خاتمة ورجاء
وبعد، فهذا ما تيسر لي جمعه وتحقيقه من أخبار حي الفجالة وأرباضه وحواشيه قديمًا وحديثًا، وقد اقتبست القسم الأوَّل منه من الخطط المقريزية، وابن دقماق، وابن إياس، وأبي المحاسن بن تغري بردي، وعبد اللطيف البغدادي، وعلي باشا مبارك، وغيرهم من كتاب السير وأصحاب الخطط والمؤرخين.
أما القسمان الثاني والثالث، فكل ما فيهما معلومات شخصية وسماعية ممن قطن آباؤهم أو جدودهم الفجالة في عهد نشأتها الأولى.
والفجالة — كما هو ظاهر — لا تمتاز في الوقت الحاضر على بقية أنحاء العاصمة في تنظيمها وأبنيتها، بل هناك ما هو أجدر منها بالوصف، سواء لآثاره الباقية، أو ما فيه من معاهد العلم والإدارات والمصالح، وغيرها مما يكاد تاريخه يضيع؛ لأنه لم يفكر فرد أو جماعة في وضع «خطط جديدة» للقاهرة في القرن العشرين.
أجل، لقد بذل المرحوم علي باشا مبارك جهد استطاعته في وضع خططه، ولكنه لضيق الوقت قد اكتفى بنقل كثير عن غيره نقلًا حرفيًّا، وإذا شكرنا له جهده في وصف بعض الجوامع، وأخصها جامع الرفاعي والمشهد الحسيني وجامع السلطان حسن، فإننا نأسف لتركه كثيرًا من الدور والعمارات الكبيرة والمنتزهات بلا وصف يذكر، سيما وقد كانت له مداخلة فعلية في تشييدها أو ملاحظتها، وبين يديه كل ما يلزمه من مستندات وإحصائيات، وتحت إمرته عشرات من المهندسين كان في وسعه أن يوجههم للتحقيق والتدقيق.
و«كتاب الخطط التوفيقية» على كل حال، ذخيرة نفيسة ستبقى على مدى الزمن، شاهد عدل على جهد ذاك الوزير العصامي الكبير، ولكن قد مضى على وضع هذه الخطط، وطبعها خمس وعشرون سنة ونيف، فتغيرت القاهرة، واتسعت حواشيها، وعمها التغيير من كل جانب، وتعددت المكاتب الشاملة للإحصائيات والبيانات، فلدينا الدفترخانة المصرية، والمكتبة السلطانية، والمكتبة الخاصة لدار الآثار العربية، ومكتبة وزارة الحربية، ومكتبة الجمعية الجغرافية، ومكتبة المجمع العلمي المصري، والمكتبة الزكية، والمكتبة التيمورية، ومكتبة مصلحة المساحة، ومكتبة المعهد الأرخيثولوجي الفرنسوي، وغيرها من دور الكتب العامة والخاصة التي يمكن الاعتماد على ما في خزائنها من المستندات المطبوعة، والمخطوطة لوضع «خطط جديدة».
وكما تعددت المكاتب، فكذلك قد كثر عدد الباحثين، سواء من المصريين أو النزلاء الأجانب، وأصبح للبحث والتنسيق طرق لم تكن معروفة قبل اليوم.
ونظرة واحدة إلى مثل رسائل حضرة الفاضل المحقق يوسف أفندي أحمد عن «جامع ابن طولون» و«مدينة الفسطاط» و«جامع عمرو»، ومذكرة المرحوم ج. سلمون عن «قلعة الكبش وبركة الفيل»، ورسالة المرحوم مصطفى بك بيرم في «تاريخ الأزهر»، ومقارنتها بغيرها من خطط الأقدمين تدل الناظر على ما بلغه المعاصرون من رقي لا ينكر.
ولما كان وضع «خطط جديدة» كاملة سواء للعاصمة، أو القطر كله يتعذر على فرد، فإنني أرجو أن تكون هذه «الخطط» باكورة أعمال جمعية «التاريخ المصري» التي وضع نظامها جماعة من أهل الفضل، وتقرر افتتاحها في فصل الشتاء الحاضر.
وإن عناية عظمة سلطان مصر فؤاد الأوَّل، ورجال حكومته بخدمة فن التاريخ خير كفيل بتحقيق هذه الأمنية.