مواجهة مع الموت!
كانت المفاجأة التي ألقاها الجرسون ويُدعى «كوتشيا» في وجه الشياطين مرعبة … فصاحب الرسائل هو مدير الفندق نفسه، الأمر الذي يزيد المهمة صعوبة.
كان «أحمد» مستغرقًا في التفكير، بينما جلس بقية الشياطين في ذهول تام، وحلَّق الصمت في أجواء الغرفة ولم يقطعه سوى صوت عقرب الساعة الحائطية وهو يهتز في رتابة وبانتظامٍ مملٍّ.
قال «أحمد» وهو ينظر للشياطين: إن الأمر صار في منتهى الصعوبة وفجأة سكت «أحمد» مع رنين الهاتف لأول مرة منذ حضورهم إلى «الأرجنتين».
حيث كان المتحدث رجلًا ذا صوت أجش … قال بكلمات مختصرة: غرفة الأصدقاء؟ ناولَت «إلهام» سماعة التليفون ﻟ «أحمد» الذي صاح بالإنجليزية: أصدقاء مَن؟ فقال المتحدث: أصدقاء السفر والترحال. ثم ضحك بصوتٍ عالٍ اهتزَّت لضحكاته سماعةُ التليفون.
قال «أحمد»: مَن أنت؟ وماذا تريد بالضبط؟ فقال الرجل بلهجة تحذيرية: اسمع أيها الصبي، إنكم أطفال صغار، وإنني مُشفق عليكم … عودوا من حيث أتيتم … وأكمل الرجل: فربما عاد صديقكم معكم … وإلا … وسكت لحظات قال بعدها: وإلا ستبقون معنا للأبد ولكن في عالم آخر.
قال «أحمد»: إنني لا أعرف ماذا تقصد بالتحديد؟ فقال الرجل: اسمع أيها الفتى، ليس لديَّ وقتٌ لأُضيعَه معك … إن صديقكم بذكائه الحاد أتعبنا. ولكننا لا نهتم كثيرًا بصغار السن؛ فيمكننا وبسهولة القضاء عليكم جميعًا وأنتم في غُرَفكم … ولكننا نُشفق عليكم وعلى أُسَركم، ثم أطلق ضحكة أخرى … قال «أحمد»: وماذا تريد بالضبط؟ قال الرجل: برافو، لقد بدأت الفهم الآن … سأعطيك دقيقة تتحدث فيها مع صديقك بعدها سأقرر ماذا أريد.
سمع بعدها «أحمد» صوتَ «بو عمير»، كان صوته خافتًا كأنه يصدر من مريض. قال بكلمات مختصرة: لا فائدة، سافروا … عودوا إذا كنتم تريدون عودتي، وانقطع الصوت … وعاد صوت الرجل من جديد … قال مخاطبًا «أحمد»: هل سمعت ما قاله صديقُك جيدًا … على كل حال سأكرِّر ما قاله: عودوا من حيث أتيتم … وانقطع الصوت … ألقى «أحمد» السماعة بعصبية، ثم انهار على أقرب كرسي، وظل صامتًا. قال بعدها مخاطبًا الشياطين: «بو عمير» تحدَّث إلينا يطلب منَّا الرحيل.
قالت «إلهام»: من الواضح أنه تعرَّض لعملية تعذيب وحشية.
قال «أحمد»: بل من المؤكد أنه لُقِّن هذه الكلمات تحت تهديد السلاح.
قال «عثمان»: ماذا نحن فاعلون الآن؟
أجاب «فهد» على تساؤل «عثمان» قائلًا: لم يَعُد أمامنا سوى مدير الفندق.
قالت «هدى»: قد لا يساعدنا، وهذا هو المرجح.
قال «أحمد»: ليس أمامنا سواه، وسنجعله يتحدث ويساعدنا رغمًا عنه.
فَهِم بعدها الشياطين ماذا يقصد «أحمد».
كان الليل يقترب من منتصفه حين هبط الشياطين تباعًا لمراقبة مدير الفندق.
كان رجلًا طويلَ القامة لا يأتي الفندق إلا ليلًا لبضع ساعات ثم يغادره بصحبة حارس عملاق لا يفارقه لحظة … وكان مكتبه بالدور الأول من الفندق، وهو يطلُّ على حديقة واسعة بأسفله، وللمكتب سُلَّم خارجي يمكن استعماله عند الضرورة.
كانت حركة الفندق قد هدأَت مع الليل البارد الذي هاجم «بيونس آيرس»، هذه الليلة فخفتَت الأصوات وهدأَت حركة رواد الفندق وزوَّاره.
أشار «أحمد» ﻟ «فهد» و«باسم» بالتحرك ليكونوا بجوار السُّلم الخلفي، بينما يبقى هو و«عثمان» في مواجهة الباب الأمامي للمكتب.
