الفصل الأول

بونتيلا يعثر على إنسان

(قاعةٌ جانبية في فندق البستان في تافا ستهوز. صاحب الضيعة بونتيلا، القاضي والنادل، القاضي يسقط من على كُرسيِّه في حالة سُكرٍ شديد.)

بونتيلا : أيها النادل، كم مضى علينا هنا؟
النادل : يومان، يا سيد بونتيلا.
بونتيلا (للقاضي في لهجة تأنيب) : سمعت؟ يومان صغيران! وها أنت ذا تُسلِّم وتتظاهر بالتعب! في الوقت الذي أريد فيه أن أشرب معك كأس خمر وأحدثك قليلًا عن نفسي، وأشرح لك كيف أشعر بالوحدة وما هو رأيي في البرلمان! ولكنكم جميعا تنهارون لأقل مجهود؛ فالروح نشيطة، أمَّا الجسد فضعيف. أين الطبيب الذي كان بالأمس يتحدى العالم أجمع؟ لقد رآه ناظر المحطة وهم يحملونه إلى الخارج، غير أنه انهار هو نفسه في حوالي السابعة بعد كفاحٍ بطولي. وعندما بدأ يُتهتِه في الكلام، كان الصيدلي لا يزال على قدمَيه، أين هو الآن؟ هؤلاء هم الذين يسمون أنفسهم أعيان المنطقة؛ سيُدير الناس لهم ظُهورَهم في خيبة أمل، (ويلتفت إلى القاضي الذي يغط في نومه) يا له من مَثَلٍ سيئٍ لأهل تافاستلاند! حين يرون كيف لا يستطيع أحد القضاة أن يتماسك في فندقٍ على الطريق العام. لو أنني وَجَدتُ في أرضي تابعًا يتكاسل في الحرث تكاسُلَك في الشراب لسرَّحتُه على الفور، ولقلت له: يا حيوان! سأُعلِّمك كيف تتهاون في القيام بواجبك!
ألا تستطيع، يا فردريك، أن تفكر فيما ينتظره الناس منك، أنت الرجل المُثقَّف الذي يتطلعون إليه، ويتوقعون أن يكون نموذجًا لهم وأن يُبيِّن قدرته على التحمُّل والشعور بالمسئولية؟! ألا تستطيع أن تتماسَكَ وتجلس معي وتتكلم، أنت أيها الضعيف المتهالك؟ (للنادل): في أي يوم نحن؟
النادل : السبت، يا سيد بونتيلا.
بونتيلا : هذا ما يُدهِشني، كان ينبغي أن يكون الجمعة.
النادل : معذرة، ولكن اليوم هو السبت.
بونتيلا : وتعاندني أيضًا؟! يا لك من نادلٍ عجيب! تُريد أن تُغضب ضيوفك وتُعامِلهم معاملةً فظة. أيها النادل، أَحضِر لي كأسًا أخرى، افتح أُذنَيك حتى لا تخلِط كل شيءٍ من جديد، كأس كونياك ويوم جمعة، فهمت؟
النادل : نعم، يا سيد بونتيلا (يخرج مُسرعًا).
بونتيلا (للقاضي) : استيقظ، أيها الضعيف! لا تتركني وحدي! أهكذا تستسلم أمام زجاجتَي كونياك أو ثلاث؟ إنك لم تكَد تَشمُّها. لقد انكَفأَت في القارب، بينما كنت أجدِّف بك على سطح الخمر، ولم تَجدْ في نفسك الشجاعة لتنظُر إلى أَبعدَ من حافة القارب، اخجل من نفسك، انظر — ها أنا ذا أنزل في الماء (يُمثِّل هذه الحركة) وأَتجوَّل على سطح الخمر، فهل غطستُ؟ (يلمح سائقه ماتي الذي يقف بالباب منذ مدة.)
من أنت؟
ماتي : أنا سائقك، يا سيد بونتيلا.
بونتيلا (بارتياب) : مَنْ؟ أَعِد ما قُلتَ.
ماتي : أنا السائق الذي يعمل عندك.
بونتيلا : هذا شيءٌ يستطيع أن يقوله كل إنسان، أنا لا أعرفك.
