الفصل الثاني
القيروان والمنصورية
القيروان من المدن الإسلامية التي اختطها العرب. بعد الفتح كالبصرة والكوفة والفسطاط.
اختطها عقبةُ بنُ نافع الفهري سنة ٦٠ للهجرة بما يقرب من تونس وهو الذي افتتح أكثر المغرب.
وكانت القيروان في زمن روايتنا هذه «في أواسط القرن الرابع للهجرة» قصبة بلاد المغرب،
وقد
تقاطر الناسُ مِن أنحاء العالم لتعميرها فقطنها العرب من قريش وسائر البطون من مصر وربيعة
وقحطان وأصناف من العجم من أهل خراسان وأصناف من البربر والروم وأشباه ذلك. وكان شربهم
من
ماء المطر ينصبُّ من الأودية إلى برك عظام يقال لها المؤاجل فمنها شرب السقاة ولهم وادٍ
يسمى وادي السراويل في قبلة المدينة.
وكان بنو الأغلب لما نزلوها في القرن الثالث قد ابتنَوا على ميلين منها قصورًا لأنفسهم
ثم
ابتنَوا محلة على ثمانية أميال منها سموها رقادة. حتى إذا نزلها الفاطميون في أول القرن
الرابع للهجرة ابتنَوا لأنفسهم حصنًا مستديرًا بالقرب منها سمَّوه صبرة ويسمى أيضًا
المنصورية جعلوه مستقرًّا لهم ولأهلهم. كما فعل المنصور ببناء بغداد قبل ذلك بقرنين،
فالمنصورية بلدة مستديرة الشكل قرب القيروان بناها إسماعيل بن القاسم بن عبد الله المهدى
سنة ٣٣٧ﻫ واستوطنها وجعل قصره في وسطها والماء يجري فيها وأنشأ بها أسواقًا جميلة وجامعًا
وعرض سورها ٢١ ذراعًا وهي منفصلةٌ عن القيروان بعرض الطريق. ومن أبوابها باب الفتوح وباب
زويلة وباب وادي القصارين وكلها مصفحة بالحديد.
١
وأول الخلفاء الفاطميين عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر الصادق، مِن نسل
الحسين
بن فاطمة الزهراء. قام له بالدعوة رجلٌ شيعي اسمه أبو عبد الله الشيعي بمساعدة قبائل
البربر
وخصوصًا كتامة وصنهاجة كما قام أبو مسلم الخراساني في المشرق بدعوة العباسيين بمساعدة
الخراسانيين. ولما استقر لعبيد الله المهدي الملك قتل أبا عبد الله الشيعي كما قتل المنصور
أبا مسلم.
٢
وكان عبيد الله في أول الدعوة يُقيم في المهدية على ساحل تونس، ثم نقل إلى القيروان
وتوفي
سنة ٣٢٢ﻫ، فخلفه ابنه القاسم ولقب القائم بأمر الله وتوفي سنة ٣٣٤ﻫ، فخلفه ابنه المنصور
أبو
طاهر وتوفي ٣٤١ﻫ فخلفه المعز لدين الله وعلى عهده فتحت مصر على يد قائده جوهر الصقلي.
وفي
أيامهما جرت حوادث هذه الرواية.