البطة الزرقاء!
عندما هبطت الطائرة التي تُقِلُّ «أحمد»، و«عثمان»، و«رشيد» في مطار «باليرمو» عاصمة «صقلية» كان الجو عاصفًا ومطيرًا، وكان الهبوط خشنًا وارتجَّت الطائرة، وكادت تنزلق، ولكن وقفت في النهاية بسلام في نهاية الممر …
نزل الشياطين الثلاثة من الطائرة، وهم يتوقعون مقابلةَ «ماشيتو» عميل رقم «صفر» في المطار … ولكنهم مروا بجميع الإجراءات حتى وصلوا إلى الشارع دون أن يتقدَّم منهم أحد … ولكنهم عندما وصلوا إلى موقف السيارات توقَّفت بجوارهم سيارة ونظر السائق إليهم وقال: إذا كان معكم البطة الزرقاء فإنني سأدفع فيها ثمنًا طيبًا.
وكانت البطة الزرقاء هي كلمة السر، وردَّ «رشيد»: إن البط الأزرق نادر هذه الأيام.
قال السائق: اركبوا وسنبحث عن مزيد من البط.
وقفز الثلاثة إلى السيارة، وقال الرجل: محسوبكم «ماشيتو»، وعندي تعليمات أن أكون في خدمتكم.
أحمد: إن ما نريده هو المعلومات.
ماشيتو: إنني رهنُ إشارتكم.
أحمد: هل يمكن زيارة شركة «ترانزأوشن»؟
اهتزت عجلة القيادة في يد «ماشيتو» لحظةً كأنه سمع اسم الشيطان، ولكنه تمالك أعصابه، وقال: ولماذا «ترانزأوشن»؟
كاد «عثمان» يردُّ، ولكن «أحمد» أمسكه من ذراعه … وقال: هل استأجرت لنا مكانًا للإقامة؟
ماشيتو: نعم … حسب التعليمات يجب أن يكون مكانًا معزولًا ويمكن الدفاع عنه.
أحمد: شيء غريب هذا المطر … فنحن تعلَّمنا أن الأمطار نادرة في «صقلية»!
ماشيتو: حقيقةً هذا شيء مدهش، وسوف يسعد الناس كثيرًا بهذا المطر؛ فمشكلة نقص المياه مشكلة خطيرة في بلاد تعتمد على الزراعة.
أحمد: وعلى صناعة السفن.
ماشيتو: إن معلوماتك عن بلادنا لا بأس بها.
أحمد: وتصنيع الغذاء، خاصة السمك و«التونة»، وهما الطعام الأكثر انتشارًا هنا.
ماشيتو: إنك مدهش جدًّا يا عزيزي الشاب.
وساد الصمت لحظات ثم عاد «ماشيتو» للحديث، وسأل: لقد كنت تسألني عن شركة «ترانزأوشن»؟
أحمد: إنني ما زلت أسأل؟
ماشيتو: نادرًا ما يسألني أحد عن هذه الشركة؟
أحمد: ها نحن قد سألنا عنها.
ماشيتو: عظيم … ولكن لماذا؟
أحمد: إننا نريد استئجار طائرة نقل، عندما تكون عندنا بضاعة نريد نقلها.
ماشيتو: هناك شركات أخرى كثيرة … اتركوا لي البضاعة وسوف أتولَّى نقلها.
أحمد: لقد أوصى صديقٌ لنا بهذه الشركة … وكل ما نطلبه منك أن تدلنا عليها.
ماشيتو: إن عددًا قليلًا جدًّا من الناس مَن يعرف هذه الشركة «ترانزأوشن» … فهي شركة صغيرة جدًّا … ولا أهمية لها.
أحمد: دَعْنا من حجمها … نريد أن نعرف أين مقرُّها.
ضحك «ماشيتو» وقال: هل البضاعة من نوع خاص؟
أحمد: ماذا تقصد؟
ماشيتو: من النوع الذي لا يمرُّ من الجمارك؟
أحمد: ربما.
