستورة من الطوائف الكاثوليكية السورية، ويعزى الفضل في تأسيس هذه الجمعية وتدبير مهامها إلى حضرة رئيستها العاملة مدام عبد الله باشا صفير، ومدام بسترس، ومدام سابا أفندي حنين بسطوروس، ومدام سليم بك صيدناوي. وقد سعين مؤخرًا إلى ضم سيدات من الروم الأرثوذكس إليهنَّ ليكونَ خيرُ الجمعية شاملًا الطوائف السورية كلها، فلم يفلحن في إتمام مقصدهن. وتوزع الجمعية الملابس مرة قبيل عيد الميلاد، ومرة قبيل عيد الفصح عدا التوزيعات الخصوصية، وتجهيز البنات الفقيرات إلخ. ويتكوَّن دخل الجمعية من تبرعات المحسنين، وليلة خيرية تقام مرة في السنة.
(٨-٥) النادي الكاثوليكي للشبيبة السورية
أنشأه جماعة من الشبان السوريين الكاثوليك بعناية ومساعدة سيادة المطران مكاريوس سابا النائب البطريركي العام لطائفة الروم الكاثوليك، وسنُّوا له قانونًا صُدِّق عليه في شهر مايو سنة ١٩١٨.
ومركز هذا النادي في المنزل رقم ١٤٥ بشارع عباس أمام محطة المترو، ويبلغ عدد أعضائه الآن ١٣٠ عضوًا، ويديره مجلس مؤلف من ٩ أعضاء، والمدير الروحي هو الأب دايري رئيس الآباء اليسوعيين بالقاهرة، وشعار النادي هو: «التقوى، الاتحاد، العمل»، ويجتمع الأعضاء مساء كل يوم للمسامرة والتلهي ببعض الألعاب المباحة، مثل: البليارد، والدومينو، والطاولة. وتعقد جلسات أسبوعية في فصل الشتاء تلقى فيها محاضرات أدبية واجتماعية ودينية.
(٨-٦) المستوصف الشرقي
أنشأته الجمعية الخيرية للروم الكاثوليك، ومركزه في شارع سيف الدين المهراني بملك سعادة مقار باشا عبد الشهيد الذي تقر الجمعية بفضله، لحسن معاملته له.
وفي هذا المستوصف قسم للأمراض الباطنية، وآخر لأمراض العيون، وثالث للجراحة، والعلاج والدواء فيه بالمجان لفقراء طائفة الروم الكاثوليك، وبرسم بسيط لغيرهم، ويتراوح عدد المترددين عليه بين ١٢ ألفًا و١٥ ألفًا في السنة.
ويقوم بالعمل فيه جماعة من الأطباء السوريين، ويساعدهم في التمريض فريق من راهبات بيزانسون، وبعض الآنسات من العائلات السورية المعروفة، وتصرف الجمعية الخيرية على هذا المستوصف مبلغًا كبيرًا، يضم إلى دخله من الإحسانات الخصوصية، وإيراد حفلة تمثيل سنوية.
(٨-٧) نهضة العلمانيين ومدارس الأحد
إلى جانب مدرسة البنات الأميريكية شقة صغيرة مؤلفة من قاعة وغرفتين، يقيم فيها الشيخ متري صليب الدويري محرر جريدة الهدى، وصاحب مشروع نهضة العلمانيين، ومدير حركة مدارس الأحد، وهذا الرجل يقوم بمفرده بعمل لا يقوى عليه أكثر من واحد، وسيكون للنهضة الساعي في إتمامها أثر في حياة طائفة الأقباط الإنجيليين إن لم يدركه أبناء الجيل الحاضر، فسيجني أبناؤهم فوائده.
(٨-٨) جمعية القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس
-
قسم الرجال: تأسس في أول سبتمبر سنة ١٩١٥، وكان عدد أعضائه ٢٣ عضوًا، وتولى
الرياسة حضرة الأديب سليم أفندي قبعين، ثم تولاها حضرة صاحب العزة نعوم
بك شقير.
وكان الغرض الأساسي للجمعية منحصرًا في إسعاف الفقراء، ومعالجة مرضاهم سواء في بيوتهم أو في المستشفيات، ودفن موتاهم.
