الثِّقَةُ الْعَمْيَاءُ
ضَلَّ الْحِمَارُ الضَّرِيرُ طَرِيقَهُ، بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَتَاهَ فِي مَسَالِكِ الْغَابَةِ الْكَثِيفَةِ الْوَاسِعَةِ، فَظَلَّ يَتَسَكَّعُ بَيْنَ الْأَشْجَارِ، إِلَى أَنْ وَقَفَ حَائِرًا لَا يَدْرِي: أَفِي سَلَامَتِهِ أَنْ يَتَحَرَّكَ يَمْنَةً أَمْ يَسْرَةً؟
وَاسْتَصْعَبَ الْحِمَارُ أَنْ يُفَارِقَ مِثْلَ هَذَا الْقَائِدِ الطَّيِّبِ، فَتَوَسَّلَ إِلَى الْبُومَةِ؛ كَيْ لَا تُفَارِقَهُ، فَتَقُودَهُ إِلَى أَنْ يَهْتَدِيَ إِلَى مَثْوَاهُ.
وَقَبِلَتِ الْبُومَةُ، عَنْ طِيبَةِ خَاطِرٍ، وَظَلَّتْ مُمْتَطِيَةً ظَهْرَ الْحِمَارِ، مُعْتَزَّةً بِمَكَانَتِهَا، وَسَارَ الاثْنَانِ فِي طَرِيقِهِمَا.
وَإِذْ طَلَعَتِ الشَّمَسُ وَتَبَدَّدَ الظَّلَامُ، شَعَرَتِ الْبُومَةُ بِاضْطِرَابِ نَظَرِهَا، وَأَنَّ الضَّوْءَ قَدْ أَعْشَاهَا، فَبَدَأَتْ تَزُرُّ عَيْنَيْهَا، حَتَّى إِذَا مَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، وَاشْتَدَّ ضِيَاؤُهَا، فَقَدَتِ الْبُومَةُ كُلَّ قُدْرَةٍ عَلَى الْإِبْصَارِ، وَأَضْحَتْ عَمْيَاءَ كَالْحِمَارِ الَّذِي تَقُودُهُ، وَلَكِنَّ حُبَّ الْعَظَمَةِ مَنَعَهَا مِنَ التَّنَحِّي عَنْ مَرْكَزِ الْقِيَادَةِ الَّذِي وَصَلَتْ إِلَيْهِ فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ، وَصَارَتْ لَا تَصْلُحُ لَهُ فِي النَّهَارِ، وَلِكَيْ تَجْعَلَ الْحِمَارَ لَا يَشْعُرُ بِمَا آلَتْ إِلَيْهِ، قَالَتْ لَهُ: حَذَارِ مِنْ أَنْ تَنْحَرِفَ إِلَى الْيَسَارِ؛ لِأَنِّي أَرَى هُنَاكَ بِرْكَةَ مَاءٍ … فَمَالَ الْحِمَارُ إِلَى الْيَمِينِ، وَسَقَطَ فِي هَاوِيَةٍ كَانَتْ بَادِيَةً لِلْعيَانِ، فَهَلَكَ.