الفصل الخامس
المشهد الأول
المنظر: القاعة
(فون تلهايم يدخل من ناحية وفرنر من الناحية
الأخرى)
فون تلهايم
:
هه، فرنر. بحثتُ عنك في كل مكان، أين اختبأت؟
فرنر
:
وأنا كذلك، يا حضرة الرائد، كنت أبحث عنك، ولم يؤدِّ
بحثي إلى خيرٍ مما أدى إليه بحثك. آتيك بخبرٍ سار.
فون تلهايم
:
آه، لا حاجة بي الآن إلى خبرك السار. أريد مالَك. بسرعة،
يا فرنر أعطِني ما معك ثم حاوِل أن تجمعَ من المال ما
يمكنكَ جمعُه.
فرنر
:
حضرة الرائد؟ لقد حدَث ما توقَّعتُه؛ سيقترضُ مني مالًا
عندما يكون لديه هو من المال ما يُقرِض منه
الآخرين.
فون تلهايم
:
لعلك لا تتهرَّب؟
فرنر
:
وحتى لا يكون لي عليه لوم، سيأخذ مني ما يأخذ بيمناه
ويردُّه إليَّ بيسراه.
فون تلهايم
:
لا تُعطِّلني، يا فرنر. وأنا أنوي مخلصًا أن أردَّ المال
إليك، ولكن متى وكيف؟ هذا ما لا يعلمه إلا الله.
فرنر
:
إذن فأنت لا تعلم أن خزينة الدولة قد تلقَّت أمرًا بدفع
أموالَك إليك؟ بلغَني ذلك الآن عندما …
فون تلهايم
:
فيم هذا الحديث العابث؟ كيف يستغفلُك المُستغفِلون؟ ألا
تفهم أنه لو كان هذا حقًّا لكنتُ أوَّل من علِم به؟
باختصار، يا فرنر، المال، المال.
فرنر
:
طيب بكل سرور. معي شيء من المال. هذه مائة جنيهٍ ذهبًا
وهذه مائة دوكات (يعطيه
المَبلغَين).
فون تلهايم
:
اذهب إلى يوست وأعطِه مبلغ المائة جنيهٍ ذهبًا حتى
يفُكَّ حالًا رهنَ الخاتم الذي رهنه صباح اليوم، ولكن من
أين تحصُل على مبالغَ أخرى يا فرنر؟ ما زلتُ أحتاج إلى
أكثر من هذه بكثير.
فرنر
:
دعني أتصرف في هذا الأمر؛ فالرجل الذي اشترى مزرعتي يقيم
في المدينة هنا. حقيقة أن موعد الدفع يحلُّ بعد أسبوعَين،
لكن المال حاضرٌ لديه، سأُعطيه نصفًا في المائة خصمًا وهو
…
فون تلهايم
:
حسن، يا فرنر العزيز. ها أنت ذا ترى أنني إذ ألوذ لا
ألوذ إلا بك؟ هناك شيء أُسِرُّ به إليك، الآنسة هنا — أنت
رأيتَها — سيئة الحظ.
فرنر
:
يا للحزن!
فون تلهايم
:
ولكنها ستكون غدًا زوجتي.
فرنر
:
يا للفرحة.
فون تلهايم
:
وبعد غدٍ سأذهب بها بعيدًا؛ فقد سُمح لي بأن أرحل، وأريد
أن أرحل بعيدًا وأدَع كل شيء هنا معلقًا، فمن يعلَم ربما
كان القدَر قد رصَد لي سعدًا آخر، إن تركتُ هذا يضيع مني.
إن شئت يا فرنر، تعالَ معنا. نريد أن نعود إلى
العمل.
فرنر
:
حقًّا، ولكن طبعًا حيث تكون حرب، يا حضرة الرائد؟
فون تلهايم
:
وهل يمكن غير ذلك؟ اذهب الآن، يا فرنر العزيز، سنعود إلى
هذا الحديث مرةً أخرى.
فرنر
:
أوه يا حبيب القلب. بعد غد؟ ولِمَ لا تقول غدًا؟ سأجمع
المطلوب. في فارس، يا حضرة الرائد، حربٌ عظيمة، ما رأيُكَ
فيها؟
فون تلهايم
:
سنُفكِّر في هذا. اذهب الآن، يا فرنر.
فرنر
:
يوهووا. يعيش الأمير هيراقليوس! (يخرج).
المشهد الثاني
(فون تلهايم)
فون تلهايم
:
ماذا حدث لي؟ لقد أُوتيتْ روحي حوافزَ جديدة. سوء حظي
أنا طرحَني أرضًا، وجعلَني غاضبًا قصير النظر خجولًا
متهاونًا. أما سوء حظها
هي فقد رفعَني وجعلَني أنظُر حواليَّ في حرية وأُحِس في
نفسي إرادةً وقوة وعزمًا على أن أقوم من أجلها بكل شيء. ما
بقائي الآن؟ (يهمُّ بالسير إلى
حجرة الآنسة فإذا فرنتسيسكا تخرج مُقبِلةً
عليه).
المشهد الثالث
(فرنتسيسكا – فون تلهايم)
فرنتسيسكا
:
هذا أنتَ؟ تهيَّأ لي أني أسمعُ صوتَك. ماذا تريدُ يا
سيادة الرائد؟
فون تلهايم
:
ماذا أريد؟ ماذا تعمل الآنسة؟ تعالَي.
فرنتسيسكا
:
تريد أن تخرج إلى العربة الآن.
فوت تلهايم
:
وحدها؟ بدوني؟ إلى أين؟
فرنتسيسكا
:
أنسيتَ يا سيادة الرائد؟
فون تلهايم
:
ألستِ لبيبةً يا فرنتسيسكا؟ لقد أثرتُها، وكانت حساسة.
وسأطلُب منها الصفح ولسوف تصفحُ عني.
فرنتسيسكا
:
كيف؟ بعد أن أخذتَ الخاتم، يا سيادة الرائد؟
فوت تلهايم
:
ها. فعلتُ ذلك في غير وعي. الآن فقط بدأتُ أفكِّر في
الخاتم. أين وضعته؟ (يبحث
عنه) ها هو.
فرنتسيسكا
:
هل هو هذا؟ (يعيده حيث كان،
جانبًا) آه ليتَه يتفحَّصُه!