ماتي : لعلك لم تَتمعَّنْ في وجهي أبدًا؛ فأنا أعمل عندك منذ خمسةِ أسابيعَ فقط.
بونتيلا : ومن أين أَتَيتَ الآن؟
ماتي : من الخارج، كنت أنتظر في العربة منذ يومَين.
بونتيلا : أَيَّة عربة؟
ماتي : عربتك، الاستوديو بيكر.
بونتيلا : شيءٌ غريب، هل تستطيع أن تُثبِت هذا؟
ماتي : وليس في نيتي أن أنتظرك في الخارج أكثر مما انتظرت! يجب أن تعرف هذا. لقد أَصبَحَت روحي في حلقي، لا يمكنك أن تُعامل إنسانًا هذه المعامَلة.
بونتيلا : ما معنى إنسان؟ هل أنت إنسان؟ قُلتَ منذ قليل: إنك سائق. والآن تقول: إنك إنسان. هه؟ الآن ضَبطتُك وأنت تُناقِض نفسك! اعترف!
ماتي : سوف تعرف حالًا أنني إنسان، يا سيد بونتيلا، عندما أُثبِت لك أنني لا أسمح لأحد بأن يُعاملني معاملة البهائم ولا أن أنتظرك في الشارع حتى تتعطَّف وتخرج.
بونتيلا : كنت تُؤكِّد منذ لحظةٍ أنك لن تحتمل هذا.
ماتي : تمامًا. ادفع لي حسابي، ١٧٥ ماركَا وسأذهب إلى بونتيلا لأُحضِر شهادتي.
بونتيلا : صوتك أعرفه، (يدور حوله وهو يفحصه كأنه حيوانٌ غريب) صوتك يَرِن في أذني كأصوات البشر تمامًا، اجلِس وخُذ كأسا معي. يجب أن نتعارف.
النادل (يدخل حاملًا زجاجة) : الكونياك يا سيد بونتيلا. واليومَ يومُ الجمعة.
بونتيلا : عظيم. (مشيرًا إلى ماتي) هذا صديقي.
النادل : نعم يا سيد بونتيلا، سائقك.
بونتيلا : إذًا فأنت سائق؟ لقد كان من رأيي دائمًا أن الإنسان يُقابِل أَظرفَ الناس في أثناء السفر، صُب!
ماتي : أود أن أعرف ماذا تريد الآن؟ لا أدري إن كُنتُ سأشرب من هذا الكونياك.
بونتيلا : أرى أنك سيئ الظن. أستطيع أن أفهم هذا؛ فلا يصح أن يجلس الإنسان مع الغُرباء على مائدةٍ واحدة. إنهم يُفكِّرون في سرقته بمجرد أن ينام. أنا صاحب الضيعة بونتيلا من لامي وإنسانٌ شريف. عندي تسعون بقرة. تستطيع يا أخي أن تشرب معي وأنت مُطمَئِن.
ماتي : عظيم. وأنا ماتي ألتونين. ويَسُرُّني أن أَتعرَّف عليك (يشرب في صحته).
بونتيلا : إنني طيب القلب، وهذا ما يُسعدني. في مرة من المرات حملتُ جعرانًا من الطريق العام إلى الغابة، حتى لا يدوسه أحدٌ بعربته. أنا عادةً أُبالِغ في مثل هذه الأمور. ووضعته على أحد الأسوار. أنت أيضًا طيب القلب. هذا ما أراه في وجهك. إنني لا أحتمل أن يكتب أحدٌ كلمة «أنا» فيجعل حرف الألف كبيرًا. هذا شيء يستحق الإنسان الجلد عليه. إن من كبار أصحاب الأطيان من يَنزعُون اللُّقمة من أفواه الفلاحِين. أمَّا أنا فأحبُّ شيءٍ إلى نفسي أن أُقدِّم لهم اللحم المَشْوِي. إنهم أيضًا بشر ولهم الحق مثلي تمامًا في أن يأكلوا أحسن أَكْل. أليس هذا رأيك أيضًا؟
ماتي : تمامًا.
بونتيلا : هل تركتك حقًّا تنتظرني أمام الباب؟ لم يكن هذا يصح مني، لن أغفره لنفسي. أرجوك إذا عُدتُ إلى هذا الفعل أن تضربني بالمِفَك على رأسي! ماتي، هل أنت صديقي؟
ماتي : لا.