ثم أنشأت مدرسة تحضيرية لأولاد الفقراء، يكفلها صاحب العزة ميشيل بك لطف الله، ويدفع ثلاثة أرباع نفقاتها.
ومن أعمال هذه الجمعية أنها تعين كل منكوب من صغار التجار والصناع برأس مال يستأنف به عمله، وتقيم من حين إلى آخر حفلات أدبية فكاهية راقية، وتوزع الدقيق على ١٠٤ عائلات، وتكسو تلاميذ المدرسة مرة في الصيف وأخرى في الشتاء، وتوزع اللحم والأرز والسكر والنقود والملابس على الفقراء في عيدي الميلاد والفصح.
-
قسم السيدات: أنشأته السيدتان الجليلتان إلين سرسق ولوريس لطف الله، وتشترك معهما
في إدارته نخبة من السيدات الأرثوذكسيات، والغرض من هذا القسم إعداد
البنات الفقيرات لأن يكنَّ ربات بيوت أو خياطات ماهرات، فأنشأت لهن
الجمعية قسمًا للبنات الصغيرات، يتعلمنَ فيه القراءة والكتابة، ثم
ينتقلن إلى المشغل، فيتعلمن تفصيل الملابس، وخياطتها على أحدث الأزياء.
وتقدم الجمعية إلى كل من تلميذات المشغل أجرة بحسب كفاءتها، يحجز منها
٥ في المائة تحفظ للتلميذة في خزينة المشغل حتى تعطى لها مساعدة عند
زواجها.
ولكل جمعية إدارة خاصة، ولكنهما تتعاونان على إتمام الأعمال الخيرية، وتقتسمان دخل الليلة الخيرية السنوية التي تقيمانها في دار الأوبرا السلطانية.
(٩) مدارس الفجالة
(٩-١) مدرسة العائلة المقدسة للآباء اليسوعيين
حضر الآباء اليسوعيون إلى العاصمة في سنة ١٨٧٩م، وأنشئوا مدرسة لهم في درب الجنينة، ثم ابتاعوا أرضًا واسعة في أول الفجالة، واحتفلوا بوضع الحجر الأساسي لمدرسة فيها سنة ١٨٨٨ تحت رياسة المونسنيور كياكاروا القاصد الرسولي، وافتتحوها في شهر مايو سنة ١٨٨٩، وكان الأب فوجول أول من تولى نظارتها.
وقد أنشئوا فيها قسمًا إكليريكيًّا تحضيريًّا، تربى فيه كثيرون من أبناء الأقباط الكاثوليك، وأتموا علومهم في بيروت، ولكن هذا القسم أُلغي منذ زمن بعيد، واقتصرت المدرسة الآن على قسم علمي ابتدائي، وقسم تجهيزي يؤهل الطلبة لنيل البكالوريا المصرية والبكالوريا الفرنسوية، وفيها قسم كلاسيك للتوسع في آدار اللغة الفرنسوية والآداب اللاتينية، ويبلغ عدد تلاميذها نحو ٥٠٠ تلميذ منهم عدد كبير في القسم الداخلي.
وإلى جانب هذه المدرسة مدرسة تحضيرية للأحداث أنشئت في سنة ١٩١٢، وفيها نحو ١٠٠ تلميذ يتلقون مبادئ العلوم توصلًا إلى دخول المدرسة الكبرى.
ولأعيان المصريين وأكابرهم على اختلاف مللهم ونحلهم ثقة عظيمة في الآباء اليسوعيين، وعنايتهم بالتربية العلمية والأدبية، ومن يقرأ تقارير الآباء السنوية يدهشه جدول المتخرجين ممن يشغلون الآن أعظم المناصب، سواء في الحكومة أو دوائر الأعمال والمهن الحرة كالطب والهندسة والمحاماة.
(٩-٢) مدارس جمعية التوفيق
- مدرسة الصبيان: كانت تسمى قبلًا مدرسة الاقتصاد، وتولت جمعية التوفيق إدارتها في سنة ١٨٩٥، وكانت في أول عهدها مدرسة ابتدائية صغيرة، أما الآن فإنها تشتمل على قسم ابتدائي فيه ٤٧٥ تلميذًا، وقسم ثانوي فيه ٣٠٠ تلميذ، وقد نجح في البكالوريا — قسم أول — في هذه السنة ٨ تلاميذ من ١٧ تلميذًا، ونجح في الكفاءة — قسم ثانٍ — ١٠ تلاميذ، وقد أنشأ خريجو مدارس التوفيق جمعية خصوصية فيها الآن ٤٠ عضوًا.
