قصر الأسرار!
وصل «ماشيتو» إلى سور مرتفع، ووقف أمام باب في هذا السور، وأضاء أنوار سيارته ثلاث مرات متقطعة، وفي لحظات انفتح الباب ومرقت السيارة …
أوقف «أحمد» السيارة «اللامبورجيني» السريعة خلف أشجار الزيتون المنتشرة بكثرة على التلال، ثم أشار ﻟ «عثمان» أن يتبعه …
سار «أحمد» وبجواره «عثمان» حتى وصلَا السور، وأخرج «أحمد» من جيبه مُفكًّا صغيرًا وضعه على السور ثم همس: «السور مكهرب».
أخذ «أحمد» و«عثمان» يطوفان بالسور حتى وجدَا شجرة عالية صَعِداها معًا، ثم اختارَا غصنًا قريبًا من السور، وتسلَّقه «أحمد» ثم هزَّه قليلًا ليتأكد من متانته، ثم وقف عليه ممسكًا بالأغصان الأخرى، ثم هزَّ نفسه صاعدًا هابطًا، وقذف بنفسه من فوق السور فسقط في الجانب الآخر منه … وتبعه «عثمان» على الفور …
كان الظلام كثيفًا في الحديقة الواسعة التي كانت أشبهَ بالغابة … وكانت ثمة أضواء خافتة تبدو من بعيد في الظلام، كأنها أضواء فراشات فوق الأغصان …
واتجه «أحمد» و«عثمان» إلى هذه الأنوار البعيدة، وشيئًا فشيئًا شاهدَا بناءً ضخمًا، ويبدو أنه أحدُ القصور القديمة المنتشرة في «باليرمو» … وسمعَا من بعيد أصواتَ كلاب وحشية تنبح بشدة …
قال «أحمد»: الكلاب … هذه هي المشكلة.
عثمان: لقد أحضرت معي الكبسولات المنومة … ولكنها ليست معي الآن.
أحمد: لست في حاجة إليها الآن … سنحاول جمْعَ أكبرِ كمية من المعلومات عن المكان ثم نعود … فليست معنا أسلحة أيضًا.
اقترب «أحمد» و«عثمان» قدر الاستطاعة من القصر … وشاهدَا بجوار القصر ما يُشبه منارة تُطلق ضوءَها على مياه البحر كل دقيقة … وعلى ضوء المنارة شاهدَا القصر بقدر أكبر من الوضوح، وشاهدَا عددًا من السيارات واقفة في ساحة القصر …
كانت الريح تهبُّ من ناحية القصر في اتجاههما، فقال «عثمان»: لحسن الحظ أن الرياح لا تهبُّ من ناحيتنا وإلَّا شمَّت الكلاب رائحتنا.
أحمد: هذا ما دفعني إلى الاقتراب.
وظل «أحمد» و«عثمان» يسيران بين الأشجار المتكاثفة دون أن يحدث شيء … وفجأة في الظلام، بدَا شيء يلمع من بعيد وينطفئ … شيء في القصر يبدو من خلف النوافذ والستائر.
عثمان: ما هذا؟
أحمد: أظنها تجارب تتم في معمل كيميائي.
عثمان: إنه قصر الأسرار.
أحمد: في عاصمة المافيا هناك آلاف الأسرار.
واقتربَا أكثر، ولكنهما في هذه المرة سمعَا نباحَ كلب … وأسرع «أحمد» و«عثمان» بالعودة … لم تكن الفرصة ملائمة للاصطدام خاصة وأنهما يريدان معرفة ماذا سيفعل «ماشيتو» بالداخل.
عاد «أحمد» و«عثمان» إلى السور، وقفزَا بواسطة الغصن، وقبعَا في الظلام حتى خرجت سيارة «ماشيتو» مرة أخرى. وانتظر «أحمد» حتى ابتعدت السيارة، ثم أطلق لسيارته «اللامبورجيني» العنانَ، وسرعان ما كانَا في قلب المدينة مرة أخرى … وعادت الأضواء تلمع، وشاهدَا سيارة «ماشيتو» تدخل أحدَ الشوارع الضيقة وتختفي فيها … ولكنهما فضَّلَا العودة.
