الَفَّلاحُ وَخَادِمُهُ
بَيْنَمَا كَانَ الْفَلَّاحُ يَسِيرُ نَحْوَ دَارِهِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَمَعَهُ خَادِمُهُ الْأَمِينُ فِي طَرِيقِ الْغَابَةِ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِ بَغْتَةً دُبٌّ أَسْمَرُ كَبِيرُ الْجِسْمِ، وَفِي أَقَلَّ مِنْ لَمْحِ الْبَصَرِ، وَجَدَ نَفْسَهُ فِي حِضْنِهِ الرَّحْبِ، وَشَعَرَ بِكَتِفِهِ بَيْنَ فَكَّيِّ الدُّبِّ.
فَأَجَالَ الدُّبُّ نَظَرَهُ حَوْلَهُ؛ لِيَرَى مَكَانًا مُنْعَزِلًا هَادِئًا يَذْهَبُ إِلَيْهِ بِفَرِيسَتِهِ لِيَتَمَتَّعَ بِأَكْلَةِ شِبعٍ هَنِيئَةٍ.
وَزَعَقَ الْفَلَّاحُ هَلَعًا يَسْتَغِيثُ بِخَادِمِهِ، طَالِبًا مِنْهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِإِنْقَاذِهِ مِنْ هَلَاكٍ مُحَقَّقٍ، وَأَطْلَقَ لِسَانَهُ بِتَذْكِيرِهِ بِوَاجِبِ الْمُرُوءَةِ، وَحَلَاوَةِ التَّضْحِيَةِ فِي سَبِيلِ إِجَارَةِ الْمُسْتَجِيرِ.
وَتَقَدَّمَ الْخَادِمُ مُعَرِّضًا حَيَاتَهُ لِلْخَطَرِ، وَضَرَبَ الدُّبَّ بِفَأْسِهِ عِدَّةَ ضَرَبَاتٍ صَرَعَتْهُ بَعْدَ أَنْ مَزَّقَتْ جِلْدَهُ.
فَلَمَّا أَفَاقَ الْفَلَّاحُ مِنْ ذُهُولِهِ، وَشَعَرَ بِزَوَالِ الْخَطَرِ، نَظَرَ إِلَى الدُّبِّ الصَّرِيعِ، ثُمَّ حَدَّجَ الْخَادِمَ بِبَصَرِهِ، وَطَفِقَ يَسُبُّهُ وَيَلْعَنُهُ بِأَقْسَى الشَّتَائِمِ وَأَلْعَنِ اللَّعْنَاتِ.
•••
وَلَمَّا سَأَلَهُ الْخَادِمُ عَنْ عِلَّةِ غَضَبِهِ، قَالَ لَهُ: أَلَمْ تُدْرِكْ — إِلَى الْآنَ — أَيُّهَا الْجَاهِلُ الْأَحْمَقُ، وَالنَّذْلُ الْجَبَانُ، فَدَاحَةَ مَا سَبَّبْتَ لِي مِنَ الْخَسَارَةِ بِجَهْلِكَ وَرُعُونَتِكَ؟!
تَأَمَّلْ وَانْظُرْ، أَيُّهَا الْغَبِيُّ، كَيْفَ أَنَّكَ أَضَعْتَ عَلَيَّ قِيمَةَ هَذَا الْفَرْوِ الثَّمِينِ بِتَمْزِيقِهِ بِضَرَبَاتِكَ الطَّائِشَةِ الَّتِي تَكَرَّرَتْ بِلَا دَاعٍ، حَقًّا إِنَّكَ تَسْتَحِقُّ أَقْسَى قِصَاصٍ!