الْحِمَارُ يُقَلَّدُ وِسَامًا
يُحْكَى أَنَّ رَجُلًا أَحَبَّ حِمَارَهُ الْفَارِهَ
١ حُبًّا جَمًّا؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي نَظَرِهِ دُرَّةً يَتِيمَةً، قَلَّ أَنْ
يَجُودَ بِمِثْلِهَا الزَّمَانُ.
وَلِكَيْ يَطْمَئِنَّ عَلَيْهِ مِنَ الضَّيَاعِ، عَلَّقَ فِي عُنُقِهِ جَرَسًا صَغِيرًا
جَمِيلًا، لَهُ جَلْجَلَةٌ بَعِيدَةُ الْمَدَى.
وَلِأَوَّلِ وَهْلَةٍ طَارَ الْحِمَارُ فَرْحَانَ بِوِسَامِهِ الرَّنَّانِ، فَصَارَ
يَتَخَطَّرُ وَيَتَمَّيسُ فِي مِشْيَتِهِ، وَكُلَّمَا رَنَّ صَوْتُ الْجَرَسِ فِي
أُذُنَيْهِ زُهِيَ بِهِ، وَازْدَادَ تِيهًا وَعُجْبًا وَدَلَالًا، حَتَّى خُيِّلَ إِلَيْهِ
أَنَّهُ سُلْطَانُ زَمَانِهِ.
وَهُنَاكَ مَسْأَلَةٌ يَجِبُ أَنْ نُقَرِّرَهَا، عَلَى رغْمِ مَا فِيهَا مِمَّا كَانَ
يَصِحُّ أَنْ يَبْقَى فِي طَيِّ الْكِتْمَانِ؛ وَهِيَ أَنَّ صَاحِبَنَا كَانَ قَدِ اعْتَادَ
أَنْ يَسْمَحَ لِنَفْسِهِ، مِنْ وَقْتٍ إِلَى آخَرَ، كُلَّمَا نَقَّتْ ضَفَادِعُ بَطْنِهِ،
٢ أَنْ يَنْزَلِقَ فِي حَدَائِقِ أَوْ حُقُولِ الْجِيرَانِ، مِنْ فَتْحَةٍ فِي
السُّورِ أَوْ فُرْجَةٍ فِي السِّيَاجِ؛ لِيُقَرْطِمَ مَا يَصِلُ إِلَيْهِ فَمُهُ مِنْ
نَبَاتِ الْقَمْحِ أَوِ الشَّعِيرِ أَوِ الشُّوفَانِ، أَوْ مَا تَقَرُّ عَيْنُهُ
بِرُؤْيَتِهِ مِنَ الْخَضْرَاوَاتِ الْغَضَّةِ النَّضِيرَةِ كَالْخَسِّ وَالْكُرُنْبِ
أَوْ
قَّرَةِ الْعَيْنِ،
٣ وَكَانَ يَحْدُثُ ذَلِكَ دُونُ أَنْ يَشْعُرَ أَحَدٌ بِدُخُولِهِ أَوْ
خُرُوجِهِ، أَمَّا الْآنَ فَإِنَّ الْحَالَ قَدْ تَبَدَّلَتْ، وَأَضْحَى سِتْرُهُ
مَفْضُوحًا بِذَلِكَ الْوِسَامِ، فَكَانَ كُلَّمَا حَاوَلَ أَنْ يَنْسَلَّ كَعَادَتِهِ
الْقَدِيمَةِ؛ لِيُشْبِعَ شَهِيَّتَهُ مِنْ حُقُولِ الْجِيرَانِ تَنَبَّهَ أَصْحَابُهَا
مِنْ جَرْسِ
٤ وِسَامِهِ إِلَى وُجُودِهِ، وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَغْبَتِهِ
بِعِصِيِّهِمُ الْغَلِيظَةِ، حَتَّى يَعُودَ أَدْرَاجَهِ بَعْدَ أَنْ يُشْبِعُوهُ ضَرْبًا
مُبَرِّحًا، يَتْرُكُ كُلَّ مَرَّةٍ حَبَارَهُ الْمُؤْلِمَ بِجِلْدِهِ.
وَهَكَذَا لَمْ يَنْقَضِ الصَّيْفُ عَلَى حَامِلِ الْوِسَامِ هَذَا حَتَّى صَارَ عَلَى
الْجِلْدِ وَالْعَظْمِ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ عَيْنِ الْحَسُودِ أَوْ سَطْوِ اللُّصُوصِ
إِذَا جُرِّدَ عُنُقُهُ مِنَ الْقِلَادَةِ الرَّنَّانَةِ.
«اللِّصُّ لَا يَسْرِقُ نَاقُوسًا.»