علم الأنواء
الأنواء هي ثمانية وعشْرون نجمًا معروفة المطالع في أزمنة السَّنة كلها؛ فِي الصَّيف والشتاء والربيع والخريف، يَسقُط منها في كل ثلاث عشرَة لَيْلَة وثلث نجمٌ في الْمغرب مع طلوع الفجر ويَطلُع آخر يقابله في المشرق من ساعته، ومعلوم مُسمَّى وانقضاء هذه الثَّمانية وعشرين كلها مع انْقضاء السَّنة ثمَّ يرجع الأمر إلى النَّجم الأول مرة ثانية، وهذه الأنواء هي منازل القمر.
لأهل السودان قدرٌ من المعرفة بعلم الأنواء واستدلالهم بالرِّياح وأشكال السُّحُب.
-
إذا سُمع صوت الرعد من بعيد ولم يكن بالجو سحاب فالمطر على مسيرة ضَحوة.
-
إذا كان الجو صحوًا ثم هبَّت ريح من الجهة الغربية ليلًا فإن هذا الريح يُلقِّح السحاب، والمطر إما أن ينزل في تلك الليلة أو ضُحى الغد.
-
إذا كان السحاب في الشمال الشرقي وليس من جهة الغرب سحاب فالمطر يَنزل لا محالة.
-
إذا غُمَّت السماء بقِطَع من السحاب بعد الظهر فلا مطر.
-
إذا أقبل السحاب من ههنا وههنا حتى سد الأفق أثناء نزول المطر فإن المطر يكون عامًّا.
وهنالك النجَّام؛ وهو الشخص الذي برع في معرفة الأنواء وبلغ من أمره أنه يشيم البرق (أي ينظر إليه) ويُخبر قومه بأن المطر يصلهم في وقت كذا فيكون الأمر كما قال، وكثيرًا ما يُعيِّن المنطقة التي بها المطر إذا رأى برقًا، بل يُوضِّح الكمية من الماء في تلك المنطقة فيقول من مكان كذا لكذا عميق، ومن كذا لكذا متوسِّط ومن كذا لكذا ضحل.
لقد ذكر الأستاذ الشيخ الجليل عبد الله عبد الرحمن الأمين الضرير في كتابه «العربية في السودان» أحد أشهر خبراء الأنواء في النصف الأول من القرن الماضي هو محمد علي أزرق من أهالي أبي شام ريفي رفاعة، فقال روى لي أحد رفقائه بأنه في خريف عام سبعة عشر وثلاثمائة وألف هجرية ذهب للزراعة في أبي شام، فجمَعهم «أزرق» وأراهم برقًا شرقيًّا ثم قال: إن المطر هاطل بالبويضة وود عركي (حلتان شرقي أبي شام على مسيرة أربع ساعات للراكب)، ولمَّا ذهبوا في الغداة وجدوا الوادي في ريٍّ عظيم كما قال فأقاموا وزرعوا يومين، وفي ليلة اليوم الثالث أيقظَهم «أزرق» ونبَّههم إلى برق شرقي وقال إن المطر على مسافة ضحوة من مكانهم هذا، وسيَسيل هذا الوادي ويصلهم السيل قبل طلوع الشمس. فعليهم أن يَحملوا أمتعتهم ويُغادروا إلى أبي شام. فأطاعه فريق وأقام آخرون بالوادي فيهم الراوي؛ ففي الرابعة صباحًا سال الوادي فلاذوا بالتلال واستمر السيل يجري حتى الساعة الثامنة، وأصبحت كل الأرض بحرًا من البويضة إلى ود الفضل (قرية غربي أبي شام)، أما «أزرق» ومن معه أدركهم السيل في منتصف الطريق عند مكان يُسمى «بريدة» فلاذوا بالنجود (الأماكن المرتفعة) ولم يبلغ المتأخِّرون أبا شام إلا نحو الساعة الثانية بعد الظهر لما تجشموه (أي ما وجدوه من مشقة وجهد) من وحل وطين.