فون تلهايم
:
لقد فرضَته عليَّ بمرارة، ولكني نسيتُ هذه المرارة الآن،
ليس في طاقة قلبٍ مثقَلٍ أن يَزِن الألفاظ وزنًا، ولكنها
لن ترفض بلا شك أن تعود إلى قبول الخاتم، ثم ألم يزل معي
خاتمها؟
فرنتسيسكا
:
إنها ترجو أن يُردَّ إليها. أين هو، يا سيادة الرائد؟
أَرِنيه.
فون تلهايم
(مرتبكًا بعض الشيء)
:
نسيتُ أن أتختمه، يوست، يوست سيُحضِره إليَّ
حالًا.
فرنتسيسكا
:
أظن أن الخاتمين متشابهان. أرِني هذا؛ فأنا أحب رؤيةَ
مثلِ هذه الأشياء حبًّا جمًّا.
فون تلهايم
:
في فرصةٍ أخرى، يا فرنتسيسكا. تعالَي الآن.
فرنتسيسكا
(جانبًا)
:
لا يدَع أحدًا يكشفُ له خطأه.
فون تلهايم
:
ماذا تقولين، خطأ؟
فرنتسيسكا
:
نعم أقول إنك تُخطئ خطأً مؤكدًا إذا اعتقدتَ أن الآنسة
ما زالت صفقةً رابحة؛ فأملاكها الخاصة ليست عظيمة، وفي
استطاعة الأوصياء الطامعين أن يقدِّموا لها حساباتٍ تؤدِّي
بها إلى الإفلاس التام. وقد كان أملها معقودًا على خالها،
لكن ذلك الخال الفَظ …
فون تلهايم
:
دعيه وشأنه. ألستُ رجلًا حتى أرُدَّ لها ذلك
كلَّه؟
فرنتسيسكا
:
أتسمع؟ إنها تدُق لي الجرس، لا بد أن أدخُل
إليها.
فون تلهايم
:
سأدخُل معك.
فرنتسيسكا
:
والله لا يمكن. لقد حظرَت عليَّ كل الحظْر أن أتكلَّم
معك، فلا أقل إذن من تدَعني أدخل ثم تدخل ورائي (تدخل).
المشهد الرابع
(فون تلهايم – صائحًا وراءها)
فون تلهايم
:
أبلغيها أني قادم. وتكلَّمي بلساني، يا فرنتسيسكا
سأتبعُكِ حالًا. ماذا أقول لها؟ لا حاجة إلى الإعداد ما
دام القلب هو الذي سيتكلَّم. هناك شيءٌ واحد يحتاج إلى
حركةٍ مدروسة، تحفُّظُها وتخوُّفُها من أن ترتمي بين
ذراعَيَّ وهي سيئة الحظ ثم مهارتها في تمثيل السعادة
أمامي، السعادة التي فقدتها بسببي. وهذا التشكُّك في شرفي
وفي قيمتها الفعلية، وكيف أعتذر عنه لديها هي. لديَّ أنا
تم الاعتذار. ها، ها هي ذي تأتي.
المشهد الخامس
(الآنسة – فرنتسيسكا – فون تلهايم)
الآنسة
(وهي خارجة من الحجرة، كما لو كانت لم
تَرَ الرائد)
:
هل العربة أمام الباب يا فرنتسيسكا؟ هاتي مروحتي.
فون تلهايم
(مقبلًا عليها)
:
إلى أين، يا آنستي؟
الآنسة
(ببرودٍ متصنَّع)
:
إلى الخارج، يا سيادة الرائد. عرفتُ السبب الذي من أجله
أتيتَ إلى هنا ثانية؛ لتردَّ إليَّ خاتمي. طيب، يا سيادة
الرائد، هلا تكرَّمتَ فسلَّمتَه إلى فرنتسيسكا. فرنتسيسكا،
خذي الخاتم من السيد الرائد. ليس لديَّ وقتٌ أُضيعُه
(تهمُّ
بالخروج).
فون تلهايم
(يخطو أمامها)
:
آنستي. آه، ما هذا الذي سمعت، يا آنستي؟ أنا لستُ جديرًا
بكل هذا الحُب الجَم.
الآنسة
:
انتهيتِ يا فرنتسيسكا؟ السيد الرائد …
فرنتسيسكا
:
كشفتُ له السِّر كلَّه.
فون تلهايم
:
لا تغضبي مني، يا آنستي. لست خائنًا، لقد فقدتِ أنتِ
بسببي الكثير في نظر الدنيا، لا في نظري أنا. في نظري أنا
كسبتُ كسبًا لا نهاية له عندنا فقدتِ ما فقَدت. وقد كان
فقدُكِ هذا جديدًا عليك فخشيتِ أن يؤثِّر فيَّ أثرًا سيئًا
فقرَّرتِ كتمانه عليَّ في بادئ الأمر. وأنا لا أشكو من هذا
التشكُّك؛ فإنه إنما صدر عن رغبتك في الحفاظ عليَّ. هذه
الرغبة هي فَخاري. لقد ألفَيتِني تعيسًا فلم تقبلي أن
تُضيفي إلى تعاستي تعاسةً أخرى، ولم تتوقَّعي أن تعاستَكِ
كانت ستُغطِّي على تعاستي.
الآنسة
:
كل هذا عظيم، يا حضرة الرائد. المهم أن ما حدَث قد حدَث.
وقد أحللتُكَ من الصلة التي كانت تربطُنا. وأنتَ
باستردادكَ خاتمكَ …
فون تلهايم
:
لم أوافق على شيء بتاتًا، بل أعتبر نفسي أشدَّ ارتباطًا
بك عن أي وقتٍ مضى. أنت لي، يا مينَّا، لي إلى الأبد
(يخرج الخاتم).
إليكِ للمرة الثانية هذا، ضمان إخلاصي.
الآنسة
:
أنا آخذ هذا الخاتم مرة ثانية؟ هذا الخاتم؟
فون تلهايم
:
نعم، يا مينَّا يا أَحبَّ الناس إليَّ، نعم.
الآنسة
:
ماذا تطلُب مني؟ قَبول هذا الخاتم؟
فون تلهايم
:
لقد تلقَّيتِ هذا الخاتم أوَّل مرة من يدي عندما كانت
أحوالُنا متساوية وسعيدة. وأنتِ الآن لم تعُودي سعيدة،
ولكنا للمرة الثانية نتساوى حالًا. والمساواة هي دائمًا
أقوى رباطٍ للحب. أتسمحين، يا عزيزتي مينَّا (يُمسِك يدها ليُلبِسها
الخاتم).
