إلى أين؟!
كانت مفاجأة للشياطين حين دخلوا قاعة الاجتماعات الكبرى … فقد كان رقم «صفر» بانتظارهم، قال بصوته العميق محيِّيًا الشياطين: مرحبًا بكم، الوقت ضيِّق، ولا بد من بدء المغامرة … «كلاوس روبيرتو» أرسل شحنة مخدرات ضخمة إلى إحدى الدول العربية في وقت قريب جدًّا … وقد أمسكَت السلطات ببعض التجار الصغار، ومنهم عرفنا أن «كلاوس» هو مصدر الشحنة إلى هذا البلد. وأكمل رقم «صفر» حديثه: إن هذا الرجل — وأقصد «كلاوس» — في منتهى الخطورة؛ ولذلك فمهمتُكم صعبة جدًّا … لا بد من القبض عليه وتسليمه للسلطات هناك، وستجدون كلَّ العون من السلطات.
سكت رقم «صفر» لحظات قال بعدها: لقد توصَّلنا إلى معلومات جديدة بشأن هذا الزعيم المتعدِّد الأرواح، إنه يمتلك مجموعة ضخمة من رجال العصابات المدربين جيدًا والمسلَّحين بشتى أنواع الأسلحة … وهم يحبونه بشكل غريب … الأمر الذي يجعل المغامرة أكثر صعوبة.
فالمعروف أن هؤلاء التجار يكونون بشكل دائم في حالة خوف وترقُّب من الانقلابات التي عادة ما تحدث منهم في صراعهم الدائم على الزعامة، ولكن الأمر يختلف تمامًا بالنسبة لهذا الرجل، لقد استطاع «كلاوس» ترويضَ مَن حوله حتى جعلهم كخاتم صغير في إصبعه، يحرِّكهم كما يحرِّك هذا الخاتم تمامًا … فكونوا في منتهى الحذر وأنتم تتعاملون معه … وصمت رقم «صفر» لحظات غَرِقَت فيها قاعة الاجتماعات في السكون ليقطعه مرة أخرى بصوته العميق قائلًا: سيكون السفر إلى «الأرجنتين» في الساعة السابعة مساء، ولكم مطلق الحرية في اختيار مَن يقوم بهذه المغامرة على ألَّا يزيد عددكم عن سبعة. أما عن تفاصيل السفر فسيكون ذلك في اللقاء الأخير بيننا غدًا … صباحًا، وإلى أن نلتقيَ لَكُم تحياتي.
انصرف رقم «صفر» بعد هذه الكلمات، وعَلِم الشياطين بانصرافه عندما تلاشَت أصواتُ أقدامه من القاعة.
كانت ساعة المقر السري العملاقة تدقُّ لتُعلن عن العاشرة مساء … وهو الموعد الذي ينام فيه الشياطين … فانصرفوا على عجل ورءوسهم تدور بالأفكار والاستفسارات.
عندما اكتمل قرص الشمس في الأفق، كان الشياطين اﻟ «١٣» يقومون بالجري في فناء المقر السري الفسيح، ساعة كاملة قضاها الشياطين في مزاولة تمارين الصباح التي تجعل أجسامهم وذهنهم في حالة نشاط واستعداد دائم، ثم توجَّهوا للسباحة بعدها بحمام السباحة الخاص بهم، وأسرعوا جميعًا مع دقات التاسعة والنصف إلى قاعة الطعام ليتناولوا طعام الإفطار الذي لم يستغرق سوى نصف ساعة.
توافدوا بعدها إلى القاعة الصغرى بالدور الأول للمقر السري … ولم يكادوا يجلسون، حتى سمعوا جميعًا أصوات أقدام رقم «صفر» وهي تقترب من المنصة ذات اللون الداكن.