لم يتحدَّثَا في السيارة بعض الوقت ثم قال «أحمد» بصوت مرتفع: رحلة ممتعة على شاطئ البحر في هذا الصباح.
أدرك «عثمان» أن «أحمد» يريد التمويهَ على مَن سيسمع الشريط، فقال: انظر إلى لون البحر؟
ردَّ «أحمد»: إنه بلون الزمُرُّد.
عثمان: إذا وفقنا في عقد هذه الصفقة، فسوف نقضي إجازة طويلة في الجزيرة.
أحمد: طبعًا، المهم أن تَصِلنا البضاعة في موعدها، ثم نُوفَّق في استئجار الطائرة.
عثمان: لماذا شركة «ترانزأوشن» … لماذا لا نتعامل مع شركة أخرى؟
أحمد: لأن شركة «ترانزأوشن» تعمل في مثل هذه الصفقات، دون أن تسأل عن نوع البضاعة.
عثمان: لا بد أنها تتقاضى أجرًا باهظًا.
أحمد: بالطبع.
كانَا قد اقتربَا من الفيلا الصغيرة، فكفَّا عن الحديث … وأوقف «أحمد» السيارة في الجراج، ثم دخلَا حيث كان «رشيد» ما زال في الانتظار …
أشار له «أحمد» بأصبعه ألَّا يتحدث، ثم قام الثلاثة بإشارة من «أحمد» بالبحث الدقيق، واستطاعَا الوصول إلى ميكروفون دقيق موضوع في النجفة التي تتوسط الصالة، وأشار إليهما «أحمد»؛ حيث خرجَا إلى شرفة الفيلا المطلَّة على البحر، وقال: إننا مراقبون بعناية …
كل كلمة نقولها في المنزل أو السيارة ستُسجل … فخذَا حذرَكما.
عادوا إلى الفيلا، وكانت الساعة قد أشرفت على الثالثة صباحًا … تناولوا طعامًا خفيفًا ثم ناموا …
في الصباح الباكر استيقظ «أحمد»، ووقف خلف الستائر ليرقبَ ما يحدث … وكما توقَّع بالضبط، ظهرت سيارة «ماشيتو»، ونزل الرجل منها وتلفَّت حوله، ثم اتجه فورًا إلى الجراج … كان «أحمد» متأكدًا أنه يستبدل شريط التسجيل في السيارة، ثم اتجه الرجل إلى الفيلا، فأسرع «أحمد» إلى غرفة نومه، وتظاهر بالنوم، واستطاع أن يسمع مفتاح الفيلا وهو يدور في القفل، ثم خطوات «ماشيتو» وهو يتجه إلى الصالة ليقوم بتغيير شريط التسجيل … وعندما تمَّ له ما أراد، عاد إلى الخارج مرة أخرى، وسمع «أحمد» صوتَ جرس الباب وهو يدقُّ … انتظر قليلًا ثم قام والتقى ﺑ «عثمان» و«رشيد»، وأشار لهما بما حدث، ثم اتجه إلى الباب ففتحه … وظهر «ماشيتو» على الباب مبتسمًا وهو يقول: صباح الخير أيها الأصدقاء.
ردَّ «أحمد»: صباح الخير يا سنيور «ماشيتو» … لقد حضرتَ مبكرًا.
ماشيتو: لقد حصلتُ على المعلومات اللازمة ورأيت أن أحضر مبكرًا.
أحمد: عن شركة «ترانزأوشن»؟
ماشيتو: نعم … عندما تركتكم أمس ذهبتُ إلى بعض أصدقائي، فقالوا إنهم يعرفون الشركة، وإنها فعلًا شركة تقوم بخدمات خاصة، لا تقوم بها غيرها من الشركات.
أحمد: هذا ما توقعتُ أن تقوم به.
ماشيتو: إنها خدمة خاصة لأصدقائي.
أحمد: وأين هذه الشركة؟
ماشيتو: إن فرع الشركة يقع على خليج «تورفينا» في شمال الجزيرة … ولكني اتفقت مع مندوب خاص من الشركة سيأتي لمقابلتكم عند منتصف النهار؛ حيث نتناول الغداء جميعًا في مطعم «دون كارلو»، وهو يقدِّم طعامًا شهيًّا.
أحمد: إنك تقوم بواجبك حقًّا يا سنيور … وسوف نكافئك على هذا العمل.