الْمُهْرُ يَنْتَقِدُ الْفَلَّاحَ الْمُبَذِّرَ
رَأَى الْمُهْرُ١ فَلَّاحًا مُنْهَمِكًا فِي زَرْعِ حَقْلٍ بِبِذُورِ الشُّوفَانِ، فَثَارَ
ثَائِرَهُ، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ مُتَهَكِّمًا: يَا لَهَا مِنْ غَبَاوَةٍ لَا تُحْتَمَلُ!
أَلَمْ نَسْمَعْ مِنْ آبَائِنَا وَأَجْدَادِنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ سَيِّدُ كُلِّ
الْحَيَوَانَاتِ بِلَا مُنَازِعٍ؛ لِأَنَّ الْخَالِقَ قَدْ حَبَاهُ عَقْلًا أَسْمَى مِنْ
عُقُولِ بَقِيَّةِ الْخَلَائِقِ، فَمَا بَالِي أَرَى هَذَا الْإِنسَانَ أَسْخَفَ عَقْلًا،
وَأَقَلَّ تَدْبِيرًا مِنْ أَحَطِّ الْبَهَائِمِ؟! تَأَمَّلْ كَيْفَ سَوَّغَ لَهُ هَذَا
الْعَقْلُ السَّامِي أَنْ يُبَعْثِرَ فِي الْأَرْضِ كُلَّ مَا مَعَهُ مِنَ الشُّوفَانِ
اللَّذِيذِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يُشْبِعَ حِصَانَيْنِ وَأَكْثَرَ، أَوْ عَدَدًا كَبِيرًا
مِنَ الدَّجَاجِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ — كَمَا يَقُولُونَ — وَأَعْطَانِي هَذَا
الشُّوفَانَ، لَكُنْتُ أُرِيه كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ؟ أَهَذَا مَا
يُسَمُّونَهُ عَقْلًا؟ حَقًّا إِنَّهُ جُنُونٌ، جُنونٌ مُطْبِقٌ، بَلْ أَرَاهُ تَبْذِيْرًا
يَسْتَحِقُّ مُرْتَكِبُهُ أَقْسَى عِقَابٍ.
وَكَرَّ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى أَقْبَلَ الْخَرِيفُ وَالْحَصَادُ،٢ فَأَعْطَتِ الْحَصِيدَةُ٣ مِنْ حَبِّ الشُّوفَانِ الْقَلِيلِ الَّذِي «بَعْثَرَهُ» الْفَلَّاحُ فِي
الْحَقْلِ، بِشُوفَانٍ كَثِيرٍ، كَفَّى الْمُهْرَ وَأَهْلَهُ وَإِخْوَانَهُ وَجَمِيعَ
أَهْلِ الْمَزْرَعَةِ وَطُيُورِهَا كُلَّ فَصْلِ الشِّتَاءِ الطَّوِيلِ.
١
ولد الفرس.
٢
أوان الحصد.
٣
ما حُصِدَ من الزَّرْعِ.