ترانز أوشن!
أُضيئت الأنوارُ الحمراء كلُّها مرة واحدة في غُرَف الشياطين اﻟ «١٣» في موعد النوم تمامًا … وكان ذلك شيئًا مدهشًا ومثيرًا للتساؤل … ولكنهم جميعًا وحسب تعليمات محددة يعرفونها جيدًا قفزوا إلى ملابسهم … ثم قفزوا إلى الدهاليز المؤدية إلى قاعة الاجتماعات الكبرى … وزاد من دهشتهم أن وجدوا رقم «صفر» قد سبقهم إلى قاعة الاجتماعات … وبمجرد أن جلسوا قال رقم «صفر» على الفور: إنني أريدكم أن تستعدوا للسفر في خلال ساعة من الآن!
وصمتَ قليلًا ثم قال: إن حادثًا خطيرًا قد وقع جعل المقرَّ السريَّ هدفًا واضحًا لمنظمة مجهولة تريد القضاء علينا … لقد رصدَت أجهزةُ الإنذار المبكر في المقرِّ السريِّ مرورَ طائرة على ارتفاع كبير فوق المقرِّ … وكما تعرفون أن الطائرات التجارية، أو طائرات الركَّاب تسير في مسارات محددة في السماء، تمامًا كمسارات وطُرُق السيارات على الأرض … وهي مسارات متفق عليها عالميًّا حتى لا تصطدمَ الطائراتُ في الجو، وهو ما يحدث نادرًا.
وفي نفس الوقت تكون الطائرة قريبة من عدد من المطارات في حالة اضطرارها للهبوط. وقد اخترنا هذا المقرَّ بعيدًا عن جميع المسارات حتى لا يعرفَ أحدٌ مكانه … ولكن هذه الطائرة جاءت مرة في الصباح، ووضعنا تقديرًا أنها ربما ضلَّت الطريق … ولكنها عادَت منذ دقائق، وفي الأغلب أنها جاءت أولًا للاستكشاف، ثم جاءت مرة أخرى للتصوير … والتصوير الليلي كما تعرفون، يتم بالأشعة تحت الحمراء، ولا يقل دقةً عن التصوير النهاري …
وصمت رقم «صفر» وتنهَّد وهو يقول: معنى ذلك أن هناك فيلمًا قد التُقِط للمَقرِّ … وأن هذه الطائرةَ تَحْمله الآن إلى منطقة معادية قد تُهاجمنا في أيِّ وقت … لقد اتصلنا بجميع عملائنا في مختلف بلاد العالم لمحاولة معرفةِ ما خلف هذه الطائرة من أسرار، ولعل أحدَهم يُوفَّق إلى معرفة مكان هبوطها … ولكن في العالم آلاف المطارات، ومن الصعب جدًّا العثور على هذه الطائرة … ولكن مما يضيِّق نطاق البحث قليلًا أن المنظمات الإجرامية التي تملك طائرة من هذا النوع قليلة … ومما يساعدنا أيضًا أنها طائرة صغيرة، ومثل هذا النوع من الطائرات لا يطير أكثر من ثلاث ساعات متصلة؛ لأن الوقود يكفيها خمس ساعات فقط … ولا بد من الإبقاء على وقود يكفي للطيران ساعتين لأيِّ ظرف اضطراري … وقد طلبتُ من عملائنا في منظمة البحر المتوسط أن يركِّزوا على مطارات «قبرص»، و«أثينا»، و«بيروت»، و«صقلية»، و«مالطة»، وهي جميعًا مطارات تَصِل إليها الطائرة في خلال ساعتين إلى ثلاث ساعات.
قالت «إلهام»: ولماذا لا يبحثون في مطارات عربية قريبة؛ مثل: «القاهرة»، و«بنغازي»، و«تونس»، وغيرها؟
رقم «صفر»: لا أظن أنهم يغامرون بالنزول في مطار عربي؛ لأنهم يعرفون أننا عرب … ثم إن الطائرات الخاصة التي تهبط في المطارات العربية قليلة ويمكن رصدها بسهولة …
أحمد: ألم تَقُم أجهزة التصوير بتصوير الطائرة؟
ردَّ رقم «صفر»: هذا سؤال هام … لقد قمنا بتصويرها فعلًا، ولكن الصور على هذا البعد لطائرة متحركة لا تأتي بالوضوح الكافي … ولكن خبراء التصوير عندنا يقومون بتكبير الصور عشرات المرات حتى يمكن تحديد نوع الطائرة أو أية علامات تكون عليها، فهذا سيساعدنا كثيرًا؛ لهذا طلبت منكم الاستعداد للسفر خلال ساعة … لأن خبراء التصوير سيقدمون ملفًّا بالصور والمعلومات خلال ساعة.
