السُّلْطَانُ الْجَدِيدُ
فَسَأَلَ الْعَنْدَلِيبُ الْوَقْوَقَ عَمَّنْ يَقْتَرِحُ لِيَتَنَازَلَ لَهُ عَنْ سُلْطَانِهِ.
فَأَجَابَ الْوَقْوَقُ قَائِلًا: إِنِّي أَقْبَلُ — عَنْ طِيبَةِ خَاطِرٍ — أَنْ أَتَبَوَّأَ هَذَا الْعَرْشَ، وَأُضَحِّيَ بِرَاحَتِي فِي سَبِيلِ الْقِيَامِ بِمَهَامِّ الْمُلْكِ وَالتَّغْرِيدِ كُلَّ مَسَاءٍ إِكْرَامًا لِخَاطِرِكَ.
فَقَالَ الْعَنْدَلِيبُ: حَسَنًا نَطَقْتَ! فَفِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ سَأَهْجُرُ الْغَابَةَ، وَأَتْرُكُ أَحْيَاءَهَا تَسْتَمْتِعُ بِشَدْوِكَ وَصُدَاحِكَ.
وَعِنْدَمَا أَقْبَلَ الْمَسَاءُ، جَلَسَ الْوَقْوَقُ عَلَى فَرْعِ شَجَرَةٍ، وَاسْتَدْعَى طُيُورَ الْغَابَةِ وَحَيَوَانَاتِهَا، وَخَاطِبَهَا قَائِلًا: لَقَدْ رَحَلَ الْعَنْدَلِيبُ بَعْدَ أَنْ أَوْصَانِي أَنْ أَتَبَوَّأَ عَرْشَهُ، وَأُشَنِّفَ آذَانَكُمْ بِصَوْتِي بَدَلًا مِنْهُ، ثُمَّ طَفِقَ يُوَقْوِقُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ كَيْ يُطْرِبَهُمْ، وَسَكَتَ هُنَيْهَةً لِيُجِيلَ بَصَرَهُ فِي مَا حَوْلَهُ، فَوَجَدَ أَنَّ رَعِيَّتَهُ قَدْ فَزِعَتْ مِنْ زَعِيقِهِ، وَانْطَلَقَتِ الْوَاحِدَةُ فِي إِثْرِ الْأُخْرَى، وَهِيَ تَقُولُ: يَا لَصَوْتِ سُلْطَانِنَا الْجَدِيدِ مِنْ وَقْعٍ مُصْدِعٍ!
وَغَضِبَ الْوَقْوَقُ، وَذَهَبَ يَبْحَثُ عَنْ مَكَانِ الْعَنْدَلِيبِ حَتَّى وَجَدَهُ، فَقَالَ لَهُ: نُزُولًا عَلَى إِرَادَتِكَ قَبِلْتُ أَنْ أَكُونَ سُلْطَانَ الْغَابَةِ، وَلَكِنَّ الطُّيُورَ — حَتَّى الْحَيَوَانَاتِ — فَزِعَتْ مِنْ صَوْتِي، وَهَرَبَتْ حَتَّى لَا تَسْمَعَنِي.
فَأَجَابَهُ الْعَنْدَلِيبُ قَائِلًا: يَا صَدِيقِي الْعَزِيزُ، قَدْ أَمْكَنَنِي أَنْ أَتَنَازَلَ لَكَ عَنْ سُلْطَانِي، وَلَكِنَّنِي لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَمْنَحَكَ صَوْتِي …