- مدرسة البنات: أنشئت في سنة ١٨٩٧، وفيها الآن ٢٧٥ تلميذة، وقد جاء في التقرير الأخير للجمعية أنه قد تخرج من مدرسة البنات عدد ليس بالقليل من البنات اللائي هنَّ الآن ربات بيوت عامرة، أو شاغلات وظائف مختلفة، ومن هؤلياء المتخرجات تلميذة تزوجت بالقاهرة، وسافرت إلى أمريكا، وهي خطيبة كبيرة هناك، ويلقبها الأميريكيون بكوكب الشرق، ومنهن كثيرات مدرسات وناظرات لمدارس ابتدائية أهلية وأميرية، وبالنظر إلى ضيق سراي التوفيق عن أن تتسع مدارسها كلها، نقلت مدرسة البنات إلى دار قريبة من مركز الجمعية.
- مدرسة الصنائع: كان عدد تلاميذ هذه المدرسة ٨٣ في سنة ١٩١٤، أما في السنة المدرسية الماضية فقد نقص إلى ٦٨ تلميذًا، منهم ٣٦ يتعلمون البرادة، و٨ خراطة المعادن، و٦ الحدادة، و١٧ النجارة، و١١ الطباعة.
(٩-٣) مدرسة البنات القبطية
مدرسة ابتدائية تابعة لبطريكخانة الأقباط الأرثوذكس، أنشئت في سنة ١٨٧٦، وكانت أولًا في قسم مستقل بالدار البطريركية، له باب خاص في شارع كلوت بك، فلما عمت المناكر هذا الشارع انتقد الغيورون بقاء البنات فيه، فقررت الدار البطريركية نقلهن إلى محل المدرسة الحاضر وهو من أملاك الدير المحرق، ولم يسمح رئيس الدير بإعداد البيت للمدرسة، إلَّا بعد أن أُعطي بدله من أملاك البطريكخانة.
وجاء في التقرير الأخير للأستاذ إبراهيم أفندي تكلا ناظر المدارس القبطية أن في مدرسة البنات بالفجالة ١٧٢ تلميذة، منهن ٤٥ تلميذة بمصروفات، و٥٢ بنصف مصروفات، و٧٥ مجانًا، ثم أبدى أنه غير راضٍ عن بناء المدرسة لقدمه وانحصاره بين مساكن وأزقة ضيقة؛ حيث لا هدو ولا سكينة، فضلًا عن الروائح الخبيثة المنبعثة مما يجاور المدرسة.
ولا يزال الكثيرون من أهالي الفجالة يطلقون على دار هذه المدرسة اسم «بيت المطران»؛ لأنه كان يقطنها الأنبا يؤنس مطران أبروشية المنوفية، بعد أن اعتزل وظيفته لشيخوخته وفقد بصره. ومما يذكر عنه أنه كان شديد التعصب للغة القبطية، والرغبة في الصلاة بها، كما كان كثير النفور من الوعظ، وباعتزاله العمل أُلغيت أبروشية المنوفية، وأحيلت أعمالها إلى مطران الإسكندرية.
وبعد وفاته بقي البيت مهجورًا، ثم سكنه المرحوم جرجس بك حنين نحو ثلاث سنوات.
(٩-٤) مدرسة البنات الأميريكية
عنيت ببناء هذه المدرسة الآنسة م. ل. هوتيلي شقيقة الأسقف هوتيلي الإنجليكاني على قطعة أرض وهبتها لها الحكومة المصرية في سنة ١٨٧٢، وعاونتها في إدارتها السيدة فريدة شكور، وزوجها الخواجا منصور شكور، وكانت السيدة فريدة لبيبة ذكية؛ فلم تكن تقتصر على التدريس، بل كانت تقصد إنكلترا فتلقي الخطب داعية القوم لإسعاف الآنسة هوتيلي، وفي الوقت ذاته كان زوجها الخواجا منصور شكور يساعد رجال الإرسالية الإنجليكانية في الوعظ والتبشير بأنحاء القطر المصري، وعلى الأخص في الوجه القبلي، فكافأتهما الآنسة هوتيلي بتعليم ابنيهما نجيب ولويزا — الآن سعادة نجيب باشا شكور ومدام شهاب — في بلاد الإنكليز، واعتبرت الآنسة هوتيلي آل شكور جزءًا من عائلتها، فبنت بيتًا كبيرًا إلى جانب المدرسة — حيث توجد الآن المدرسة البطريركية للروم — وأسكنتهم معها، وجعلت هذا البيت ميراثًا للسيدة فريدة وأهلها.
