الْخِنْزِيرُ الْكَبِيرُ
أَفْلَتَ خِنْزِيرٌ مِنْ زَرِيبَتِهِ، وَذَهَبَ إِلَى حَوْشِ قَصْرِ صَاحِبِ الضَّيْعَةِ، وَطَافَ بِأَرْجَاءِ سَاحَاتِهِ الْفَسِيحَةِ؛ طَالِبًا مُسْتَوْدَعَاتِ الْأَقْذَارِ؛ لِيَمْلَأَ بَطْنَهُ مِنْهَا، أَوْ بِرْكَةً مُوحِلَةً يَنْغَمِسَ فِيهَا، وَتَنَقَّلَ مِنْ زَرِيبَةٍ إِلَى إِصْطَبْلٍ، وَمِنْ مَزْبَلَةٍ إِلَى مَطْبَخٍ، وَكَادَ يَطِيرُ فَرَحًا عِنْدَمَا سَقَطَ فِي مُسْتَنْقَعِ أَوْسَاخِ الْقَصْرِ، فَجَعَلَ يَتَمَرَّغُ وَيَتَقَلَّبُ فِيهِ، وَأَخِيرًا عَادَ إِلَى زَرِيبَتِهِ، بَعْدَ أَنْ أَشْبَعَ شَهْوَتَهُ، خِنْزِيرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، تَكْسُوهُ الْأَقْذَارُ مِنْ فُرْطُوسَتِهِ إِلَى ذَيْلِهِ، وَلَمَّا رَآهُ الرَّاعِي، قَالَ لَهُ: وَالْآنَ صِفْ لِي يَا صَاحِ، مَا شَاهَدْتَ فِي هَذَا الْقَصْرِ الْفَخْمِ أَثْنَاءَ جَوْلَتِكَ؟ فَقَدْ سَمِعْتُ أَوْصَافًا عَجِيبَةً مُدْهِشَةً مِمَّنْ زَارُوا هَذَا الْقَصْرَ الْعَجِيبَ، حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ أَنَّ غُرَفَهُ تَتَلَأْلَأُ بِالدُّرِّ وَالْمَاسِ وَالْيَاقُوتِ.
فَقَالَ الْخِنْزِيرُ: هَذَا كَلَامٌ فَارِغٌ؛ لِأَنِّي لَمْ أَرَ هُنَاكَ لُؤْلُؤًا وَلَا مَاسًا، وَكُلُّ مَا لَقِيتُهُ لَمْ يَكُنْ سِوَى مَا تَتُوقُ لَهُ نَفْسِي مِنَ الْقُمَامَاتِ وَالْأَقْذَارِ وَالْأَوْسَاخِ.