الآنسة
:
كيف؟ بالقوة، يا حضرة الرائد؟ لا، لا تُوجَد قوة في
الدنيا يمكن أن تُكرِهَني على قَبول هذا الخاتم مرةً
ثانية. أوَتَظن أنني بحاجة إلى خاتم؟ أوه، أنتَ ترى بلا شك
(تشير إلى خاتمها)
أن لديَّ هنا خاتمًا، لا يقلُّ عن خاتمكَ في شيء؟
فرنتسيسكا
:
ولم يَلحَظ شيئًا للآن.
فون تلهايم
(يتركُ يد الآنسة من يده)
:
ما هذا؟ أرى الآنسة فون بارنهلم ولكني لا أسمعها.
أتتمنَّعين، يا آنستي؟ سامحيني على تلقُّف كلمتكِ
وتَكرارِها.
الآنسة
(تتكلَّم بلهجتها الطبيعية)
:
هل أهانتك هذه الكلمة يا حضرة الرائد؟
فون تلهايم
:
لقد آلَمَتْني.
الآنسة
(متأثرة)
:
ما كان لها أن تؤلمك. سامحني يا سيادة الرائد.
فون تلهايم
:
ها، هذه النبرة الأليفة تقولُ لكِ إنكِ قد عُدتِ لنفسك،
يا آنستي، وإنكِ ما زلت تُحبينني، يا مينَّا.
فرنتسيسكا
(منفجرة)
:
أوشَك الهزْل أن يُجاوِز الحد.
الآنسة
(آمرة)
:
لا تتدخَّلي في أمرنا، يا فرنتسيسكا، أرجوك.
فرنتسيسكا
(جانبًا، متأثِّرة)
:
ألا يكفي هذا القَدْر؟
الآنسة
:
نعم، يا سيدي، لو تصرَّفتُ ببرودة وسخرية لما كان
تصرُّفي سوى غرورٍ من غرور النساء. دعني أيها الغرور؛
فإنكَ يا سيدي تستحق أن تجدَني صادقةً كما أنك صادق، ما
زلتُ أُحبك، يا تلهايم، ما زلتُ أُحبك، ورغم ذلك …
فون تلهايم
:
لا تزيدي على هذا شيئًا يا حبيبيتي مينَّا، كفى هذا
(يمسك يدها مرةً ثانية،
ليُلبِسها الخاتم).
الآنسة
(تجذبُ يدها)
:
ورغم ذلك فلن أدع ذلك يحدث أبدًا، أبدًا. ماذا خطَر لك
يا سيادة الرائد؟ لقد فكَّرتُ أنا أنَّ سوء حظ يكفيك. عليك
أن تبقى هنا. عليك أن تأخذ ردَّ شرفك كاملًا بالعند؛ تأخذه
بالعند. ولا أجد تعبيرًا آخر في هذه العجَلة. تأخذه
بالعند، ولو التهمَكَ أشدُّ البؤس التهامًا أمام الحاقدين
عليك.
فون تلهايم
:
هكذا كان فكري وهكذا كان كلامي عندما لم أكن أعرفُ ما
أفكِّر وما أتكلَّم. كان الغضب والغيظ المكبوت ينشُران حول
نفسي ستارًا كالضباب، لم يتمكَّن حتى الحب وهو في أكمل
روعة السعادة أن يبدِّده بنور. لكن الحب بعث ابنتَه،
الشفَقة، وهي العليمة بالألم المُظلِم الحالك، فبدَّدَت
الضباب وأعادت فتح مسالكِ نفسي أمام أحاسيس العطف
المؤثِّرة. وصحَت عندي نزعة المحافظة على النفس؛ فقد أصبح
عندي شيءٌ نفيسٌ أنفس مني أنا أريد أن أحافظ عليه، وأحافظ
عليه بمحافظتي على نفسي. لا تعتبري، يا آنستي، كلمة شفَقة
إهانةً لك، إنها كلمةٌ يحق لنا أن نسمعها دون شعور بالذلة،
إذا قالها المتسبِّب البريء في سوء الحظ. وأنا المتسبِّب
في سوء الحظ؛ فقد فقدتِ بسببي الأصحاب والأقارب، فقدتِ
المال والوطن، ولا بُد أن تجدي بيدي وفيَّ هذا كله مرةً
ثانية، وإلا بقيتُ أحمل وزر خراب أرقِّ وأحسنِ بنات جنسها.
لا تجعليني أفكِّر في مستقبل يتحتم عليَّ فيه أن أكره
نفسي. لا، لن يُبقيَني في هذا المكان شيءٌ بعد الآن، من
الآن. سأرُدُّ على الظلم الذي يحلُّ بي بالازدراء
وبالازدراء فقط. هل هذا البلد هو الدنيا كلها؟ هل تطلع
الشمس هنا فقط؟ ما يمنعني من أن أذهب حيثما أشاء؟ وأي عمل
يمكن أن أُمنع من أدائه؟ وحتى لو تحتَّم عليَّ أن أبحث عن
عملٍ في أقصى بلاد الأرض فاتبعِيني يا حبيبتي مينَّا،
قريرة الفؤاد؛ فلن ينقُصَنا شيءٌ قط. ولي صديقٌ سوف
يسُرُّه أن يُساندَني.
المشهد السادس
(ضابط – فون تلهايم – الآنسة – فرنتسيسكا)
فرنتسيسكا
(وقد لمحت الضابط)
:
هست، يا سيادة الرائد.
فون تلهايم
(للضابط)
:
من تريد؟
الضابط
:
أريد السيد الرائد فون تلهايم. آه، أهو أنتَ، سيدي
الرائد؟ أنا مكلَّف بتسليم هذه الرسالة الملكية إليكَ
(يُخرِج الرسالة من
حقيبته).
فون تلهايم
:
إليَّ أنا؟
الضابط
:
حسب العنوان المكتوب فوقها.
الآنسة
:
فرنتسيسكا، سمِعت؟ كان ما قاله الفارسُ الحق.
الضابط
(وتلهايم يأخذ الخطاب)
:
أرجو المعذرة يا سيادة الرائد، كان المفروض أن تتسلَّم
هذا الخطاب بالأمس، ولكني لم أتمكَّن من الوصول إلى عنوان
سَكنِك، حتى التقيتُ اليوم بالملازم ريكو أثناء الاستعراض
فدلَّني عليه.
فرنتسيسكا
:
آنستي الكريمة، هل سمعِت؟ هذا هو وزيرُ الفارس ريكو. «ما
اسمُ ذلك الوزير هناك في الميدان الواسع؟»
فون تلهايم
:
شكرًا جزيلًا لكَ على ما تجشَّمتَ من مشقة.
الضابط
:
بل أنا الذي أدين لك بالشكر، يا سيادة الرائد (يخرج).