ألقى عليهم رقم «صفر» تحية الصباح، ثم ضغط على زرٍّ صغير أمامه فأضيئَت الشاشة الفسفورية، شاهدوا من خلالها فيلمًا تسجيليًّا يستعرض معالم «الأرجنتين»، ثم ركَّزَت الكاميرات على منطقة بجنوب «الأرجنتين» تُدعى «سانتا كروث».
تجوَّلَت بعدها الكاميرا في شتَّى أنحاء البلدة واستعرضت الشوارع والمحلات … ثم بعض الأبنية القديمة، وأخيرًا ظهرَت الغابات الشاسعة، ومن بعدها ظهر بعض الرجال على انفراد وأحيانًا أخرى في جماعات، كان من الواضح أن الكاميرا تركِّز على رجل واحد … عرف الشياطين أنه «كلاوس روبيرتو»؛ لأنهم شاهدوا صورته من قبل في الاجتماع العاجل … وانتهى الفيلم بأن توقَّفَت الكاميرا وركَّزَت على وجه «كلاوس» … تحدث أثناءها رقم «صفر» قائلًا: حاولوا التأكد من ملامح «كلاوس» الماكر، بل حاولوا أيضًا رسم صورته في مخيَّلتكم.
كان «كلاوس» وسيمًا إلى حدٍّ كبير، طويلَ القامة، قويَّ الجسد مفتولَ العضلات، حليق الشارب وقد انساب شعرُه الأسود على كتفَيه بصورة لافتة للنظر، وقد لمعت عيناه بالذكاء. انطفأت بعدها الشاشة الفسفورية وخيَّم السكون لحظات على القاعة قبل أن يبدأ رقم «صفر» الحديث … قائلًا: لقد شاهدتم معي هذا الفيلم التسجيلي عن «الأرجنتين»، ولعلكم لاحظتم تركيز الكاميرا على بلدة «سانتا كروث» في الجنوب والتي غالبًا ما يقضي فيها «كلاوس روبيرتو» وقتَه … بل إن معظم نشاطه يتركز في هذه البلدة.
أكمل رقم «صفر» حديثه: إن وجود الغابات بكثافة في هذه المنطقة القريبة جدًّا من المحيط الأطلنطي يجعل الفرصة سانحة دائمًا للاختباء في هذه الغابات أو الفرار بسرعة عند مداهمة المكان أو مهاجمته؛ سواء من قِبَل السلطات «الأرجنتينية» أو من جهة أخرى.
ولعلكم دققتم النظر جيدًا في ملامح «كلاوس» هذا الماكر الذي حيَّر رجال البوليس ورجال مكافحة المخدرات وجعلهم في حالة عجز تام من ملاحقته ومعرفة سر موته وعودته للحياة مرة أخرى.
وأكمل رقم «صفر» حديثَه قائلًا: وإليكم الآن تفاصيل السفر …
ستستقلون الطائرة المتجهة إلى «لندن» في الساعة السابعة مساء اليوم، وهناك ستجدون عميلنا «ستيفن» بانتظاركم، سيتعرف هو عليكم وسيقدم نفسه إليكم، فقط عليكم باتباع الآتي: عند وصولكم «لندن» وفور هبوطكم من الطائرة سيتقدمكم «أحمد» ومن بعدِه «عثمان»، وسيضع «أحمد» في جيب سترته العلوي وردةً حمراء.
سيصحبكم «ستيفن» إلى حيث تقضون ساعات في «لندن» انتظارًا لموعد الطائرة التي ستُقلُّكم إلى «بيونس آيرس» عاصمة «الأرجنتين» في تمام الرابعة صباحًا بتوقيت «لندن».
هناك سوف يختلف الوضع تمامًا … فمجرد وصولكم إلى المطار ستجدون السلطات هناك بانتظاركم وسيصحبكم بعضُ الرجال إلى «سانتا كروث»، وبعدها تنتهي مهمتكم عندما تطلبون أنتم ذلك.