تقدَّمت «إلهام» بصحبة «هدى» إلى الحارس الجالس أمام المكتب، وكان طويل القامة مفتول العضلات، وكان شعر جسده الكثيف يغطي رقبته وذراعَيه القويتَين … فتقدمَت «إلهام» حتى وقفت أمامه، وقالت بلهجة رقيقة: أريد مقابلة المدير. فابتسم الحارس وهو يداعب شعر رأسه الغزير … وأجاب: بمفردك؟! وأشار ناحية «هدى».
ابتسمَت «هدى» في نفس الوقت الذي دخلت فيه «إلهام» المكتب، وقفت «هدى» لحظات تتحدث مع الحارس العملاق قبل أن يهويَ جسده الضخم فوق الكرسي … تقدَّم بعدها «أحمد» و«عثمان» وحملَا الحارس إلى دورة المياه حيث كان راقدًا بلا حراك … وعادوا بسرعة ليجدوا «إلهام» تخرج من المكتب، وهي تُشير بعلامة معناها أن كل شيء على ما يرام … دخل «أحمد» و«عثمان» مكتب المدير بينما بقيَت «إلهام» و«هدى» خارجه للمراقبة.
كانت المهمة الأصعب التي تنتظر الشياطين هي كيفية استجواب «كالديرو» مدير الفندق، ساعة كاملة استغرقها الشياطين لإفاقة «كالديرو» من المخدِّر القوي الذي استعملَته «إلهام» معه، وكذلك «هدى» مع الحارس العملاق … أخذ «كالديرو» يفرُك عينَيه ويتثاءب ثم حملق في الشياطين وفي المكان قبل أن ينطق بكلمة واحدة … قال: ماذا حدث؟ … ثم أكمل: مَن أنتم؟! وأين أنا؟!
فقال «كالديرو» عندما اقتربَت فوهة المسدس الذي يمسكه «باسم» من عينيه: سأتكلم … إنه بعيد عن هنا بعيد جدًّا … قال «أحمد»: أليس في هذا العالم. فقال «كالديرو»: نعم، ولكنكم لن تستطيعوا … فصاح «فهد» فيه، وهو يضع فوهة مسدسة في رأسه.
قال «كالديرو» وقد شعر بجدية الشياطين: إنه بقلعة في «سانتا كروث» بغابة الوحوش، ثم أكمل «كالديرو»، هل ستقتلون «كلاوس»؟ ثم سكت على نحو مفاجئ.
قال «أحمد» بلهجة صداقة: نعم سنخلِّصك منه فقط دلَّنا على مكانه … فضحك «كالديرو» ضحكةً أشبه بضحكة الموت، وقال: «كلاوس» لا يستطيع أحد قتلَه.
فقال «أحمد»: لو تعاونت معنا سنخلِّصك منه تمامًا.
قال: «كالديرو»: ولماذا ستقتلونه … وأكمل هل خانكم كما يفعل دائمًا في صفقاته؟
قال «أحمد»: هذا ما حدث بالضبط …
فقال «كالديرو»: ولكنكم لن تستطيعوا … وهذا معناه أنكم ستدفعون الثمن غاليًا وأنا كذلك.
فقال له «أحمد»: تعاونْ معنا وسترى.
فقال «كالديرو»: سأذهب معكم إلى «سانتا كروث»، وسأدلكم على المكان على أن تتركوني وشأني. فقال له «أحمد»: وهو كذلك.
فقال «كالديرو»: أتعدُني بذلك، ومدَّ يدَه مصافحًا «أحمد». فوضع «أحمد» يدَه بيد «كالديرو» ليعطيَه الوعد!
ذهب بعدها «فهد» لقيادة سيارة «كالديرو» الأمريكية، وهي من طراز «البونتياك» ذات المحرك القوي، وطلب «أحمد» من «كالديرو» سيارة أخرى.
وانطلقوا جميعًا على «سانت كروث».
كان «كالديرو» يجلس بجانب «أحمد» في المقعد الخلفي لسيارته الأمريكية العملاقة، بينما كان «باسم» يتولَّى القيادة، وكانت «إلهام» و«هدى» بجانب «أحمد».
قال «كالديرو» وهو ينظر ﻟ «إلهام» والعربة تنطلق في طريقها إلى «سانتا كروث» تتبعها عن قرب السيارة التي يقودها «فهد» ومعه «عثمان» … ماذا فعلتِ معي أيتها الحسناء … وأكمل: إنني للآن لا أتخيل ما حدث، ولعلني في حلم مزعج.
قال «أحمد»: سوف تنتهي كلُّ أحلامك المزعجة قريبًا.