أما دار المدرسة، فجعل الدور الأَول منها لمدرسة البنات، والدور الأَعلى لمدرسة الأَولاد، ومسكن الدكتور خليل عازوري، الذي كان يعالج الفقراء مجانًا لحساب المرسلين في الشقة الصغيرة الواقعة جانب البيت، ثم اتخذها المرحوم الدكتور كرم محلًّا لعيادته، وصارت الآن مكتبًا لجريدة الهدى.
ولم تكتف الآنسة هوتيلي بمكافأة السيدة فريدة شكور في أيام حياتها، بل جعلتها وأولادها من بعدها مديرين لمدرسة البنات، ولا يجوز لهم التنازل عنها إلَّا لإرسالية إنجيلية، وبعد وفاة الآنسة هوتيلي تولت السيدة فريدة أعمال المدرسة، وكان لها فضل عظيم في تخريج عدد كبير من البنات القبطيات، فلما تعبت جرت مخابرات طويلة بين الكنيستين؛ الإنجليكانية في إنكلترا والمشيخية في أمريكا واللورد كرومر في مصر، كانت نتيجتها أن عهد في إدارة المدرسة إلى المرسلين الأمريكان في مصر من أول سبتمبر سنة ١٩٠١.
وهي تسير الآن بحسب بروجرام المدارس الأمريكية في مصر، ويبلغ عدد تلميذاتها وتلاميذها — من الصبيان الصغار — ٢٩٥، ومدة التعليم فيها أربع سنوات، وتتولى التعليم فيها ثماني معلمات.
(٩-٥) مدارس أخرى
- مدرسة ثمرة التوفيق: مدرسة مجانية لتعليم الأيتام والفقراء من الأقباط الأرثوذكس، وقد فصلْتُ الكلام عليها في كتابِي «جمعيات الأقباط وأنديتهم».
- المشغل البطرسي والمدرسة البطرسية: تديرهما الجمعية الخيرية، وللمشغل إعانة من الحكومة، وفيه ١٠٨ بنات، وفي المدرسة — وهي تحضيرية للمشغل — ٢٢٧ بنتًا.٢
- مدرسة مانسليان: مدرسة بنات ابتدائية وثانوية، ويقبل فيها الأطفال الصبيان إلى سن معينة، أنشئت فيه سنة ١٩٠٥، وفيها ١٠ تلاميذ ذكور و٨٠ تلميذة.
- المدرسة البطريركية للروم الكاثوليك: تحضيرية وابتدائية وثانوية للذكور، أنشئت في سنة ١٩٠٧، وعدد تلاميذها ٢٩٨ تلميذًا.
- كوليج دي لاسال (للفرير): أنشئت سنة ١٩٠٤، وفيها ٥٩٩ تلميذة.
- نوتردام لاديليفراند (مدرسة داخلية للبنات): أنشئت سنة ١٨٩٣، وفيها ٢١٩ تلميذة.
- دار التربية العلمية الأخلاقية: أنشأها حديثًا حضرة الفاضل توفيق أفندي عزوز، صاحب مجلة المفتاح، وهي تعلم الصبيان العلوم الأولية، واللغة القبطية بأجور زهيدة.
- مدرسة سيدة الرشاد: مدرسة ابتدائية للبنات تديرها طغمة من الراهبات.
- مدرسة الرويعي: مكتب ابتدائي للبنات تشرف عليه وزارة المعارف.