المشهد السابع
(فون تلهايم – الآنسة – فرنتسيسكا)
فون تلهايم
:
آه، يا آنستي، ما هذا الذي بين يديَّ؟ وبأي خبرٍ
يأتي؟
الآنسة
:
ليس لي أن أمُدَّ فضولي فأصلَ به إلى هذا الحد.
فون تلهايم
:
كيف؟ أما زلتِ تفرِّقين بين مصيري ومصيرك؟ ولكن لماذا لا
أفُض الخطاب؟ لا يمكن أن يجعلَني أكثر تعاسة، يا حبيبتي
مينَّا، لا يمكن أن يجعلنا أكثر تعاسة، ولا يمكن إلا أن
يجعلنا أكثر سعادة. بعد إذنك يا آنستي.
(يفُضُّ الخطاب ويقرؤه، وفي هذه الأثناء، يدخُل صاحب الفندق مُتلصِّصًا).
المشهد الثامن
(صاحب الفندق – السابقون)
صاحب الفندق
(لفرنتسيسكا)
:
بست، أي بُنيَّتي الجميلة، كلمة واحدة.
فرنتسيسكا
(تقترب ناحيته)
:
سيدي؟ نحن أنفسنا ما زلنا نجهل ما بالخطاب.
صاحب الفندق
:
ومن أراد أن يعلَم ما بالخطاب؟ إنما أنا أتيتُ من أجل
الخاتم، لا بد أن تُعيدَه الآنسة الكريمة إليَّ حالًا؛ فقد
حضر السيد يوست الآن ليفُك رهنَه.
الآنسة
(وقد اقتربَت من صاحب الفندق هي كذلك
في هذه الأثناء)
:
ما عليك إلا أن تقول ليوست إن رهانَه قد فُك، وقل له
كذلك إنني أنا الذي فككتُ الرهن، أنا.
صاحب الفندق
:
ولكن …
الآنسة
:
أنا متحملة كل المسئولية. اذهب (صاحب الفندق يخرج).
المشهد التاسع
(فون تلهايم – الآنسة – فرنتسيسكا)
فرنتسيسكا
:
والآن يا آنستي الكريمة، تصالحي مع الرائد
المسكين.
الآنسة
:
أو، يا لكِ من مُلِحَّة! تُلحين الآن في الطلب كما لو
كانت العقدة لن تنحل الآن من تلقاءِ نفسها.
فون تلهايم
(بعد أن قرأ، في تأثُّرٍ بالغ
الشدة)
:
ها، وها هو ذا يظهر هنا كذلك على حقيقته. أوه، يا آنستي،
أي عدل، أي عفو؟ هذا كثير، أكثر مما كنتُ أتوقع، أكثر مما
أستحق. سعادتي، شرفي، كل شيءٍ عاد إلى خير حال. هل أنا في
حُلم؟ (ينظر في الخطاب، كما لو
كان يريد أن يتأكَّد مرةً ثانية). لا، ليست
تهيُّؤاتٍ كاذبة من صنع آمالي. اقرئي أنت نفسك، يا آنستي،
اقرئي أنت نفسك.
الآنسة
:
لست بغيرِ متواضعة، يا سيادة الرائد.
فون تلهايم
:
غير متواضعة؟ الخطاب موجَّه إليَّ، إلى حبيبك تلهايم، يا
مينَّا. وهو يأتي بما لا يمكن لخالك أن يحرمكِ منه، لا بُد
أن تقرئيه، اقرئي.
فون تلهايم
:
إذا كان هذا يُرضيك يا سيادة الرائد (تتناول الخطاب وتقرأ).
«عزيزي الرائد فون تلهايم، أُحيطكَ علمًا بأن الأمر الذي
أثار الشكوك في نفسي حولَك، قد تكشَّف لصالحك؛ فقد تبيَّن
أن أخي كان يعلم به عن كثَب، وقد أدلى بشهادة برَّأَتْكَ
وزادت على ذلك كثيرًا. وقد تلقَّت خزينة الدولة أمرًا بأن
تردَّ إليك الصكَّ الذي تعرفه، وبأن تدفع إليك أموالكَ
التي دفعتها مقدَّمًا. كذلك أصدرتُ أوامري بأن تُلغى كل
الإجراءات التي تتخذها جهاتُ الصرف الحربية ضد الحساباتِ
المقدَّمة منك. أبلغني عما إذا كانت حالتُك الصحية تسمح لك
بالعودة إلى الخدمة العسكرية؛ فإنني لا أُحب أن أفقدَ
رجلًا في مثل شجاعتك وتفكيرك. وتقبل تحيات ملِكِك الذي
يُحسِن الظن بك … إلخ.»
فون تلهايم
:
هه ما رأيك في هذا؟
الآنسة
(تطبِّقُ الخطابَ وتُعيدُه)
:
أنا؟ لا شيء.
فون تلهايم
:
لا شيء؟
الآنسة
:
إن ملِكَك العظيم، رجلٌ يتصف إلى جانب العظمة بالطيبة،
ولكن ما شأني بهذا؟ إنه ليس ملِكي.
فون تلهايم
:
ولا ترين شيئًا غير ذلك؟ شيئًا يتعلَّق بنا نحن؟
الآنسة
:
أنكَ ستعود إلى خدمة الملك، وسيُرقَّى السيد الرائد
فيُصبِح عقيدًا أو عميدًا. أهنِّئك على ذلك من كل
قلبي.