فقال «كالديرو»: وقد أنتهي أنا أيضًا!
كانت السيارة الأمريكية العملاقة تطوي الأرض باتجاه «سانتا كروث» مع اقتراب الساعات الأولى للفجر الذي لاح بضوئه. قال «كالديرو»: فلنتوقف هنا … ثم أشار من نافذة السيارة إلى طريقٍ فرعي ضيِّق وصاح: هذا الطريق سيؤدي بكم إلى غابة الوحوش، وإذا استطعتم عبورَها فستصلون إلى قلعة الموت؛ فلم يدخلها أحد وخرج منها حيًّا.
قال له «أحمد»: وهل دخلتَها من قبل؟
أجاب «كالديرو» مرة واحدة.
قال له «أحمد»: فلتدخلها مرة ثانية.
قال «كالديرو»: لقد وعدتني.
قال «أحمد»: وأنا عند وعدي وليس لدينا الآن وقتٌ للنقاش.
قال «كالديرو»: أعرف أن نهايتي قد اقتربت … وأشار ﻟ «باسم» بالسير في الطريق الفرعي المؤدي إلى غابة الوحوش.
عندما اقتربت السيارة التي يقودها «باسم» وخلفها السيارة التي يقودها «فهد»، أشار «أحمد» ﻟ «باسم» أن يُطفئَ النور، وتَبِعه على الفور «فهد»، فأطفأ هو الآخر الأنوار … كانت السيارتان تقتربان من بوابة ضخمة من الصخر؛ ولشدة ما كانت دهشة الشياطين أن البوابة قد انفتحت بمفردها أتوماتيكيًّا … وظهر أمامهم مجموعة من الحراس يرتدون ملابس غريبة … انحنوا أمام السيارة الأولى، وكأنهم يؤدون التحية.
قال «كالديرو»: فلتأذنوا لي بالهبوط، وتوقَّفت كلماتُه عندما شعر بفوهة المسدس التي اندسَّت بجانبه. وقال «أحمد» ﻟ «باسم»: تقدَّم يا «باسم» … وسرعان ما توغَّلت السيارة داخل غابة الوحوش، لم يكن هناك أيُّ أثر لوحوش، بل كان هناك قصر كبير مشيَّد بطريقة غريبة فهو كثير الأبواب والنوافذ.
قال «أحمد» ﻟ «كالديرو» وهو يشير باتجاه القصر … أين الوحوش؟! وما هذا القصر؟ وضغط على زناد المسدس.
قال «كالديرو»: مَن أنتم؟ وماذا تريدون بالضبط؟
واندفع «كالديرو» هاربًا من السيارة التي توقَّفت، ومن خلفها السيارة التي يقودها «فهد»، وفجأة، دوَّت الأعيرة النارية، وتحولت الغابة إلى كتلة من اللهيب.
تفرَّق الشياطين بسرعة واختبئوا خلف الأشجار، في نفس الوقت الذي فُتحت فيه نوافذ وأبواب القصر وانطلقَت مجموعة من الحراس بملابسهم الغريبة التي تُشبه أشكالًا مختلفة من الحيوانات.
وعمَّت الفوضى المكان لحظات سَمِع خلالها الشياطين مكبر الصوت الذي يدعوهم لتسليم أنفسهم؛ فالمكان محاصر بمجموعة كبيرة من الحراس الذين انتشروا في جميع أرجاء الغابة.
خرج «فهد» و«إلهام» و«هدى» من مخابئهم خلف الأشجار، ورفعوا أيديَهم علامة الاستسلام، فاندفع الحراس ناحيتهم للقبض عليهم في نفس الوقت الذي سمعوا فيه صوتًا آخرَ يأمرهم بأن يتركوهم.
أطاع الحراس الأمر الصادر إليهم … فهم يعرفون الصوت جيدًا.
كان «أحمد» في تلك الأثناء قد تسلَّل إلى داخل القصر الكبير — في الوقت الذي عمَّت فيه الفوضى المكان — واستطاع «أحمد» بمعاونة «باسم» من معرفة غرفة التحكم الذي ينطلق منها الصوت، كان «كالديرو» هو الذي يجلس خلف المكبر ويُلقي التعليمات، وقد تملكه الرعب حين رأى «أحمد» و«باسم» وهما يشهران المسدسات في وجهه ويرغمانه على إلقاء الأوامر كما يريدان.
كانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد.
ﻓ «كالديرو» مدير الفندق هو نفسه «كلاوس روبيرتو»، وهذا هو سرُّ أن فتحت البوابة الصخرية بمفردها … فغابة الوحوش مزودة بشبكة إرسال داخلية رأى من خلالها الحراس الزعيم «كلاوس»، ففتحوا البوابة الصخرية وأدوا التحية للزعيم.