(١٠) خمسون ألف جنيه
يطول بي نفس الكلام إذا أردت بسط حال كلٍّ من هذه الجمعيات والمدارس وغيرها من المعاهد الخيرية، وفروع جمعية القديس منصور دي پول، فأكتفي بالقول إن المال الذي يتبرع به أهالي هذا الحي، ويجمعونه من غيرهم للكنائس والمدارس الخيرية والمستشفيات وإعالة الفقراء؛ لا يقل عن ٥٠ ألف جنيه في السنة، فهل في القاهرة حي واحد يضم مثل هذه المؤسسات الخيرية، أو تقوم طوائفه وجماعاته بما يقوم به أهل الفجالة؟
(١١) شارع الأدب والأدباء
رغبةً في ترقية الصناعة في البلاد، وتشجيع القائمين بأمرها، تألفت لجنة من نخبة الأُدباء وأرباب الأقلام والمؤلفين، برياسة صاحب العزة أمين بك واصف، وأقاموا في «فندق الكونتيننتال» مساء يوم الجمعة ٢٨ أبريل سنة ١٩١٦ حفلةً أدبية شائقة؛ تكريمًا لحضرة الفاضل نجيب أفندي متري صاحب مطبعة المعارف ومكتبتها؛ لمرور خمس وعشرين سنة على إنشاء مطبعته، واعترافًا بما امتازت به من الإتقان الفني، وما أصدرته من المؤلفات الأدبية والعلمية.
وقد افتتح الأديب الجميِّل خطبته بقوله: «لو بُعث المقريزي من رمسه، أو نُشر علي باشا مبارك من قبره، وحاول هذا أو ذاك وضع خُطط جديدة لمدينة القاهرة، لكان كلاهما — ولا شك — يُطلق على شارع الفجالة اسم: شارع الأَدب والأُدباء، أو شارع المعارف.
ففي هذا الشارع: مطبعة المعارف ومكتبتها، ومكتبة الهلال، ومجلة الزهور، ومجلة الروايات الجديدة ومطبعتها، ومطبعة الاقتصاد، ومجلة سركيس، ومجلة فتاة الشرق، ومجلة الجنس اللطيف، وجريدة الوطن، ومطبعتها، وجريدة الأخبار، ومطبعتها، ومجلة المحيط، ومجلة رعمسيس، وجريدة مصر، ومطبعتها، ومجلة فرعون، ومجلة المفتاح، وجريدة العمران، ومطبعة العرب، وإدارة مجلة الهلال، ومطبعتها، ومطبعة السلام، ومكتبة الأخبار، ومكتبة الطلبة، ومجلة الحقوق، ومجلة ميزان الاعتدال إلخ.
فمن هذه البقعة الصغيرة التي لا تتجاوز الكيلو متر يصدر قسمٌ كبير من المطبوعات العربية، وينتشر في أربعة أقطار العالم، فأحر بمحافظتنا أن تغيِّر اسم هذا الشارع، ولا سيما أن لا أثر فيه اليوم للفجل والفجالين، وتسميه بشارع المعارف.
ولو حددنا الموقع الجغرافي لمطبعة المعارف، لقلنا إنها واقعة على مدخل هذا البوغاز الأَدبي.
وخطبة الأديب الجميِّل صفحة من صفحات تاريخ الأدب العصري، ومتن لو شرح لكان خير كتاب لأخبار نحو مائة من علماء العصر وخيرة أُدبائه ومفكريه الذين سكن بعضهم الفجالة، وقضى معظمهم ساعات في مكاتبها ومطابعها، مشتغلين بتثقيف العقول وتحرير الأذهان.
ففي «الفجالة» سكن أصحاب المقطم والمقتطف واللطائف عندما حضروا إلى مصر منذ ٣٢ سنة.
وفي «الفجالة» قضى المرحوم جرجي زيدان ربع قرن متنقلًا بمطبعته وعائلته من دار إلى أُخرى، وتحت سماء هذه البقعة كتب ٢٢ مجلدًا من الهلال، وعشرات من الروايات، وكتب التاريخ، والأدب.
وفي «الفجالة» سكن سليم أفندي سركيس، وتزوج، وبعد أيام أُخرج من بيته إلى حيث سجن أسبوعًا، بتهمة قذفه في الإمبراطور غليوم، ثم قضى سنوات في أمريكا، وعاد إلى الفجالة، وفيها أنشأ «مجلة سركيس»، ووزع على الأُدباء والكتاب جوائر مالية وفنية وأدبية لم يسبقه إليها سابق.