فون تلهايم
:
ألا تعرفينني خيرًا من ذلك؟ لا، لقد أعاد إليَّ الحظ
أكثر بكثيرٍ مما يكفي لتحقيق آمال رجلٍ عاقل متزن، وبيدكِ
أنت وحدكِ يا مينَّا أن تقرِّري ما إذا كان عليَّ أن أكون
في خدمة إنسانٍ آخر، علاوةً عليك، لأهَب حياتي كلَّها
لخدمتك؛ فإن خدمة الكبراء خطيرة ولا تجزي الجهد والإكراه
والإذلال الذي تتطلَّبه. ومينَّا ليست من المغرورات اللاتي
لا يُحبِبن في أزواجهن شيئًا سوى اللقب والرتبة، إنها بلا
شك تُحبُّني من أجلي أنا، وأنا من أجلها أنسى الدنيا
بأَسْرها. لقد انخرطت في سلك الجندية بدافع الحزبية، ولا
أدري أنا نفسي الأسس السياسية التي حاربتُ من أجلها، وإنما
تهيَّأ لي أنه من الخير لكل رجلٍ شريف أن ينخرط في هذا
السلك ليعرفَ ويألفَ الخطَر على حقيقته ويتعلَّم الثبات
والعزم. وأتت المحنة الظاهرية فأوشكَت أن تحوِّل هذه
التجربة إلى تخصُّص، وأن تجعل من هذا العمل المؤقت حرفةً
ثابتة. أما الآن، فليس هناك ما يُكرِهُني على شيء ولا أمل
لي إلا أن أكون إنسانًا هادئًا راضيًا. سوف أُصبح ذلك
الإنسان بلا شكٍّ معك، يا مينَّا؛ يا حبيبتي؛ سوف أصبح في
صُحبتِك ذلك الإنسان؛ ولن أتغيَّر أو أتبدَّل. غدًا يربطنا
الرباط المقدَّس، ثم ننظر حوالَينا ونختار من الدنيا
الواسعة المعمورة أهدأَ وأبهجَ وأضحكَ ركنٍ لا يكون في
حاجة إلا إلى اثنَين سعيدَين، فنتخذُه مسكنًا، ويكون كل
يومٍ من أيامنا … ماذا بك، يا آنستي؟ (تتلفَّت هنا وهناك محاولةً إخفاء
تأثُّرها).
الآنسة
(تتمالك نفسها)
:
إنك قاسٍ، شديد القسوة، يا تلهايم، تصوِّر لي سعادةً
ساحرة، لا بد لي أن أرفضها؛ فإن ما فقدتُه …
فون تلهايم
:
ما فقَدتُه؟ ما هذا الذي فقَدتِه؟ إن كل ما يمكن أن
تفقده مينَّا، ليس هو مينَّا نفسها، ما زلتِ أنتِ أحلى
وأحب وأرق وأحسن مخلوقٍ تحت الشمس، كلُّك طيبة وعظمة،
كلُّك براءة ونعيم. من حينٍ لآخر تصرُّفٌ أحمق بسيط، من
حين لآخر شيء من العند. لحُسن الحظ، لحُسن الحظ، وإلا
لأصبحَت مينَّا ملاكًا يتحتم عليَّ أن أمجِّده وأنا أرتعد،
ولا يمكن أن أُحبَّه (يُمسِك
يدَها ليُقبِّلها).
الآنسة
(تجذب يدها)
:
لا، يا سيدي. كيف تغيَّرتَ هكذا فجأة؟ هل هذا الحبيب
المداعب المندفع هو تلهايم الثابت البارد؟ هل تمكَّن حظه
الذي عاد إليه من أن يؤجِّج فيه هذه النار؟ فليسمَح لي في
خِضَم هذه الحرارة العابرة أن أفكِّر من أجلنا نحن
الاثنَين؛ فقد فكَّر هو فكرته وسمعتُه أنا يقول إن الحب
الذي لا يخشى أن يعرِّض المحبوب للازدراء، حُبٌّ عديم
الجدارة. هذا صحيح، وأنا أسعى لبلوغ حُبِّ صافٍ نبيل من
نوعِ حُبه هذا. والآن عندما يدعوه الشرف ويهتم ملكٌ
بضَمِّه إليه، هل يصحُّ أن أفهم أنه مستسلمٌ لأحلام حبيبةٍ
كانت له معي؟ وأن المحارب المظفَّر قد تحوَّر إلى راعٍ
متغزِّل؟ لا، يا سيادة الرائد، اتبع إشارة مصيرٍ
أفضل.
فون تلهايم
:
طيب. إذا كانت دنيا المجد تستهويك، يا مينا. فلا بأس،
نبقي على دنيا المجد. كم هي صغيرةٌ فقيرة دنيا المجد. أنتِ
لا تعرفين منها إلا الناحية اللذيذة، ولكني لا أشُك يا
مينَّا، أنك … ليكُن، حسن، حتى ذلك الحين. لن تخلو دنيا
المجد من معجبين يُعجَبون بنواحي الكمال فيك، ولن تفتقر
سعادتي إلى حسد الحاسدين.
الآنسة
:
لا، يا تلهايم، لم يكن هذا قصدي. إنما قصدتُ أن أنصحكَ
بالعودة إلى دنيا المجد، إلى سلك الشرف، ولم أُرِد أن
أتبعك في هذا المضمار. هنالك تحتاج إلى زوجةٍ لا غُبار
عليها، يا تلهايم، لا إلى آنسةٍ ساكسونيةٍ تائهة ارتمت
عليك ارتماءً.
فون تلهايم
(ينتفض ويتلفَّت حوالَيه
ثائرًا)
:
من ذا الذي يحقُّ له أن يتكلَّم هذا الكلام؟ آه، يا
مينَّا، إنني أرتعدُ ارتعادًا إذا تخيَّلتُ أحدًا آخر
يوجِّه إليَّ هذا الكلام. إذن لثُرتُ عليه ثورةً عارمة لا
تقف عند حد.
الآنسة
:
تمامًا. هذا هو بالضبط ما أخشاه. أنت لا تقوى على تحمُّل
أقل سخرية يوجِّهها إليَّ موجِّه، ولكنك ستُضطَر كلَّ يومٍ
إلى قبول أشد أنواع السخرية مرارة. باختصار، اسمع يا
تلهايم، القرار الذي اتخذتُه وصمَّمتُ عليه، والذي لن يحول
بيني وبينه شيء في الدنيا …
فون تلهايم
:
قبل أن تُتمِّي كلامك، يا آنسة، أتوسل إليك يا مينَّا،
فكِّري لحظةً أخرى أن قراركِ سيكونُ بالنسبة لي حكمًا
بالحياة أو بالموت.
الآنسة
:
لا حاجة بي إلى مزيد من التفكير. مما لا شك فيه أنني
أعدتُ إليك الخاتم الذي قدَّمتَه إليَّ في الماضي ضمانًا
لإخلاصك، ومما لا شك فيك أنكَ استعدتَ هذا الخاتم نفسه؛
ومما لا شك فيه أيضًا أن بارنهلم التعِسة لن تصبح زوجة
تلهايم السعيد، البالغ السعادة.
فون تلهايم
:
بهذا تفصِمين ما بيننا، يا آنسة؟
الآنسة
:
المساواة وحدها أقوى رباط الحب. كانت بارنهلم السعيدة
تتمنى أن تعيش من أجل تلهايم السعيد وحده. كذلك كان من
الممكن أن تُقنِع مينَّا التعيسة نفسها أخيرًا، بأن في
وسعها أن تزيد تعاسةَ صاحبِها أو أن تُخفِّفَها بيدها.
