الْوَزَّةُ الْغَاضِبَةُ
مَرَّ الرَّاعِي يَسُوقُ أَمَامَهُ قَطِيعًا مِنَ الْوَزِّ، وَفِي يَدِهِ قَصَبَةٌ طَوِيلَةٌ كَانَتْ دَائِمَةَ التَّنَقُّلِ عَلَى ظُهُورِ أَفْرَادِ الْقَطِيعِ، تَسْتَحِثُّهُ عَلَى الْإِسْرَاعِ فِي السَّيْرِ لِإِدْرَاكِ سُوقِ الْمَدِينَةِ فِي مَعْمَعَانِ حَرَكَتِهِ.
وَاسْتَشَاطَتِ الْإِوَزَّاتُ غَضَبًا لِهَذِهِ الْمُعَامَلَةِ الْمُهِينَةِ، وَاعْتَرَضَتْ زَعِيَمَتُهُنَّ طَرِيقَ أَوَّلِ عَابِرِ سَبِيلٍ، وَزَعَقَتْ فِي وَجْهِهِ بِأَعْلَى صَوْتِهَا قَائِلَةً: انْظُرْ يَا سَيِّدِي كَيْفَ يُعَامِلُنَا هَذَا الْغَبِيُّ الْأَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجْهَلُ مَاضِيَنَا الْمُشَرِّفَ الَّذِي نَسْتَحِقُّ مِنْ أَجْلِهِ كُلَّ تَبْجِيلٍ وَاحْتِرَامٍ، إِنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ تَارِيخَ «رُومَا» الْعَظِيمَةِ؛ لِيَعْرِفَ أَنَّ لِأَسْلَافِنَا فَضْلَ إِنْقَاذِهَا مِنَ الْخَرَابِ وَالدَّمَارِ …
فَأَجَابَهَا عَابِرُ السَّبِيلِ قَائِلًا: هَذِهِ قِصَّةٌ لَاكَتْهَا أَلْسُنُ كُلِّ النَّاسِ، وَهَلْ تَظُنِّينَ أَنَّكُمْ — مَعَاشِرَ الْوَزِّ — تَسْتَحِقُّونَ رِعَايَةَ النَّاسِ وَإِكْرَامَهُمْ، مِنْ أَجْلِ مَا فَعَلَهُ أَجْدَادُكُمْ وَجُدُودُ أَجْدَادِكُمْ؟
– طَبْعًا! لَا رَيْبَ فِي ذَلِكَ، وَأَظُنُّكَ تَعْرِفُ أَنَّ أَسْلَافَنَا …
– نَعَمْ، نَعَمْ، أَعْرِفُ كُلَّ ذَلِكَ، وَقَدْ قَرَأْتُهُ فِي قَدِيمِ الْأَسْفَارِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ فِي سَالِفِ الْأَيَّامِ، وَلَكِنْ خَبِّرِينِي بِرَبِّكِ، مَا الَّذِي فَعَلْتِهِ أَنْتِ أَوْ أَصْحَابُكِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لِخَيْرِ النَّاسِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ مِمَّا يَجْعَلُكُمْ تَطْمَعُونَ فِي إِكْرَامِكِمُ اعْتِرَافًا بِفَضْلِكُمْ؟
– نَحْنُ؟ نَحْنُ أَنْفُسُنَا لَمْ نَأْتِ عَمَلًا، وَلَكِنَّ أَسْلَافَنَا …
– دَعِينَا مِنْ ذِكْرَى السَّلَفِ، وَاتْرُكِيهَا تَرْقُدُ مَعَ أَصْحَابِهَا بِسَلَامٍ، أَمَّا أَنْتِ، وَبَنَاتُ وَأَبْنَاءُ جِنْسِكِ، فَالْفَائِدَةُ الْوَحِيدَةُ الْمَرْجُوَّةُ مِنْكُمُ الْآنَ هِيَ إِشْبَاعُ بُطُونِ النَّاسِ بِلُحُومِكُمُ اللَّذِيذَةِ.