وفي «الفجالة» يسكن خليل أفندي مطران الشاعر الكاتب الغني عن الوصف والتعريف، وسقراط بك سبيرو اللغوي المحقق، والكاتب المعروف في اللغتين العربية والإنكليزية، وأسعد أفندي داغر المحرر في المقطم.
ولا تقتصر الفجالة على الأُدباء المشتغلين بالصحف، أو الكتاب المعروفين في عالم الأدب، بل ترى فيها غير واحد ممن لا يَعرف فضلهم وأدبهم إلَّا المختلطون بهم، وفي مقدمة أولئك صاحب العزة سليم بك باخوس، وإبراهيم بك مصور مترجم مؤلفات السير ويليم ويلكوكس — وقد نقل سكنه من الفجالة، ولكنه يقضي معظم نهاره فيها — والدكتور يوسف أفندي سعد، والمحامي إبراهيم أفندي الجمال صاحب مجلة الحقوق، والدكتور جورجي أفندي صبحي الباحث في اللغة القبطية وآثار قدماء المصريين ومدنيتهم، والخوري جبرائيل رزق أُستاذ الطبيعيات في كلية العائلة المقدسة، والباحث السري يوسف بك نحاس، والصيدلي وديع أفندي حريري، والدكتور أمين أفندي معلوف صاحب المباحث اللغوية والتاريخية الدقيقة في المقتطف والمقطم، والأُستاذ منصور أفندي عوض الموسيقي الذي لا يبارى، والأديبان نجيب ونسيب مشعلاني، وغيرهم كثيرون من الأدباء ورجال الدين الكاثوليك، الذين تشهد لهم آثارهم القلمية ومجالسهم بالتفوق في العلوم والفنون المختلفة.
(١٢) أندية الأُدباء والمفكرين في الفجالة
(١٢-١) قهوة غنطوس مصوبع
أُنشئت سنة ١٨٩١، والفجالة يومئذٍ قليلة المباني، كثيرة الحدائق، لا يأوي إليها إلَّا طالب هدوء أو مسترق لحاظ، وأقفلت في أواخر فبراير سنة ١٩١٦ بعد أن ظلت ربع قرن مجمعًا للأُدباء والصحفيين المترددين على شارع الفجالة والقاطنين فيه، يجرهم إليها لطف الخواجا غنطوس وشرابه السائغ ومزاته المنتقاة. والخواجا غنطوس، أطال الله بقاءه، أديب ظريف يلذك مجلسه بنوع أخص بين الساعة العاشرة والحادية عشرة صباحًا؛ أي قبل حضور الزبائن، فإذا شرفت أمر لك بالقهوة، وأسمعك من كل فن خبرًا.
وقد أنشأ الخواجا غنطوس جريدة أسبوعية سماها «الإعلان» في سنة ١٨٩٢، وجعل قهوته مركزًا لإدارتها.
وشرع في نشر سلسلة كتب تصدر تباعًا باسم «مكتبة الإعلان»، قرأت منها كتابًا في «أُصول الشطرنج»، وآخر في مجموعة قوانين ولوائح.
وكان بين الأُدباء الذين آووا إلى قهوة غنطوس: الشيخ إبراهيم اليازجي، وابن أخته الشيخ نجيب الحداد، وسليمان أفندي البستاني. فكانوا إذا ما طلبوا الراحة أقبلوا على هذه القهوة، فتعقد حولهم حلقة من فتية «غذوا بلبان البيان، وجرُّوا على سحبان ذيل النسيان» على ما يقول الحريري.
وكثيرًا ما شهدت زوايا تلك القهوة تصحيح مسوَّدات «الضياء» و«صلاح الدين الأيوبي» و«الإلياذة».
ومن غريب الاتفاق أن في تلك القهوة التي ألِفها صاحب الضياء وضع بروجرام جنازته، فإنهُ ما فاضت روحه الكريمة في الزيتون حتى ضرب سليمان أفندي البستاني ميعاد الاجتماع «عند مصوبع»، وهناك رتبوا الجنازة، فوفوا له بحقوق الصداقة في مماته كما وفوها في حياته.
