الفصل السادس والعشرون
بروميثيوس في متحف مدريد
الصورة للفنان الإسباني جوسييه أو خوزيه ريبيرا
Ribera (١٥٩١–١٦٥٢م) الذي وُلد
بالقرب من فالنثيا، وتعلَّم — فيما يُرجِّح مؤرِّخو الفن — على يد
الفنان الواقعي ريبالتا (١٥٦٥–١٦٢٨) قبل سفره إلى إيطاليا وإقامته في
نابولي ابتداءً من سنة ١٦١٦م. يتميَّز أسلوبه في رسم أعماله المبكرة
بامتزاج الواقعية الإسبانية بمثالية الإنتاج الفني في ذروة عصر النهضة،
مع النزعة الدرامية واختيار الموضوعات التراثية والأسطورية، واستخدام
أسلوب التضاد المفرط بين الضوء والظل في تنفيذ هذه الموضوعات التي
اتسمت في الغالب بالقسوة والتكلف، على نحو ما ترى في هذه الصورة عن
بروميثيوس، سارق النار من الآلهة وصانع البشر في الأساطير الإغريقية.
ولكن هذا الأسلوب سرعان ما تحوَّل إلى النعومة والرقة وإبراز كتل الضوء
في بحر الظلام الداكن، ولعله قد تأثر بالفنان الإسباني (البرتغالي
الأصل) فيلاسكويز (١٥٩٩–١٦٦٠م) الذي زار نابولي في سنة ١٦٣٠م.
حظيت أعمال ريبيرا بشعبية واسعة في إسبانيا؛ إذ قُدِّمت موضوعات
إسبانية صميمة ممَّا شاع تناوله في الحركة الفنية التي جاءت بمثابة رد
فعل على ثورة الإصلاح الديني، واهتمَّت بتصوير القديسِين والقديسات
بأطوالهم الممتدَّة وسماتهم المميزة، وتقديم مشاهد من عذاب السيد
المسيح، وحياة الرسل والقديسِين مفعمة بالعاطفة والإيمان. ويبدو أن
مدرسة نابولي الفنية — التي يوصف أعضاؤها بأصحاب الرسوم المعتمة — تدين
لريبيرا بأكثر ممَّا تدين لكارافاجيو.
(١) تيوفيل جوتييه (Théophile
Gautier) (١٨١١–١٨٧٢م)
وُلد الشاعر الفرنسي في بلدة تارب، ومات في بلدة نويي بالقرب من
باريس. وهو شاعر، ورسام، وكاتب روائي ومسرحي، وناقد. ساعدته رحلته
التي قام بها إلى إسبانيا سنة ١٨٤٤م على اكتشاف المصوِّرين الإسبان
زورباران، وموريللو، وريبيرا وفالديس ليال، فكتب قصائد عن أعمالهم
نُشرت في فبراير سنة ١٨٤٤م في مجلة باريس. ظهرت قصيدته عن صورة
بروميثيوس التي كتبها في مدريد سنة ١٨٧٠م في مجموعة شعرية بعنوان
«أشعار أولى» ص٣٢١.
«بروميثيوس في متحف
مدريد»
آه! مقيد هو على صلبان القوقاز،
هذا التيتان
١ الذي نهب لنا السماء
من قمة «جلجتته»
٢ يسب الآلهة،
ويسخر من الأوليمبي
٣ الذي سحقته صواعقه.
لكن عندما يقترب المساء، يتكئ على قاعدة الصخرة،
التي ينكمش عليها ذلك الجَسور العظيم،
سرب من حوريات البحر، عيونهن مُغرورقة بالدموع،
يتبادلن معه زفرات الشكوى والأنين.
وأنت يا ريبيرا، أيها القاسي، يا أقسى من جوبيتر
٤
تسيل من جنبَيه المجوَّفَين بطعناتك المخيفة
ما يشبه شلالات الدم والأحشاء!
وتظل تطارد جَوقة فتيات البحر،
وتترك اللص الجليل، سارق الشعلة المخصبة،
وحيدًا في الظلام العميق يصرخ ويصيح!