بونتيلا : أشكرك. كنت أعلم هذا. ماتي، انظر إليَّ. ماذا ترى؟
ماتي : أريد أن أقول: شيئًا غليظًا كالبرميل، غارقًا في السُّكْر.
بونتيلا : أرأيتَ كيف تخدع المظاهر؟ إنني أختلف عن ذلك تمام الاختلاف. ماتي، أنا إنسانٌ مريض.
ماتي : مريضٌ جدًّا.
بونتيلا : هذا شيء يُسعِدني. شيء لا يستطيع أن يراه كل إنسان. كل من ينظر إليَّ لا يستطيع أن يَتصوَّره (في حزن وهو ينظر نظرةً حادةً إلى ماتي) أنا أُصَاب بنوبات.
ماتي : لا تقل هذا.
بونتيلا : أنا لا أقوله للمزاح. إنها تصيبني مرةً واحدةً على الأقل كل ثلاثة شهور. أَستيقِظ من النوم فأجدني في صحوةٍ تامَّة. ما رأيك في هذا؟
ماتي : هل تُصيبك نَوبات الصَّحو هذه بانتظام؟
بونتيلا : بانتظام. في غير هذه الحالات تجدني دائمًا في حالةٍ طبيعيةٍ جدًّا، كما تراني أمامك الآن مسيطرًا على حواسِّي وممتلكًا لقواي العقلية تمام الامتلاك، ثم تأتي النوبة فجأة تبدأ بشيءٍ أُحِس به كأنه خللٌ في عيني؛ فبدلًا من أن أرى شوكتَين (يرفع شَوكةً واحدة) لا أرى سوى واحدة.
ماتي (مفزوعًا) : إذًا فأنت نصفُ أعمى؟
بونتيلا : أنا لا أرى من العالم كله إلا نصفه، ولكن الحالة تسوء عندما أَهبِط في أثناء هذه النوبات من الصَّحْو التام المجنون إلى مستوى الحيوان. عندئذٍ لا يقف في وجهي شيء. إن ما أقوم به يا أخي من أعمالٍ في هذه الحالة لا يستطيع أحدٌ أن يُحاسبني عليه، وبخاصةٍ إذا كان له قلبٌ ينبض في صدره وإذا تَذكَّر أنني مريض، (في صوتٍ يتهدَّج فزعًا) هناك أُصبح مسئولًا عن أعمالي مسئوليةً تامة، هل تعرف معنى هذا يا أخي؟ معنى أن يكون الإنسان مسئولًا عن أعماله؟ إن المسئول عن أعماله إنسانٌ يمكنك أن تتوقع منه كل شيء. إنه على سبيل المثال يَفقِد القدرة على الاهتمام بطفله، إنه يفقد الإحساس بمعنى الصداقة، إنه يكون على استعدادٍ للقفز فوق جثته، كل هذا لأنه مسئول عن أعماله كما يقول المُحامون.
ماتي : ألا تصنع شيئًا تُوقف به هذه النوبات؟
بونتيلا : يا أخي، إنني أفعل كُلَّ ما أستطيعه، بل كُلَّ ما في طاقة الإنسان (يتناول كأسه) هذا هو دوائي الوحيد، إنني أجرعه مرةً واحدة، بغير أن يَطرُف لي جَفن. صدقني. إنني لا أشربه بالمِلعَقة كما يشرب الأطفال الدواء. كل ما أستطيع أن أقوله هو أنني أُكافِح نوبات الصحو المجنونة هذه كفاح الرجال، ولكن ما الفائدة؟ إنها تتغلب عليَّ دائمًا. خذ مثلًا استهتاري بك، مع أنك إنسان رائع. إليك ظهري فاضربه كما تشاء، فهو ظهر ثور، أية مصادفة سعيدة ساقتك إليَّ؟ كيف أتيت إليَّ؟
ماتي : بعد أن فقدتُ وظيفتي السابقة بغير ذنب.
بونتيلا : وكيف حدث هذا؟
ماتي : رأيت أشباحًا.