وقبل أن يصل هذا الخطاب الذي هدَم المساواة التي كانت قد
قامت بيننا، تبيَّن هو أنني كنتُ أُلِحُّ في رفض ناحية
المظهر في الموضوع.
فون تلهايم
:
صحيح هذا، يا آنستي؟ شكرًا لك، يا مينَّا، على أنكِ لم
تفصمي العقدة التي تربط بيننا بعدُ. أنت إذن تريدين تلهايم
التعيس؟ سيكون بين يديك (ببرود) وقد شعرتُ اللحظة، أنه لا يليق بي
أن أقبل هذا العدل الذي أتى متأخرًا، وكان الأحرى بي ألا
أعود إلى المطالبة بشيءٍ مُنع عني بسبب شكٍّ مهينٍ يمسُّ
شرفي. ليت هذا الخطاب لم يصلني! هذا كل ما أقوله وأفعله
ردًّا على ذلك (يُوشِك أن يمزِّق
الخطاب).
الآنسة
(تُمسِك يده)
:
ماذا تريد، يا تلهايم؟
فون تلهايم
:
أن تكوني لي.
الآنسة
:
لا تمزِّقه.
فون تلهايم
:
سأمزِّقه يا آنسة، إن لم تغيِّري موقفكِ حالًا، ثم بعد
ذلك نتباحث فيما تُنكِرين من أمري.
الآنسة
:
كيف؟ بهذه اللهجة؟ إذا فعلتُ فسينبغي عليَّ، سيحتم عليَّ
أن أرى نفسي في عيني أنا حقيرةً مَهينة؟ لا، أبدًا. إن
الإنسانة التي لا تخجل من بناء سعادتها كلِّها على عاطفة
رجلٍ عمياء، مخلوقةٌ دنيئة.
فون تلهايم
:
هذا خطأ، خطأ من أساسه.
الآنسة
:
هكذا تجرؤ على تسفيه كلامك أنتَ عندما ينطق به
فمي؟
فون تلهايم
:
سفسطائية، هل يُخل بكرامة الجنس اللطيف كل ما لا يُصيب
كرامة الجنس الخشِن؟ هل يسمح الرجل لنفسه بكل ما يليق أن
تسمح المرأة به لنفسها؟ أي جنسٍ جعلَتْه الطبيعة سندًا
للآخر؟
الآنسة
:
هدئ من روعك، يا تلهايم. لن أظل دون سندٍ بعد أن تحتَّم
عليَّ أن أرفض شرفَ سندِكَ وتعضيدِك. سيكون لديَّ دائمًا
من السنَد والتعضيد ما تتطلَّبه محنتي. وقد طلبتُ اليومَ
مقابلةَ سفيرنا، وستتم المقابلة اليوم وأملي أن يحوطَني
برعايته. الوقت يمر بسرعة. بعد إذنك يا سيادة
الرائد.
فون تلهايم
:
سأُرافقُكِ يا آنستي الكريمة.
الآنسة
:
لا يا حضرة الرائد، دعني.
فون تلهايم
:
ربما فارقَكِ ظلُّك، أما أنا فلن أُفارِقك. تعالي، يا
آنستي، إلى حيث تريدين وإلى من تشائين. وسأقص في كل مكان،
على من نعرف ومن لا نعرف، في حضورك مائةَ مرة في اليوم، عن
الرباط الذي تربطينني به، وعن السبب العنيد الفظيع الذي
تريدين من أجله قطع هذا الرباط.
المشهد العاشر
(يوست – السابقون)
يوست
(بعنف)
:
سيادة الرائد، سيادة الرائد.
فون تلهايم
:
ماذا دهاك؟
يوست
:
تعالَ بسرعة، بسرعة.
فون تلهايم
:
ما عساي أن أفعل؟ تعالَ هنا. تكلَّم، ماذا حدث؟
يوست
:
اسمع (يهمس إليه بشيءٍ
سِرًّا).
الآنسة
(في هذه الأثناء، لفرنتسيسكا)
:
أتلاحظين شيئًا، يا فرنتسيسكا؟
فرنتسيسكا
:
أوه، يا قاسية. كنتُ أقف هنا كأني على جمر.
فون تلهايم
(ليوست)
:
ماذا تقول؟ لا يمكن. هي؟ (ينظر
إلى الآنسة غاضبًا ثائرًا). قل بصوتٍ عالٍ:
قل في وجهها، اسمعي، يا آنستي.
يوست
:
يقول صاحب الفندق إن الآنسة فون بارنهلم قد أخذَت الخاتم
الذي رهنتُه لديه بعد أن قالت إنه خاتمها، ورفضَت أن
تردَّه إليه.
فون تلهايم
:
صحيح، يا آنستي؟ لا، لا يمكن أن يكون هذا قد حدث.
الآنسة
(مبتسمة)
:
ولِمَ لا، يا تلهايم؟ لم لا يمكن أن يكون هذا قد
حدث؟
فون تلهايم
(ثائرًا)
:
إذن صحيح. أي ضوءٍ مخيف ذلك الذي يُشرِق عليَّ فجأة؟
هكذا أعرف الكاذبة، الخائنة.
الآنسة
(مذعورة)
:
من؟ من هذه الخائنة؟
فون تلهايم
:
أنت، ولا أريد أن أنطقَ اسمكِ بعد الآن.
الآنسة
:
تلهايم.
فون تلهايم
:
انسي اسمي. لقد أتيتِ إلى هنا لتفسخي ما بيننا. هذا
واضح، ثم أتت المصادفة على هوى الخائنة، فساقت الخاتمَ إلى
يدَيها، واستعملَت الخائنة خُبثها في إعادة خاتمي إليَّ
بالحيلة اللئيمة.
الآنسة
:
تلهايم، أي أشباحٍ تتراءى لك الآن؟ تمالَكْ نفسَك،
واسمعني.
فرنتسيسكا
(لنفسها)
:
دارت عليها الدائرة.
المشهد الحادي عشر
(فرنر ومعه كيس به ذهب – فون تلهايم – الآنسة –
فرنتسيسكا – يوست)
فرنر
:
ها أنا ذا قد أتيت، يا حضرة الرائد.
فون تلهايم
(دون أن ينظر إليه)
:
ومن طلَبَك؟
فرنر
:
أتيتُ بمال؛ ألفِ بستولة.
فون تلهايم
:
لا أريدُها.
فرنر
:
وغدًا يكون تحت أمركَ مَبلغٌ آخر قَدْر هذا.
فون تلهايم
:
دع مالَكَ معك.