أحمد: إننا سنُقسَّم إلى مجموعات صغيرة حتى يمكن تغطية المنطقة.
رقم «صفر»: طبعًا … فليكن كلُّ ثلاثة معًا.
أحمد: سنقوم بالتقسيم بعد انتهاء الاجتماع، ونستعد للسفر بمجرد وصول الصور.
رقم «صفر»: ربما تأتي معلومات من عملائنا لتحديد المكان الذي نزلت فيه الطائرة.
أحمد: من الأفضل أن نسافر … على أن يتولَّى المقرُّ السريُّ إخطارَنا بما يُستجد من معلومات.
رقم «صفر»: على بركة الله.
خرج رقم «صفر» بخطواته الثقيلة المعهودة … وعقَد الشياطين اجتماعًا لتوزيع المهام … وتم الاتفاق على سفر مجموعة الفتيات «إلهام»، و«هدى»، و«زبيدة»، و«ريما» إلى «أثينا»، ويسافر «أحمد»، و«عثمان»، و«رشيد» معًا … ويسافر «بو عمير»، و«مصباح»، و«خالد» معًا، ويسافر «قيس»، و«باسم»، و«فهد» معًا …
اختار «أحمد» جزيرة «صقلية»، موطن عصابات «المافيا»، للذهاب مع «عثمان» و«رشيد»، لقد رجَّح أن تنزل الطائرة هناك؛ حيث يمكن إخفاؤها عن العيون … على أن تسافر مجموعة «بو عمير» إلى «قبرص»، ومجموعة «قيس» إلى «مالطة».
وأسرع الشياطين لإعداد ملابسهم للسفر … وأصبح المقرُّ السريُّ كخلية النحل … وبعد ساعة كان كلُّ واحد من الشياطين يجري في اتجاه صالة العرض الملحقة بقسم التصوير … وجلسوا في الصالة الصغيرة، ثم عمَّ الظلام بعد إطفاء الأنوار … وظهرت على شاشة العرض صورةٌ لشيء يُشبه الذبابة … أخذ يكبر تدريجيًّا حتى أخذ صورة طائرة … ولكن صورة مشوهة كأنها صُنعت من خيوط العنكبوت … وأخذ رئيس المصورين يشرح:
هذه هي صورة الطائرة التي مرَّت ليلًا على المقرِّ السريِّ … ونعتقد أنها قامت بتصويره … إن هذا الهيكل يؤكِّد أنها طائرة مائية … ونرجِّح أنها من طراز «هنكل» أو «كرافيل»؛ فهما يتشابهان في خطوط كثيرة … وعلى جانب الطائرة كما ترَون دائرة يخترقها سهمٌ … وهي علامة الطائرة … وقد بحثنا في السجلات لنعرف إلى أيِّ شركة تنتمي … لأن هذه الشارات تُسجَّل دوليًّا … وقد وجدنا أنها علامة لشركة نقل تسمَّى «ترانزأوشن» مسجلة في «لكسمبورج»، وهذه هي كل المعلومات التي حصلنا عليها.
وصمت كبير المصورين ثم قال: هل من أسئلة؟
عثمان: مثل هذه الطائرات على ما أعتقد ليست مؤهلة للتصوير الليلي … فهذا فقط في الطائرات الحربية.
المصور: هذا صحيح … وهي نقطة يَرِد عليها كبيرُ المهندسين.
تحدَّث رئيس المهندسين قائلًا: إن تركيب أجهزة التصوير على الطائرة ليس مهمة صعبة.
عثمان: وما مدى طيران هذا النوع من الطائرات؟
كبير المهندسين: ثلاث ساعات طيران … وساعتان للاحتياط.
وصمت الجميع؛ فلم يكن هناك أسئلة أخرى، ولكن «أحمد» طلب من كبير المصورين تزويدَ كلِّ مجموعة من الشياطين بصورة للطائرة …
وانفضَّ الاجتماع … وبعد دقائق كانت أربع سيارات من طراز «مرسيدس» (٤٨٠س)، تحمل الشياطين إلى أقرب مطار من المقر السري، استعدادًا للرحلة المجهولة للبحث عن الطائرة … وكان لديهم تعليمات من رقم «صفر» بعدم الحديث عن الموضوع حتى مع عملائه.