بونتيلا : حقيقية؟
ماتي (يهز كتفيه) : في ضيعة السيد بايمان، لم يَدْرِ أحدٌ السبب في ظهور هذه الأشباح؛ فلم يسبق لها أن ظهرت هناك قبل التحاقي بوظيفتي. إذا سألتني رأيي فإني أعتقد أن السبب يرجع إلى سوء الطبخ هناك. عندما يقف العجين على معدة الناس تجدهم يحلمون أحلامًا سيئة. وتثقل الكوابيس على أنفاسهم، وأنا بطبعي لا أتحمل الطعام الرديء. فكَّرتُ بالفعلُ في الاستقالة، ولكن لم يكن أمامي عملٌ آخر. وساءت حالتي النفسية فرُحْتُ أسُب وألعن في المطبخ، وما هي إلا فترةٌ قصيرة حتى رأت الخادمات في المطبخ رءوس أطفالٍ بالليل فوق السور، فقدَّمن استقالتهن. ثم ظَهرَت كرةٌ قاتمةٌ أشبه برأسٍ آدمية انحَدرت على الأرض من حظيرة البقر، وعندما رويتُ ذلك للسائسة مرِضَت وساءت حالتها، وقدَّمَت الخادمة كذلك استقالتها، عندما رأيت في حوالي الساعة الحادية عشرة ليلًا رجلًا أسود اللون يتمشى قريبًا من الحمام وهو يحمل رأسه تحت إبطه وطلب مني أن أُشعل له غليونه. راح السيد بايمان يصرخ في وجهي ويتهمني بأنني المسئول عن هروب الناس من المَزرَعة وينفي وجود أشباح في بيئته، ولكنني قلت له: إنه مخطئ وإنني في أثناء وجود زوجته الكريمة في مستشفى الولادة رأيتُ في ليلتَين متتاليتَين شبحًا أبيضَ يقفز من نافذة غرفةِ السائسة ويدخل من نافذة غرفة السيد بايمان نفسه. لم يستطع أن يرد عليَّ، ولكنه طردني من العمل، ونصحتهُ قبل أن أنصرِف بأن يعتني بالطبخ في مزرعته حتى تهدأ الأرواح التي لا تتحمل — على سبيل المثال — رائحة اللحم.
بونتيلا : أرى أنك لم تَفقِد وظيفتَك إلا لأنهم كانوا يبخلون عليكم بالطعام. أنت تُحب الأكل، وهذا لا يُقلِّل من شأنكَ في عيني، ما دمتَ تُحسن قيادة الجرار وتسمع الكلام وتعطي ما لبونتيلا لبونتيلا. إن لديَّ ما يكفيني، وهل تفتقر الغابة إلى الخشب؟ بهذا نستطيع أن نتفاهم، كل إنسانٍ يستطيع أن يتفاهم مع بونتيلا! (يغني):
لِمَ الْعِتَابُ يَا حَبِيبُ وَالْمَلَامْ
وَفِي الْفِرَاشِ يَنْتَهِي كُلُّ الْخِصَامْ؟
كم يتمنى بونتيلا أن يقطع معكم الغاب ويُنقِّي الحقول من الأحجار ويَقودَ الجرَّار بنفسه! ولكن هل يتركونه يفعل ذلك؟ لقد وضعوا منذ البداية حول رقبتي ياقةً غليظة، أكلت ذَقني مرتَين، لا يليق ببابا أن يَحرُث، لا يليق ببابا أن يَغمز البنات، لا يليق ببابا أن يشرب القهوة مع العمال! أمَّا الآن فلم يعد يليق لبابا ألا يليق به شيء! سأسافر إلى «كورجيلا» وأعقد خِطبة ابنتي على المُلحَق الدبلوماسي، ثم أحضُر لأُشمِّر أكمامي وأجلس على الأكل بغيرِ رقيب، وستصمُت كلنكمان وأنام معها كفى. أما أنتم فسوف أرفع مُرتباتِكم؛ لأن العالم كبيرٌ وأنا أمتلك غابتي وهناك ما يكفيكم ويكفي السيد بونتيلا.
ماتي (يضحك طويلًا بصوتٍ عالٍ ثم يقول) : هدئ نفسك حتى لا نُزعِج القاضي من نومه فيَحكُم علينا بالسجن مائةَ عام.
