مقدمة
طلب إليَّ الصَّديقُ العزيز الأستاذ إلياس أنطون إلياس أنْ أُراجِعَ هذا الكتاب وأُقدِّمَ له، ولم يكن أشهى إلى نفسي من أداء هذين الواجبين.
فأمَّا مراجعة الكتاب فقد وَجْدتُ فيها ألوانًا وفنونًا من المُتَعِ العقلية، أَذْكَرَتْني ما قرأتُه من طرائف «ابن المقفع» في «كليلة ودمنة»، وبدائع «لافونتين»، وروائع «إيزوب»، ورأيتُ أمامي ثروة من الحِكَمِ الأصيلة، تُصاغُ في وجازاتٍ قصصية بارعة، فتحوي في كلماتها القليلة من جليل المعاني نَفائسَ وتَوجيهاتٍ تضيق بالتعبير عنها مُطوَّلاتُ الأسفار وضِخامُ المجلدات، ولا عجب أن تَرْجُحَ الدُّرَّةُ — على صغر حجمها وضآلة جرمها — أضعاف وزْنها من الذهب.
وأما قابِسُ هذه الحكم، وناظم عِقْدِها، فهو مُستَغْنٍ عن التعريف بما بَذَلَه من جهود موصولة آتَتْ، ولا تزال، تؤتي ثمارها كل يوم، فقد أسهم صاحبها في بناء نهضة الشرق الثقافية بأوفى نصيب، ولا زال الجميع يذكرون ما أفادوه من «مَعَاجمه العصرية» من ثمرات لُغويًّةٍ مُيَسَّرة الجَنَي، دانية القطوف، وما أفادوه مما نشره، ولا يزال ينشره، للصفوة المُختارةِ من أعلام المؤلفين والمترجمين.
وقد عَرَفَهُ شيوخ العصر — منذ حداثتهم — كما عرفه شباب الجيل، بما أَسْهَمَ في وَضْع الأساس الثقافي، وما بَذَلَ في سبيل الفصحى من جهود مُضْنِيَةٍ، أجْرُهَا عند الله.
هذا بعض ما يقال في هذا الأثر النَّفيسِ، وقابسه البارع، وحسْبُكَ من القِلادة ما أحاط بالعنق، كما يقول المثل العربي القديم.