مُكَافَأَةُ السِّنْجَابِ
طَلَبَ مَلِكُ الْغَابَةِ خَادِمًا أَمِينًا مُخْلِصًا، صَغِيرَ السِّنِّ، سَلِيمَ الْبِنْيَةِ، خَفِيفَ الْحَرَكَةِ، وَتَقَدَّمَ السِّنْجَابُ؛ لِيَحْظَى بِشَرَفِ الْخِدْمَةِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: إِنِّي أَقْبَلُكَ فِي مَعِيَّتِي، فَإِنْ أَنْتَ أَحْسَنْتَ الْقِيَامَ بِخِدْمَتِي فِي عُنْفُوَانِ شَبَابِكَ، وَهَبْتُ لَكَ قَدْرًا عَظِيمًا مِنْ أَحْسَنِ مَا فِي الْغَابَةِ مِنَ الْبُنْدُقِ وَالْجَوْزِ عِنْدَمَا تَتَقَدَّمُ فِي الْعُمُرِ.
وَهَكَذَا قَامَ السِّنْجَابُ بِأَعْبَاءِ مَنْصِبِهِ بِكُلِّ هِمَّةٍ وَنَشَاطٍ، مَزْهُوًّا بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ الْمَلِكِ، لَاهِيًا عَمَّا لِبَدَنِهِ عَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ، إِلَى أَنْ فَاتَ سِنُّ الشَّبَابِ، وَأَدْرَكَهُ الْعَجْزُ عَنِ الِاسْتِمْرَارِ فِي تَأْدِيَةِ وَاجِبَاتِهِ، وَتَلْبِيَةِ أَوَامِرِ سَيِّدِهِ.
وَأَقَالَهُ مَلِكُ الْغَابَةِ مِنْ مَنْصِبِهِ، بَعْدَمَا مَنَحَهُ وِسَامًا وَلَقَبًا سَامِيًا، وَكَذَلِكَ أَعْطَاهُ مَا وَعَدَهُ بِهِ مِنْ أَفْخَرِ أَنْوَاعِ الْبُنْدُقِ وَالْجَوْزِ، وَحَمَلَ السِّنْجَابُ مَا نَالَهُ بِعَرَقِ جَبِينِهِ، ذَاهِبًا إِلَى جِهَةٍ نَائِيَةٍ مِنَ الْغَابَةِ؛ لِيَسْتَمْتِعَ بِهِ فِي مَا بَقِيَ لَهُ مِنَ الْعُمُرِ، بَعِيدًا عَنْ مَتَاعِبِ الْحَيَاةِ وَهُمُومِهَا.
وَأَمْسَكَ بِجَوْزَةٍ، وَحَاوَلَ عَبَثًا أَنْ يَكْسِرَهَا؛ لِيَنْعَمَ بِأَكْلِ لُبِّهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَسْنَانَهُ كَانَتْ قَدْ ذَهَبَتْ مَعَ شَبَابِهِ الَّذِي أَفْنَاهُ فِي سَبِيلِ الْحُصُولِ عَلَى هَذَا الْجَوْزِ الثَّمِينِ.