بونتيلا : أريد أن أتأكد أولًا أنه لم تعُد هناك هُوةٌ تفصل بيننا. قل: إنه لم يعُد يَفصِل بيننا شيء!
ماتي : أمرك يا سيد بونتيلا! لم يعُد يَفصِل بيننا شيء.
بونتيلا : أخي! يجب أن نتكلم عن المال.
ماتي : بدون شك.
بونتيلا : ولكن من الحقارة أن نتكلم عن المال.
ماتي : إذن لا نتكلم عن المال.
بونتيلا : خطأ. فلماذا لا نُصبح حُقَراء؟ ألسنا أحرارًا؟
ماتي : لا.
بونتيلا : أرأيت؟ وبصفتنا أحرارًا ففي استطاعتنا أن نفعل ما نشاء، والآن نريد أن نُصبِح حُقَراء؛ لأن علينا أن نُدبِّر بأية وسيلةٍ مَهرَ ابنتي الوحيدة. هذه مسألةٌ ينبغي أن ننظر إليها الآن نظرةً موضوعيةً جادةً حاسمةً سكيرة، أمامي إمكانيَّتان، فإمَّا أن أبيع غابةً أو أبيع نفسي. أيهما تُفضِّل؟
ماتي : لا أُحِب أن أبيع نفسي ما دام في استطاعتي أن أبيع غابةً.
بونتيلا : ماذا؟ تبيع غابة؟ ها أنت تُخيِّب أملي فيك تمامًا يا أخي، أتعرف ما هي الغابة؟ أتظن أنها عبارةٌ عن عشرة آلاف ذراعٍ من الخشب وحَسْب؟ أو أنها بهجةٌ خضراءُ لعيون البشر؟ وتريد أن تبيع بَهجَة البشر الخضراء؟ اخجَلْ من نفسك!
ماتي : إذن نلجأ إلى الحل الثاني.
بونتيلا : حتى أنت يا بروتوس! أتريد حقًّا أن أبيع نفسي؟
ماتي : وما هي الوسيلة التي تبيع بها نفسك؟
بونتيلا : السيدة كلنكمان.
ماتي : التي تعيش في كورجيلا، حيث تُسافر إليها؟ عمة المُلحَق الدبلوماسي؟
بونتيلا : إنها تشعر بِضعفٍ من ناحيتي.
ماتي : أهي هذه التي تريد أن تبيع لها جسدك؟ شيءٌ فظيع!
بونتيلا : أبدًا أبدًا. وماذا يكون مصير الحرية يا أخي؟ لكنني أعتقد أنني أُضحِّي بنفسي، ثم من أكون أنا؟
ماتي : هذا صحيح.

(القاضي يستيقظ ويبحث عن جَرسٍ لا وجود له ولكنه يَهزُّه بِشدَّة.)

القاضي : هدوءًا في قاعة المحكمة!
بونتيلا : إنه يحسب نفسه في قاعة المحكمة، لمجرد أنه نائم. أخي، الآن قد حَسَمتَ المشكلة وبيَّنتَ لي أيهما أكثرُ قيمة: غابةٌ كغابتي أو إنسانٌ مثلي. أنت إنسانٌ رائع. هاك محفظتي. ادفع الحِساب ثم ضَعها في جيبك، فأنا أفقدها دائمًا. (مشيرًا للقاضي): ارفعوه! ارمُوه في الشارع! إنني أُضيِّع كل شيء. تمنَّيتُ لو كُنتُ لا أملك شيئًا، لكان هذا أحبَّ إلى نفسي. المال رائحته عفنة، لا تَنسَ هذا. إنني أحلُم بأنني لا أملك شيئًا، وبأننا نسير معًا على الأقدام في فنلندا الجميلة، أو نركب عربةً صغيرةً ذات مَقعدَين اثنَين. لن يرفض أحد أن يُعطِيَنا قليلًا من البنزين، وحين نُحِس بالتعب ندخُل من حينٍ إلى حين في حانةٍ كهذه، ونشرب كأسًا من أَجرِنا في تقطيع الخشب. شيءٌ كهذا يُمكِنك أن تفعله يا أخي بيدك اليسرى.

(ينصرفان، ماتي يحمل القاضي.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