وممن اتخذوا قهوة مصوبع «محلًّا مختارًا» الأُستاذ إبراهيم أفندي الجمال المحامي الأديب، والمرحوم ميشيل الحكيم، وإبراهيم النجار، والمرحوم خليل جاويش، وأخوه نجيب أفندي جاويش، ونجيب أفندي مشعلاني. فكانوا يقضون ساعةً ظهر كل يوم إلى جانب البنك، ويتناولون «الأبريتيف»، ممزوجًا بما رقَّ وراق من بدائع المنثور والمنظوم.
وقلَّ أن أديبًا معروفًا في القاهرة، أو مر بها لم يظلل رأسه سقف قهوة مصوبع، بل الأقل منهُ أن يكون أحدهم قد خرج من محل مصوبع يومًا ما غير راضٍ عن كمال الخدمة التي أُديت إليه، أو هيئة الجمعية التي جلس إليها.
و«عند مصوبع» بدأت الدعوة لترشيح سليمان أفندي البستاني للنيابة عن ولاية بيروت في مجلس المبعوثان على أثر إعلان الدستور في تركيا.
و«عند مصوبع» عقدت الجلسة التي تقرر فيها اعتصاب تلاميذ المدرسة الإكليريكية للأقباط الأرثوذكس سنة ١٩٠٣، وهناك وضعت خطة الاعتصاب ونفذت، وأرسل الطلبة تلغرافًا إلى الشيخ محمد عبده، وكان مفتي الديار المصرية في ذاك الحين، يسألونهُ أن يأويهم في الأزهر لتخلي طائفتهم عنهم، فأوفدت البطريكخانة جواسيسها، وفي مقدمتهم المرحوم «العريف عياد» إلى «قهوة مصوبع»، فطفقوا يستلبون المعتصبين واحدًا فواحدًا، ويهددون العاصين حتى فشل الاعتصاب بعد أسبوعين.
(١٢-٢) الحلواني كوستي
كان محله في أول شارع الفجالة إلى جانب بار اشتورا.
و«عند كوستي» كان ملتقى الأعضاء العاملين في جمعية التوفيق القبطية أيام زهوها، فإذا ما أتم أعضاء اللجنة أعمالهم لا بد من «تحويدة» على كوستي لتناول كأس أو اثنتين على الواقف، وهناك كانت تجري المفاوضات غير الرسمية بين المرحوم يعقوب بك نخلة رفيلة، ورفلة أفندي جرجس، والدكتور إبراهيم بك منصور، وفرج بك إبراهيم، وغيرهم من أقطاب تلك الجمعية التي نامت الآن نوم أهل الكهف، وإن كانت قد استعاضت عن الإصلاح الملي بنشر التعليم.
(١٢-٣) قهوة أوربا
كانت منذ ١٦ سنة مركزًا لفئة من الشبيبة القبطية المنوَّرة التي تشتغل بإخلاص لمصلحة طائفتها، وفي قهوة أُوربا كان يجتمع الأصدقاء الأربعة، وهم: المرحوم باسيلي أفندي نصر — وقد قصفت المنية غصن شبابه منذ بضعة أشهر — وحنا أفندي يوسف منصور المحامي، وميخائيل أفندي خليل، وفهيم أفندي صليب، ويكتبون جريدة «الصوت الصارخ»، وكانت مجلة نصف شهرية عرفت بالجسارة والإقدام وعدم المبالاة.
وكان مدير القهوة في ذاك الحين رجلًا أشيب سميناه «كروجر»؛ تخليدًا لذكرى البطل البويري الشهير.
(١٢-٤) قهوة مراد
هي القهوة الوطنية الكبرى الوحيدة التي أنشئت في شارع الفجالة، مزاحمة قهوات اليونان والسوريين وخمارات الزبيب القبطي. صاحبها مراد أفندي محمد، وهو رجل مهذب ظريف، وكان ينتاب قهوته في السنوات الأخيرة جمهور من محرري الجرائد وكتابها، أذكر منهم: جورجي أفندي طنوس صاحب المنبر، وميخائيل أفندي بشارة صاحب مجلة العظماء، وعوض أفندي واصف صاحب المحيط.
وفي «قهوة مراد» دوَّن الأديب أحمد أفندي أبو الخضر منسي مذكراته ومفكراته التي لم تطبع بعد، وهي مجموعة أخبار شخصية، وملاحظات حيوية دقيقة فيها كثير من غير المألوف، وما لا يطابق آراء فئة كبيرة من المتصدرين للتحرير والتحبير، ولكنها تنم عن ذكاء عظيم وذاتية مستقلة.