ساد الصمت السيارة، وهي تقطع طريقها بصعوبة وسط الأمطار الغزيرة، حتى أشرفت على خليج صغير تحت تلٍّ مرتفع … وأشار «ماشيتو» إلى الخليج الصغير قائلًا: هذا أجمل مكان على الشاطئ.
أحمد: نشكرك كثيرًا … متى نحصل على المعلومات … وعلى الأسلحة؟
ماشيتو: ليس هناك مشكلة في الأسلحة؛ ففي عاصمة «المافيا» أرخص شيء هو السلاح.
أحمد: والمعلومات؟
ماشيتو: أيُّ نوع من المعلومات؟
أحمد: كلُّ المعلومات … ما هو نشاط الشركة، وما هي سُمْعتها؟ مَن الذي يعمل فيها … مقرُّها.
ماشيتو: سأتجول غدًا للبحث عن هذه المعلومات، وسوف أتصل بك في المساء.
أحمد: هل يوجد في الفيلا سيارات؟
ماشيتو: نعم … هناك سيارة جيدة من طراز «لامبورجيني».
توقَّفت السيارة عند باب فيلَّا صغيرة، مبنية بالحجر الأبيض، وأسرع الشياطين الثلاثة يغادرون السيارة، وقال «أحمد»: اتصل بنا بأسرع ما يمكنك.
وأدار «ماشيتو» السيارة عائدًا وهو يلوِّح بيده قائلًا: نعم … بأسرع ما يمكن.
أسرع «أحمد» إلى خارج الفيلَّا، وأدار السيارة ثم قال: تعالَ معي يا «عثمان» … أما «رشيد» فعليك بالانتظار هنا.
رشيد: ماذا حدث؟
أحمد: ستعرف فيما بعد.
قفز «عثمان» بجوار «أحمد» الذي أدار السيارة وأسرع بها عائدًا … كانت أنوار سيارة «ماشيتو» واضحة في الليل وفي الطرق العالية فوق التلال، وأخذ «أحمد» يتبعها دون أن يضيء سوى الأنوار الصغيرة حتى لا يراه «ماشيتو».
قال «عثمان»: ما هي الحكاية؟
لم ينطق «أحمد» بحرف، وأشار ﻟ «عثمان» أن يسكت، ثم قام بتفتيش تابلوه السيارة بأصابع مدرَّبة، وأشار ﻟ «عثمان» أن يفتِّش الباب بجواره، وعثر «عثمان» على سلك رفيع في جيب الباب …
أخذ «عثمان» يحدِّث «أحمد» بالإشارات دون أن يتحدث … كطلب «أحمد»، وفهم «أحمد» من إشارات «عثمان» بوجود السلك، فمالَ عليه وهمس في أذنه: إن السيارة بها جهاز تسجيل يقوم بتسجيل جميع ما نقوله.
همس «عثمان» في أُذُنِ «أحمد»: ولكن لماذا؟
عاد «أحمد» يهمس في أُذُنِ «عثمان»: هناك احتمالان لا ثالث لهما … هذا الرجل إما أنه ليس «ماشيتو» عميل رقم «صفر» … أو أنه «ماشيتو» ولكنه يخوننا!
ثم رفع «أحمد» صوتَه قائلًا: إن «ماشيتو» رجل طيب … إنه سوف يخدمنا حقًّا.
وتحدث «عثمان» بصوت مرتفع أيضًا: المهم أن تَصِل البضاعة إلى العميل، وإلَّا ساءت سمعتُنا.
أحمد: إنهم في هذه الشركة لا يُدقِّقون كثيرًا في نوع البضاعة وأتوقَّع أن نعقد معهم صفقة طيبة.
كانت سيارة «ماشيتو» ما زالت منطلقة بين التلال والمرتفعات، ثم أخذت تدخل المدينة، وأخذ «أحمد» يقترب بحذر، ولكن «ماشيتو» اتخذ طريقًا دائريًّا حول «باليريمو»، وعاد يأخذ طريق الساحل مرة أخرى.