أكرِّر … كونوا في منتهى الحذر؛ فرجال «كلاوس» في منتهى الوحشية وهم لا يتورَّعون في عملِ أيِّ شيء حفاظًا على حياة زعيمهم … والآن، هل قررتم مَن يقوم بهذه المغامرة مع «أحمد» و«عثمان»؟! قال «أحمد»: سيكون معي «فهد»، و«باسم»، و«إلهام»، و«بو عمير»، و«هدى».
قال رقم «صفر»: حسنًا … هل لديكم أية استفسارات أخرى؟
قال «فهد»: لديَّ استفسار واحد، هل نقضي على «كلاوس» إذ لم تُتَح الفرصة للقبض عليه وتسليمه حيًّا؟
ردَّ رقم «صفر»: قد يكون هذا محتملًا يا «فهد»، ولكني أودُّ أن تقبضوا عليه لسببين:
- أولًا: نحن عادة لا نلجأ إلى القتل إلا في الضرورة القصوى.
- ثانيًا: إن القبض على «كلاوس» وتسليمه حيًّا … يُتيح لنا جميعًا معرفةَ لغزِ موته مرتين ثم عودته مرة أخرى … في نفس الوقت الذي سيساعدنا فيه للقضاء على أفراد عصابته الخطيرة، ونكون بذلك قد قضينا على أكبر بؤرة تُصدِّر المخدرات لبلداننا العربية … ثم ختَم رقم «صفر» حديثَه قائلًا: لتنصرفوا الآن لتجهيز أنفسكم للسفر … وإلى أن نلتقيَ أتمنى لكم التوفيق في مغامرتكم الصعبة إن لم تكن المستحيلة.
سَمِع بعدها الشياطين صوتَ أقدام رقم «صفر» وهي تبتعد … فأسرعوا باتجاه غُرَفهم، وبدءوا في تجهيز أنفسهم لمغامرة «الأرجنتين» وكشف حقيقة «كلاوس» … الرجل المتعدِّد الأرواح.
كانت الساعة تُشير إلى الخامسة مساء حين أتمَّ الشياطين استعدادَهم للسفر … كانت المجموعة المسافرة «أحمد» و«عثمان» و«فهد» و«باسم» و«إلهام» و«هدى» و«بو عمير» … قد ارتدَت زيًّا موحدًا، وكأنها فريق رياضي في لعبة جماعية، ولم تكَد الساعة تقترب من السابعة حتى سَمِعوا جميعًا صوتَ بوق السيارة الميكروباص المجهزة تنطلق أمام بوابة الكهف السري العملاقة، وسرعان ما فتحت البوابة الصخرية لتعبُرَ السيارة ثم تتوقف أمام الشياطين الذين سارعوا بالصعود إليها بعد أن ودَّعوا زملاءهم وقد ارتسمَت على وجوه الجميع علاماتُ السعادة المشوبة بالترقُّب.
دار محرك السيارة، بعدما انغلق بابها الأوتوماتيكي وانطلقَت لتعبُرَ البوابة الصخرية التي انغلقَت على الفور خلفها … وأسرعَت السيارة باتجاه المطار.
كان المطار هادئًا حين توقفَت سيارة الشياطين الميكروباص، دقائق سريعة مرَّت … غادر بعدها الشياطين أماكنهم، واتجهوا إلى الطائرة العملاقة، وسرعان ما صعدوا سلالمها، ودوَّى صوت ميكرفون المطار ليُعلن عن موعد الرحلة إلى «لندن» … تحرَّكَت بعدها عجلات الطائرة ودار محرِّكُها العملاق وأخذَت تتحرك ببطء على الممر الطويل، وازدادَت سرعتُها تدريجيًّا ثم تركَت عجلاتها الممر لتسبح الطائرة في الفضاء قبل أن تختفيَ تاركةً وراءها أزيزها العملاق ليبدأ الشياطين رحلتَهم الصعبة نحو اكتشاف لغز ملك المخدرات «كلاوس روبيرتو» أو الرجل المتعدِّد الأرواح.