العميان
بيتر بروجيل الأكبر أو الأول، الذي يُلَقَّب كذلك باسم بروجيل الفلاح أو الريفي (وإن لم يشتغل بالزراعة أبدًا!) كان من أعظم مصوري المناظر الطبيعية، وأهم رسام ساخر أنجبته هولندا (الأراضي الوطيئة) بعد هيرونيموس بوش (من حوالي ١٤٥٠م إلى ١٥١٦م). لا تُعْرَف سنة مولده على وجه التحديد، ولكن يُحْتَمل أن يكون قد وُلد بين سنتَي ١٥٢٥ و١٥٣٠م، وذلك قياسًا على تاريخ انضمامه إلى اتحاد الفنانين في أنتفيرب سنة ١٥٥١م، وسفره بعد ذلك مباشرةً إلى فرنسا وإيطاليا وصقلية. زار روما سنة ١٥٥٣م ثم رجع إلى وطنه عن طريق جبال الألب التي أثَّرَت مناظرها عليه تأثيرًا هائلًا تشهد عليه اللوحات التي رسمها في طريق عودته، وسجَّلت تطوُّر أسلوبه في تصوير المناظر الطبيعية، وإن لم يبدُ عليها مع ذلك أي أثر للفن الإيطالي، وبعد عودته إلى بلده بدأ يرسم على طريقة «بوش» ويتناول نفس موضوعاته. يرجع أول رسم معروف له إلى سنة ١٥٥٣م، وقد أبدع في السنوات العشر أو الاثنتَي عشرة الأخيرة من حياته أشهَر لوحاته التي صوَّرَ فيها بأسلوبه المتناهي في الدقة موضوعاتٍ دينيةً داخل مناظر طبيعية رحبة غنية بالتفاصيل، عبَّرَ فيها عن اهتمامه بالعادات الريفية وسخريته بمباذل القرويين ورذائلهم وأخطائهم «البريئة» من سُكر ونَهَم وجشع وبُخل … إلخ. ممَّا يُفيض على صوره المبكِّرة طابع الرسائل الأخلاقية، ويؤكد شعوره العميق بالطبيعة ووحدة الإنسان والبيئة (مثل صورته عن سقوط الملائكة المتمردين)، وقد ذهب بعض النقاد إلى أن صورته عن «مذبحة الأبرياء» تُعبِّر عن احتجاجه على مظالم الحكم الإسباني لبلاده، وأن رحيله من «أنتفيرب» إلى بروكسل (حوالي سنة ١٥٦٣م) كان بسبب خوفه من التعرض للاضطهاد.
أما هذه الصورة التي رسمها للعميان الستة فهي آخر ما رسم في حياته، ولعلها تحمل تحذيرًا للمبصرين بأنهم لمسوا خيراتهم، وأن البشر يسقطون دائمًا في حفر الطريق حتى تبتلعهم حفرة القدر أو الموت، وأن الفنان الملهم يمكن أن «يرسم» وصيته ونبوءته للأجيال …
(١) فالتر باور (Walter Bauer) (١٩٠٤م–…)
وُلد الشاعر الألماني في ميرزيبورج على نهر الزاله لأب من الطبقة العاملة، واشتغل بالتعليم بين سنتَي ١٩٢٩ و١٩٣٩م عندما استُدعِي للخدمة العسكرية بعد اندلاع نيران الحرب العالمية الثانية. هاجر إلى كندا سنة ١٩٥٢م، وجرَّبَ حظَّه في أعمال مختلفة حتى انتهى به المطاف إلى التدريس بجامعة تورنتو. اهتمَّ في إنتاجه الروائي والقصصي بحياة الفنانين الكبار؛ فقد كتب روايةً عن فان جوخ، وقصصًا عن جورجونه ومايكل أنجلو ورمبرانت، وسيرةً ذاتية عن مايكل أنجلو، ومقالات عن جويا وكاسبار دافيد فريدريش، كما نشر مجموعات شعريةً وتمثيليات إذاعية وكتبًا للأطفال. يلاحظ القارئ أن المقطع الثاني من القصيدة يستعرض أعمال بروجيل الأساسية في لمحات سريعة لا تخفى على عارفيه ومحبي فنه. ويقول المؤلف إن عشقه للرسم والرسامين منذ طفولته لا يقل قوةً عن عشقه للأدب، وإنه شاهد صورة «العميان» في شبابه — سنة ١٩٢٥م — عند زيارته للمتحف الأهلي في نابولي، وكان في ذلك الحين يعمل على سفينة بضائع، فأحسَّ وهو في الجنوب بأنه يرى صورة الشمال في هؤلاء العميان …
«العميان»
(٢) إريش لوتس (Erich Lotz) (١٨٩٦–١٩٧٣م)
وُلد في مدينة دورتموند، ومات في توبنجن. كان أبوه جزارًا، وفقد بصره في الحرب العالمية الأولى، ولكنه تعلَّم مع ذلك رؤية الصور بخياله وتدريب ذاكرته على الاحتفاظ بالانطباعات الصورية. درس اللاهوت وقضى عشرين سنةً من عمره في التعليم بالمدارس العليا، ثم كُلِّف بالتدريس بجامعة هامبورج إلى أن تفرَّغ للتأليف والكتابة الحرة. ماتت زوجته فانطوى على نفسه ولحق بها بعد موتها بأربعة أيام. نشر عدة مجموعات شعرية ومقالات وذكريات عن شبابه، وقد ظهرت هذه القصيدة عن عميان بروجيل في ديوانه «والليل يسطع كالنهار» الذي صدر سنة ١٩٥٧م بمدينة توبنجن عن دار النشر هليوبوليس.
«بروجيل: أمثولة العميان»
(٣) كارلو كاردونا (١٩٥٠–١٩٧٣م)
وُلد الشاعر الإيطالي في بلدة فوريو، ومات بمدينة نابولي. كان أبوه من العمال، واتجه في شعره إلى ما يُسمَّى بالشعر المُجَسَّم الذي كان أحد رواده ومؤسسيه. ويلاحظ القارئ أن أصحاب هذا الاتجاه يهتمون بتشكيل كلمات القصيدة على الصفحة تشكيلًا يساعد على إبراز جوها وإيقاعها وانطباعها العام، بحيث يؤثر على العين بجانب تأثيره على الوجدان والعقل.