فرنر
:
بل هو مالك، يا سيادة الرائد. أعتقد، أنك لا تَرى مع من
تتكلَّم؟
فون تلهايم
:
أَبعِد هذا المال عني، قلتُ لك.
فرنر
:
ما خطبُك؟ أنا فرنر.
فون تلهايم
:
ما الطيبة إلا خداع، وما المروءة إلا غش.
فرنر
:
تقصدني بهذا الكلام؟
فون تلهايم
:
كما تريد.
فرنر
:
لم أزِد على أن نفَّذتُ أمرَك.
فون تلهايم
:
إذن فنفِّذ هذا الأمر أيضًا، واغرب عني.
فرنر
:
سيادة الرائد، (غاضبًا)، أنا بشَر.
فون تلهايم
:
إذن فأنتَ شيء.
فرنر
:
بشرٌ له مرارة.
فون تلهايم
:
حسن، إن المرارة هي خيرُ ما لدينا.
فرنر
:
أرجوك، يا سيادة الرائد.
فون تلهايم
:
كم مرة أكرِّر قولي. لا أريد مالك.
فرنر
(غاضبًا)
:
إذن فليرُدَّه من يشاء (يلقي
بالكيس أمام قدمَي الرائد وينتحي
جانبًا).
الآنسة
(إلى فرنتسيسكا)
:
آه، يا عزيزي فرنتسيسكا، كان الأحرى بي أن أتبع نصيحتَك.
لقد تجاوَز هَزْلي الحد، ولكن ما عليه إلا أن يسمعني
(تذهب
ناحيته).
فرنتسيسكا
(دون أن تُجيب على الآنسة، تقترب من
الرقيب)
:
يا حضرة الرقيب.
فرنر
(غاضبًا)
:
اذهبي.
فرنتسيسكا
:
أُف، يا لهؤلاء من رجال!
الآنسة
:
تلهايم، تلهايم (يقضمُ أظافره
من الغضب ويُشيح وجهَه ولا يسمع شيئًا). لا،
هذا كثير. ألا تسمعُني؟ أنتَ تخدعُ نفسَك. هذا مجرد سوء
فهم. تلهايم، ألا تريد أن تسمع لحبيبتك مينَّا؟ أيمكن أن
تشُكَّ هذا الشك؟ تظُن أنني أردتُ أن أقطع الصلة بيننا؟
وأنني إنما أتيتُ لهذا الغرض؟ تلهايم.
المشهد الثاني عشر
(خادمان يدخلان مسرعَين من جانبَين مختلفَين
الواحد تلو الآخر إلى القاعة – السابقون)
الخادم الأول
:
صاحب السعادة الجراف، يا صاحبة العصمة.
الخادم الثاني
:
لقد أتى، يا صاحبة العصمة.
فرنتسيسكا
(وقد جرت إلى النافذة)
:
إنه هو، إنه هو.
الآنسة
:
هو؟ أوه، أسرع إذن يا تلهايم.
فون تلهايم
(يُفيق فجأةً إلى نفسه)
:
من؟ من أتى؟ خالك،
يا آنسة؟ هذا الخال الفظيع؟ ما عليكِ إلا أن تدَعيه
يُقبِل، دعيه يُقبِل، لا تخشَيْ شيئًا، لن يكون له أن
يَمسَّكِ حتى ولا بنظرة. سأتولَّى أنا أمرَ التفاهُم معه.
وإن كنتِ لا تستحقِّينَ ذلك جزاءَ ما فعلتِ بي.
الآنسة
:
هيَّا عانِقني بسرعة يا تلهايم، وانسَ كل شيء.
فون تلهايم
:
ها، لو كنتُ أعلم أنه سيكون في إمكانكِ الندمُ على ما
قدَّمَت يداك.
الآنسة
:
لا، لا يمكنني أن أندم على نجاحي في رؤية قلبك بتمامه
وكماله. آه، أي رجلٍ أنت؟ عانق حبيبتَكَ مينَّا، حبيبتكَ
مينَّا السعيدة، التي لا يُسعِدها في الوجود سواك (ترتمي بين ذراعَيه). والآن
هيَّا بنا إلى لقائه.
فون تلهايم
:
من؟
الآنسة
:
أحسنُ أصدقائكَ الذين لا تعرفُهم.
فون تلهايم
:
كيف؟
الآنسة
:
الجراف، خالي، أبي وأبوك، حكايةُ هربي ورفضِه وحرماني من
الميراث كلها تخريفٌ في تخريف؟ أيها الفارس السريع
التصديق.
فون تلهايم
:
تخريف؟ ولكن الخاتم؟ الخاتم؟
الآنسة
:
أين الخاتم الذي ردَدتُه إليك؟
فون تلهايم
:
تريدين أخذَه مرةً ثانية؟ أوه، كم أنا سعيدٌ الآن. ها هو
يا مينَّا (يُخرِجه).
الآنسة
:
انظر إليه أولًا. آه، العميان الذين لا يريدون الإبصار.
أي خاتم هذا؟ الخاتم الذي تلقَّيتُه منك، أم الخاتم الذي
تلقَّيتَه مني؟ هل هو الخاتم الذي لم أُرِد أن أتركه في يد
صاحب الفندق؟
فون تلهايم
:
ربَّاه. ماذا أرى؟ ماذا أسمع؟
الآنسة
:
هل آخُذُه الآن منك؟ آخذُه؟ هاته، هاته (تأخذه من يده عَنوة وتُلبِسه إياه
في إصبعه) والآن؟ كل شيء على ما يرام؟
فون تلهايم
:
أين أنا؟ (يُقبِّل
يدَها)، أوه، أيتها الملاك الشقي، هكذا
تعذِّبينني.
الآنسة
:
كان هذا تنبيهًا لك، يا زوجي العزيز، إلى أنك لن
تبتليَني بمقلبٍ إلا ابتليتُك بمقلبٍ من نوعه. ألا تذكُر
أنكَ أيضًا قد عذَّبتَني؟
فون تلهايم
:
يا ممثلات الكوميديا، كان ينبغي عليَّ أن أعرفكُن خيرًا
مما عرفتُكُن.
فرنتسيسكا
:
لا، سأقول لك الحقيقة. لقد أُفسدتُ فجُعلتُ ممثلةً
كوميدية، كنتُ أرتعشُ وأنتفضُ وأسُد فمي بيدي.
الآنسة
:
كذلك دوري، لم يكن سهل التأدية. لكن تعال.
فون تلهايم
:
لم أسترح ولم أستردَّ أنفاسي بعدُ. وفي نفسي الآن خليط
من الهدوء، والخوف، كحال من يصحُو بغتة من حُلمٍ
مزعج.