وفي «قهوة مراد» كان يجتمع عوض أفندي واصف، والدكتور فريد أفندي عبد الله، وزكي أفندي فهمي، أثر خروجهم من الكنيسة الإنجيلية في أيام الآحاد، وينضم إليهم جماعة من أعضاء هذه الكنيسة للمذاكرة في شئونهم الملية.
(١٢-٥) الشانزيلزيه
أرحب قهوات الفجالة وأكثرها غرفًا، راقت في عيني المرحوم جورجي زيدان صاحب الهلال، ولكنهُ أبى أن يختلط بزبائنها، فألف حلقة من الأُدباء وبعض موظفي الحكومة الذين يميلون إلى الأدب والأُدباء، فكان يحضر جلستهم كل ليلة سليم بك باخوس مدير الأموال المقررة في محافظة مصر، وعزيز بك أبو شعر الموظف في وزارة الأشغال، ونعوم بك شقير مدير قلم التاريخ في وزارة الحربية. وكان يتردد إليهم من حين إلى آخر الشيخ يوسف الخازن، ونجيب أفندي مشعلاني، وأخوه نسيب، وأنطون أفندي الجميِّل، والشيخ أمين تقي الدين، وولي الدين بك يكن، وسليم أفندي سركيس.
وقد انفرط عقد القوم، فاحتل معقلهم حضرة صديقنا الكاتب الفاضل ميخائيل أفندي بشارة داود، صاحب مجلة العظماء، ورئيس تحرير جريدة مصر.
وفي الدور العلوي من «الشانزيلزيه» صنعت مأدبة، وجلسة تعارف حضرها جمهور من الأُدباء، وحملة الأقلام لتحية حضرة الشاعر المجيد شلبي بك ملاط، مندوب أُدباء سوريا، في حفلة تكريم خليل مطران التي أقامها سليم أفندي سركيس بالقاهرة سنة ١٩١١.
وفي «الشانزيلزيه» تسحب نمر يانصيب بعض الجمعيات الخيرية بحضور مندوب من رجال الحكومة.
وفيها اجتمع في الأيام الأخيرة المعتصبون من عمال مالكونيان وغيرهم من لفافي السجاير، ووقف بينهم حضرة الفاضل توفيق أفندي عزوز خطيبًا حاضًّا على الهدو والسكينة وملازمة الاعتدال في إعلان المطالب.
وفي «الكازينو» الملحق بالشانزيلزيه مثلت أكثر الروايات العصرية الجديدة، وآخرها رواية «على كوبري قصر النيل»، التي يقوم بأهم أدوارها الشيخ أحمد الشامي، وأخوه مصطفى أفندي الشامي.
وفي «الكازينو» أقامت جمعية «ثمرة التوفيق» سوق إحسان خيرية، كانت موضع إقبال الخيرين ممن يقدرون أعمال الجمعية قدرها.
وفي «الكازينو» احتفل «مجتمع الإصلاح القبطي» بتأبي ن المرحوم أقلاديوس بك لبيب محيي اللغة القبطية، وزعيم الناهضين بها.
و«قهوة كازينو الشانزيلزيه» الآن ملك لحضرة الوجيه الخواجا عبد الله برنوطي، وهو يقدم الكازينو بلا مقابل لجميع الاحتفالات الخيرية والجلسات الأدبية.
وعلى هذا التل أعدم قاتل الجنرال كليبر، وهو سليمان الحلبي، والثلاثة الذين ساعدوه على إتمام الجريمة؛ وهم: علي محمد الغزي، وعبد الله الغزي، وأحمد الوالي. أما طريقة التنفيذ، فقد جاءت في قرار الإعدام وهو أن «تحرق يد سليمان الحلبي اليمنى، وبعده يتخوزق، ويبقى على الخازوق لحين تأكل رمته الطيور»، أما شركاؤه «فتقطع رءوسهم، وتوضع على نبابيت، وجسمهم يحرق بالنار، ويكون ذلك قدام سليمان الحلبي قبل أن يجري فيه شيء.» ا.ﻫ بحروفه.