أبو حامد وسالم
فالتفتت إلى الحسين وقالت: «قد تم سعدنا» وساقا الجوادين إلى داخل الفندق حتى صارا في وسطه وترجلا وأسرعا إلى الغرفة فطرقا بابها فسمعا لغطًا ولم يفتح الباب فاستل كُلٌّ منهما خنجره وصاح الحسين: «افتح.»
فأجابهما أبو حامد من الداخل «لن أفتح لكما … ليس خوفًا على حياتي، ولكنني لا أريد أن أموت بيد أحدكما … ولا ينبغي أن أبقى حيًّا بعد هذا الفشل. وأخاف أن يجبن هذا الغلام فيستعطف ويتذلل وأنا أعرف ضعفه وجبنه. فأنا الآن قابضٌ على عنقه وها أني أطعنه في قلبه … قد طعنته فمات وهذه طعنة في قلبي وهذا الباب قد فتحته لكما فاستلما جثتين بلا روح.»
ثم سمعا وُقُوع الجثة وفتح الباب فوجدا الرجلين يختبطان بدمهما فغطت لمياء عينيها حتى لا ترى ذلك المنظر الرهيب ولا تريد أن ترى سالمًا حبيبها الأول في تلك الحالة رغم ما رأت منه أو سمعت عنه. وتحولت إلى فرسها وهي تقول للحسين: «هلم بنا إلى المعسكر لنرى قائدنا العزيز. فقد قضي الأمر وتم النصر.»
فتبعها وهو يقول: «كنت أود أن أقتلهما بيدي.»
قالت: «قتلهما الفشل.»
وهما خارجان اعترضهما صاحب الفندق وهو يبكي ويقول: «قتلتما الرجلين … وذهبتما … الآن يقبضون علي ويتهمونني بقتلهما … بالله لا تذهبا.»
فتقدمت لمياء إليه وقالت: «قُتلا بأمر القائد جوهر … وهذا هو الحسين بن جوهر القائد، لا تخف.»
فأكب على ركاب الحسين يقبله ويقول: «اعذرني يا سيدي على جسارتي … والله إن هذا الصقلبي رجل طيب … مع السلامة يا سيدي مع السلامة.»
وانصرفا حتى أتيا المعسكر وقد أظلم الليل ولكن الأنوار كانت تسطع في تلك الأنحاء وقد أقبل المصريون زرافات ووحدانًا على جوهر يهنئونه بالنصر وعرفا فسطاطه من كبره وكثرة من حوله من الحُجَّاب فما زالا حتى وقفا بالباب واستأذنا بالدخول. فلما قيل لجوهر إن الحُسين يستأذن عليك نهض له وضَمَّهُ إلى صدره وقَبَّلَه فقبل الحسين يده. ثم تقدمت لمياء بثوب الجند فقبلت يد القائد فدعاها إلى الجلوس هي من جانب والحسين من الجانب الآخر. وكان في جملة الحضور هناك أبو جعفر مسلم بن عبيد الله الشريف، فعرفهم إليه، فرحب بهما وهنأهما بالنصر، وإذا بصوت خرج من جوانب الخيمة يقول: «ويعقوب؟» فعلمت لمياء أنه صوت يعقوب بن كلس فالتفتتْ إلى جوهر وقالت: «لا أقدر أن أصف لك الفضل الذي أولاني إياه الشريف أبو جعفر والمعلم يعقوب فإننا مدينون لهما بكثير من أسباب هذا النصر وبحياتي أيضًا ولولاهما لكنت الآن في عالم الأموات.»
فقال الحسين: «فالفضل إذن علي أنا.»
وبعد قليل انصرف المهنئون وبقي جوهرٌ ومسلمٌ ويعقوبُ والحسينُ ولمياءُ، وكان اجتماعهم لذيذًا على أثر ما عانوه من التعب حتى كتب لهم النصر، فقص كُلٌّ منهم ما عاناه في أثناء الغياب والتفت جوهر إلى لمياء وقال: «قد صَحَّتْ نبوءتك يا بنية، فالتقينا في الفسطاط بعد فتحها ألم يئن العقد عليك.»
فقالت: «الحمد لله على ذلك لكن العقد اشترطت فيه أن يكون في قصر مولاي المعز لدين الله على ضفاف النيل …»
قال: «ألم تصر الفسطاط كلها قصرًا له.»
قالت: «بلى، لكنني أريد قصره الخصوصي.»
فضحك جوهر وقال: «إنك تريدين أن يؤجل الاقتران حتى يحضره المعز بنفسه فإنك أهل لذلك … وفي الغد نبدأ ببناء القصور لمولانا وبعد قليل يأتي إلى مدينته ويعقد لكما بيديه المباركة.»
وأخذ جوهر في اليوم التالي في بناء القاهرة ثم بنى القصور وبعث إلى المعز بأخبار الفتح فانتقل المعز إلى مدينته وأقام بها وتوارثها أعقابه بعده على ما هو مدون في كُتُب التاريخ. وكان أول عمل عمله أنه عقد للحسين على لمياء باحتفال لم يسمع بمثله.