الآنسة
:
إننا نتردَّد. أسمعه يأتي.
المشهد الثالث عشر
(الجراف فون بروخزل يُرافِقه خدمٌ كثير – وصاحب
الفندق – السابقون)
الجراف
(وهو يدخل)
:
لقد وصلتُ بخير.
الآنسة
(تندفع نحوه)
:
آه، أبتاه.
الجراف
:
ها قد أتيت، يا حبيبتي مينَّا (يعانقها)، ولكن ما هذا، يا بنيتي؟ (وقد أبصر تلهايم). لم
ينقضِ على وصولكِ هنا أربعة وعشرون ساعةً حتى اتخذتِ لكِ
معارفَ وأصبح لك أصحاب؟
الآنسة
:
خمِّن، من هو؟
الجراف
:
لا يمكن أن يكون هو تلهايم؟
الآنسة
:
ومن غيره؟ تعال يا تلهايم (تقدِّمه إلى الجراف).
الجراف
:
سيدي، نحن لم نتقابل قبل الآن قَط، ومع ذلك ما إن وقعَت
عليك عيناي حتى تهيَّأ لي أني أعرفك، ووددتُ لو كنتَ أنت
تلهايم. عانقني، كل احترامي وتقديري لك. وأرجو أن تقبل أن
تكون أصدقاء. ابنة أختي، ابنتي تُحبك.
الآنسة
:
أنت تعلم بحبي، يا أبتاه، فهل حبي أعمى؟
الجراف
:
لا يا مينَّا، حُبكِ ليس أعمى، ولكن حبيبك أخرس.
فون تلهايم
(يرتمي بين ذراعَي الجراف)
:
دعني أتمالَك نفسي، يا أبي.
الجراف
:
هذا ما ينبغي، يا بني. وإذا لم يقوَ فمك على الكلام فأنا
أسمع قلبك يتكلم. والحقيقة أنني لا أُحب الضباط من هذا
اللون (يشير إلى زي
تلهايم)، لكنك رجلٌ شريف، وينبغي أن نُحب
الشرفاء بغَض النظر عن الزي الذي يتزيَّون به.
الآنسة
:
أوه، ليتك تعرف الأمر كله.
الجراف
:
وما يمنع أن أعلم الأمر كله؟ أين حجراتي، يا صاحب
الفندق؟
صاحب الفندق
:
هل يتعطَّف صاحب السعادة فيدخل هنا؟
الجراف
:
تعالَي، يا مينَّا. تعال، يا سيادة الرائد (يخرج ومعه صاحب الفندق
والخدم).
الآنسة
:
تعالَ، يا تلهايم.
فون تلهايم
:
سألحق بكم حالًا، بعد أن أقول لهذا الرجل كلمة (يتحول ناحية فرنر).
الآنسة
:
نعم، ولتكن كلمةً طيبة. في رأيي إن عليك أن تفعل هذا.
أليس كذلك يا فرنتسيسكا؟ (تتبع
الجراف).
المشهد الرابع عشر
(فون تلهايم – فرنر – يوست – فرنتسيسكا)
فون تلهايم
(يشير إلى الكيس الذي قذَف به
فرنر)
:
يا يوست، خذ هذا الكيس إلى البيت، اذهب (يلتقطُه يوست
ويخرج).
فرنر
(وما زال يقف غاضبًا في ركن ولا يبدو
عليه أنْ تابَعَ ما حدث)
:
نعم.
فون تلهايم
(يتجه إليه في ود)
:
فرنر، ومتى يمكن أن أتلقَّى الألف الأخرى؟
فرنر
(يعتدل مزاجه فجأة)
:
غدًا، يا سيادة الرائد، غدًا.
فون تلهايم
:
لا حاجة بي إلى أن أكون مدينًا لك، ولكني أريد أن أكون
المتصرِّف في معاشك، لا بد أن يُفرض عليكم جميعًا وصي، يا
أصحاب القلوب الطيبة؛ فأنتم أقرب ما تكونون إلى المبذرين.
لقد أغضبتُكَ قبل هُنيهة، يا فرنر.
فرنر
:
نعم، أقسم أنكَ فعلت، ولكن أيضًا كان لا يصح أن أكون
أحمق، لقد اتضح لي ذلك الآن. وأستحق على حماقتي مائة جلدة،
مُرْهم يجلدوني إياها، حتى لا تكون هناك ضغينة، يا عزيزي
الرائد.
فون تلهايم
:
ضغينة؟ (يضغط على
يده)، اقرأ في عينيَّ ما لا أقوى على قوله.
من كان يعرف إنسانًا سواي عنده فتاةٌ أفضل من فتاتي وله
صديقٌ أوفى من صديقي، فليأتِني به حتى أراه. أليس كذلك يا
فرنتسيسكا؟ (يخرج).
المشهد الخامس عشر
(فرنر – فرنتسيسكا)
فرنتسيسكا
(لنفسها)
:
نعم، لا شك في أنه رجلٌ طيب جدًّا. لا يمكن أن أصادف
مرةً ثانية رجلًا كهذا. لا بد من الإفصاح عن ذلك (تقترب من فرنر خجلةً على
استحياء)، يا حضرة الرقيب.
فرنر
(يمسح عينَيه)
:
نعم؟
فرنتسيسكا
:
يا حضرة الرقيب.
فرنر
:
ماذا تُريدين، يا بُنيَّة؟
فرنتسيسكا
:
انظر إليَّ، يا حضرة الرقيب.
فرنر
:
لا أستطيع، لا أعرف ماذا حلَّ بعَيني.
فرنتسيسكا
:
بل انظر إليَّ.
فرنر
:
أخشى أن أكون قد أسرفتُ في النظر إليك. ها أنا ذا أنظر
إليك، ماذا هنالك؟
فرنتسيسكا
:
يا حضرة الرقيب، ألا تحتاج إلى رقيبة؟
فرنر
:
أتجدِّين، يا بُنيَّة؟
فرنتسيسكا
:
كل الجِد.
فرنر
:
وترحلين معي إلى فارس؟
فرنتسيسكا
:
إلى حيث تريد.
فرنر
:
صحيح؟ يا لفرحتي! يا حضرة الرائد، لم تُجاوِز الحقيقة.
عندي الآن بنتٌ طيبة وصديقٌ مخلص، مثلك تمامًا. كفَّكِ يا
بنية؛ إما أن تُصبِحي بعد عشر سنواتٍ زوجةَ لواء أو
أرملة.