كآبة
«دورر» من أبرز الفنانين «العلماء» في عصر النهضة الأوروبية. تتلمذ في البداية على يدَي أبيه — الذي كان صائغًا استقرَّ سنة ١٤٥٥م في مدينة نورمبرج، وتزوَّج من ابنة معلمه سنة ١٤٦٧م — ثم على يدَي الرسام والحفَّار على الخشب ميشيل فولجيموت (١٤٣٤–١٥١٩م) حيث تدرَّب ثلاث سنوات على الرسم والحفر على النحاس والخشب للصور التوضيحية للكتب.
تجوَّل أربع سنوات بين مدن مختلفة — مثل كولمار وبازل واستراسبورج — رجع بعدها إلى مسقط رأسه نورمبرج، وتزوَّج سنة ١٤٩٤م. يُحتمل أن يكون قد قام برحلته الأولى إلى البندقية في خريف سنة ١٤٩٥م، والمؤكَّد أنه زارها سنة ١٥٠٥م، وأقام بها حتى شهر فبراير سنة ١٥٠٧م. وقد تعرَّف خلال هذه الفترة على فنان عصر النهضة الكبير جوفاني بيلليني (من حوالي ١٤٣٠م إلى ١٥١٦م)، فأعجب به إعجابًا شديدًا، كما رسم بتكليف من التجار الألمان المقيمين في البندقية بعضَ الصور التي تشهد على تأثره بفن ليوناردو وبيلليني. وبدأ بعد عودته إلى موطنه الأصلي في تعميق ثقافته الأدبية والعلمية، والاختلاط بالأدباء، العلماء والمصلحين والمفكرين من أصحاب النزعة الإنسانية (مثل ميلانشتون وإرازموس ولوثر) أكثر من اختلاطه بزملائه الفنانين. عيَّنه الإمبراطور ماكسيميليان سنة ١٥١٢م رسامًا في بلاطه، ولمَّا مات الإمبراطور سافر سنة ١٥٢٠م في رحلة طويلة حضر فيها تتويج الإمبراطور الجديد (تشارلز الرابع)، وتنقل بين الأراضي الوطيئة وعدد من المدن الأوروبية التي استُقْبِل فيها بالحفاوة والتكريم. رجع إلى نورمبرج في شهر يوليو سنة ١٥٢١م، وأهدى مدينته لوحة «الرسل» (١٥٢٦م،) التي يبدو أنها كانت جزءًا من لوحة كبرى عن حوار أو عشاء مقدس، ولم يتمَّ تنفيذها بسبب الاضطرابات التي صاحبت ثورة الإصلاح الديني. وظلَّ مثابرًا على العمل والإنتاج على الرغم من إصابته بحُمَّى مزمنة على أثر مخاطرته بالخوض في مستنقعات «زيلاند» لمشاهدة حوت ميت!
أنتج «دورر» إنتاجًا ضخمًا في ميادين الرسم والحفر على الخشب والنحاس، وكتابة الرسائل والبحوث النظرية عن القياس (١٥٢٥م)، وتقوية الحصون (١٥٢٧م)، والتناسب والنظرية الفنية (١٥٢٨م)، بجانب مذكرات رحلته إلى الأراضي الوطيئة. وهو يُعد الجسر الرئيس الذي عبرت عليه أفكار عصر النهضة الإيطالية إلى الشمال الألماني. وقد تفاعلت هذه الأفكار مع النزعة الفردية التي انحدرت إليه من التراث القوطي وعملت على تكوين شخصيته الفذة وأعماله المذهلة في غزارتها وحيوية خيالها وتعبيرها، فضلًا عن تمكُّن صاحبها من الصنعة الحرفية في الحفر على النحاس والخشب بوجه خاص.
وقد تمثَّل هذا في سلسلة من الأعمال الشهيرة مثل «رؤيا يوحنا» (١٤٩٨م) — وقد كان أول كتاب يقوم فنان واحد على تصميمه وطبعه ونشره بنفسه! — وعذاب المسيح (من ١٤٩٨م إلى ١٥١١م)، وحياة العذراء (١٥٠١–١٥١١م)، وغيرها من الأعمال المفردة مثل «حمَّام الرجال» (١٤٩٧م)، ووحش البحر، والابن المعجز (١٤٩٧م)، وآدم وحواء (١٥٠٤م) والفارس والموت والشيطان (١٥١٣م)، والاكتئاب أو الكآبة (١٥١٤م) التي صوَّرها في صورة امرأة عميقة الفكر والحزن معًا! (وهي الصورة التي تراها مع هذا الكلام.)
استلهم اللوحة الشهيرة عدد من الشعراء نذكر منهم:
(١) بيتر آومولر
وُلِد في مدينة نورمبرج سنة ١٩٠٩م، وكتب الشعر والرواية والدراسة والمقال. وضع هذه القصيدة «كآبة، عن صوة ألبرشت دورر» سنة ١٩٦٧م، وظهرت في مجموعته الشعرية «تأمل ٤٦» التي صدرت سنة ١٩٧١م.
«كآبة»
(٢) إدفين فولفرام دال
وُلد الشاعر سنة ١٩٢٨م في بلدة «زولنجين»، ونشر قصيدته التالية سنة ١٩٧٤م في مجموعته الشعرية «البحث عن أمفورتا» عن دار النشر بشتله بمدينة إسلنجن.
«كآبة»
(٣) إينا زايدل
روائية كبيرة وشاعرة من المدرسة الرومانطيقية الجديدة. وُلدت سنة ١٨٨٥ بمدينة «هالَّة» على نهر الزالة، وماتت سنة ١٩٧٤م، تأثرت في شعرها بالروح الكلاسيكية التي انعكست على بنائه المحكم وتعبيره المتزن، كما تأثرت بالروح الرومانطيقية في قصائدها المعبِّرة عن حبها للطبيعة وعاطفتها الدينية العميقة.
تميَّزت قصصها ورواياتها التاريخية بالوصف الواقعي الدقيق والتصوير النفسي الصادق للشخصيات والتجارب الروحية المغرقة في الخيال والحلم. من رواياتها بوابة الفجر، المتاهة، الطفل المتمني، صديقنا بيرجرين، والميراث الباقي التي تعدُّ من أشهر رواياتها وأكثرها رواجًا. وقد كتبت سيرتها الذاتية في روايتها «طفولتي وشبابي». نشرت قصيدتها التالية في مجموعتها الشعرية «قصائد» التي صدرت بمدينة شتوتجارت سنة ١٩٥٥م لدى مؤسسة النشر الألمانية.