الطَّمَعُ قَلَّمَا جَمَعَ
وَفِي يَوْمٍ مَا، بَيْنَمَا كَانَ يَجُولُ جَوْلَتَهُ الْمُعْتَادَةَ، وَقَفَ أَمَامَ دَارٍ مُغْلَقَةِ الْأَبْوَابِ وَالنَّوَافِذِ، وَأَخَذَ يُوَجِّهُ إِلَيْهَا نَجْوَاهُ، قَائِلًا: «فِي هَذِهِ الدَّارِ الْخَاوِيَةِ كَانَ يَسْكُنُ التَّاجِرُ الْغَنِيُّ السَّيِّدُ «عَبْدُ الْغَنِيِّ»، الَّذِي لَمْ يَقْنَعْ بِمَا حَازَهُ مِنْ خَيْرٍ كَثِيرٍ، فَأَخَذَ يُعِدُّ سُفُنًا لِسَفْرَةٍ يَئُوبُ مِنْهَا بِأَضْعَافِ مَا كَانَ لَهُ مِنْ مَالٍ، وَلَكِنَّ السُّفُنَ الَّتِي أَنْفَقَ كُلَّ مَا كَانَ عِنْدَهُ فِي سَبِيلِ إِعْدَادِهَا، عَصَفَتْ بِهَا الرِّيَاحُ، فَغَرِقَتْ وَابْتَلَعَهَا الْيَمُّ بِكُلِّ مَا كَانَ فِيهَا.»
وَاتَّفَقَ حِينَئِذٍ مُرُورُ «إِلَهَةِ الْبَخْتِ» الْعَمْيَاءِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ وَقَفَتْ تَعْتَرِضُ طَرِيقَهُ، وَقَالَتْ لَهُ: «أصْغِ إِلَى مَا سَأَقُولُهُ لَكَ، وَتَدَبَّرْهُ أَيُّهَا الرَّجُلُ؛ فَقَدْ مَضَى عَلَيَّ زَمَنٌ طَوِيلٌ وَأَنَا أُحَاوِلُ الاتِّصَالَ بِكَ لِمُسَاعَدَتِكَ وَتَحْسِينِ حَالِكَ؛ فَافْتَحْ كَشْكُولَكَ؛ لِأَنِّي سَأَصُبُّ فِيهِ كُلَّ مَا تَطْلُبُهُ نَفْسُكَ مِنْ نُقُودٍ ذَهَبِيَّةٍ، شَرْطَ أَلَّا تَدَعَ قِطْعَةً وَاحِدَةً مِنْهَا تَسْقُطُ مِنَ الْجِرَابِ إِلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا إِذَا سَقَطَتْ فَكُلُّ مَا قَدْ يَكُونُ فِيهِ مِنْ قِطَعِ الذَّهَبِ، سَوْفَ يَتَحَوَّلُ إِلَى تُرَابٍ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ، فَاحْذَرْ! وَلَا تَنْسَ أَنَّ كَشْكُولَكَ قَدْ أَنْهَكَهُ الِاسْتِعْمَالُ، فَلَا تُحَمِّلْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِهِ.»
فَمَا إنْ سَمِعَ مِنْهَا هَذَا الشَّرْطَ «الْبَسِيطَ» حَتَّى أَسْرَعَ وَفَتَحَ أَمَامَهَا كَشْكُولَهُ، فَأَخَذَتْ تَصُبُّ فِيهِ مِنْ ذَهَبِهَا الْوَهَّاجِ، رُوَيْدًا رُوَيْدًا، مَا أَذْهَلَهُ عَنِ التَّحْذِيرِ وَالنُّصْحِ الَّذِي أَسْدَتْهُ إِلَيْهِ مُنْذُ لَحْظَةٍ، فَقَالَتْ لَهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ فيما أَغْدَقْتُهُ عَلَيْكَ الْكِفَايَةَ؟
– كَلَّا! يَا سَيِّدَتِي، أَرْجُوكِ … أَيْضًا …! أَيْضًا …! أَيْضًا … زِيدِي …
– وَلَكِنْ … أُرِيدُكَ أَنْ تَذْكُرَ أَنَّ كَشْكُولَكَ لَيْسَ جَدِيدًا، وَيُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَنْشَقَّ، إِذَا حَمَّلْتَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ.
– لَا …! لَا خَوْفَ عَلَيْهِ …! لَا تَخَافِي …! إِنَّه يَسَعُ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ الْآنَ … أَرْجُوكِ أَنْ …!
– وَلَكِنِّي أَرْجُوكَ بِدَوْرِي أَلَّا يُذْهِلَكَ رَنِينُ ذَهَبِي عَنْ حَقِيقَةِ كَشْكُولِكَ، وَعَنِ الشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ لَكَ عِنْدَمَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ هِبَتِي …
– فَقَطْ … أَرْجُو أَنْ تُكَمِّلِي جَمِيلَكِ … بِحَبَّةٍ أُخْرَى مِن …
وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ انْشَقَّ الْكَشْكُولُ، فَسَقَطَ مَا كَانَ فِيهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَصَارَ تُرَابًا، وَاخْتَفَتْ إِلَهَةُ الْحَظِّ تَارِكَةً الشَّحَّاذَ أَفْقَرَ مِمَّا كَانَ؛ وَهُوَ يُقَلِّبُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَشْكُولَهُ الْمَشْقُوقَ، وَيَقْرَعُ سِنَّهُ نَدَمًا وَحَسْرَةً …