الطَّبَّاخُ وَسِنَّوْرُهُ الْمَحْبُوبُ
اشْتُهِرَ طَبَّاخُ الْبَلْدَةِ بِالْعِلْمِ الْغَزِيرِ وَطَلَاقَةِ اللِّسَانِ، وَذَهَبَ
ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى حَانَةٍ قَرِيبَةٍ لِيُحْيِيَ الذِّكْرَى الْأُولَى لِوَفَاةِ نَدِيمٍ
عَزِيزٍ بِاحْتِسَاءِ كَأْسَيْنِ مِنَ الْخَمْرَةِ عَلَى رُوحِهِ الْمَرِحَةِ الطَّاهِرَةِ،
تَارِكًا قِطَّهُ الْمَحْبُوبَ لِيَحْرُسَ مَخْزَنَ الْأَطْعِمَةِ اللَّذِيذَةِ الَّتِي
تَعِبَ كَثِيرًا فِي تَهْيِئَتِهَا.
وَلَمَّا عَادَ — وَكَانَ قَدِ انْتَشَى مِنَ الشَّرَابِ — وَجَدَ الْهِرَّ رَابِضًا
عَلَى الْأَرْضِ، تَحُوطُهُ قُشُورُ فَطَائِرِ الشبَارِقِ وَالشَّطَائِرُ وَفُتَاتُ
الْكَعْكِ الْمُبَعْثَرَةُ هُنَا وَهُنَاكَ، يَهِرُّ كَعَادَتِهِ هَرِيرًا لَيِّنًا،
وَفِي
فَمِهِ وَبَيْنَ مِخْلَبَيْهِ عِظَامُ دَجَاجَةٍ يَنْحَضُهَا
١ وَيُدَاعِبُهَا، فَطَارَ صَوَابُ الطَّاهِي لِهَذَا الْمَنْظَرِ الَّذِي
أَفْزَعَهُ، وَطَفِقَ يُعَنِّفُ الْهِرَّ مغيظًا، وَرَاحَ يَنْهَرُهُ بِمَا حَضَرَهُ
مِنْ
عِبَارَاتٍ كَانَ يَحْرِصُ كُلَّ الْحِرْصِ عَلَى اسْتِظْهَارِهَا لِيُلْقِيَهَا فِي
مِثْلِ
هَذِهِ الْمُنَاسَبَاتِ؛ فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ أَيُّهَا اللِّصُّ الشَّرِهُ! قَاتَلَكَ
اللهُ أَيُّهَا الْخَائِنُ الْغَدَّارُ وَالْوَغْدُ اللَّئِيمُ! أَلَمْ تَخْجَلْ مِنْ
فَعْلَتِكَ تِلْكَ بِمَرْأَى وَمَسْمَعٍ مِنْ هَذِهِ الْحِيطَانِ؟ لَمْ يَخْطُرْ لِي
بِبَالٍ قَبْلَ الْآنَ أَنْ أَجِدَ فِيكَ لِصًّا شِرِّيرًا بَعْدَ مَا اشْتُهِرْتَ عِنْدَ
الْقَاصِي وَالدَّانِي بِالتَّقْوَى وَالصَّلَاحِ؛ لِكَثْرَةِ هَرِيرِكَ وَخَرِيرِكَ
الَّذِي خَدَعْتَ بِهِ النَّاسَ فَحَسِبُوهُ تَمْتَمَةً بِالصَّلَاةِ وَالابْتِهَالِ
وَاللَّهَجِ بِذِكْرِ اللهِ! وَيْلٌ لِمَنِ اتَّخَذَ الدِّيْنَ مَطِيَّةً لِلدُّنْيَا!
وَيَا لَهُ مِنْ عَارٍ شَنِيعٍ حِينَ يَدْرِي الْجِيرَانُ بِأَمْرِكَ، فَيُوصِدُونَ فِي
وَجْهِكَ أَبْوَابَ بُيُوتِهِمْ وَمَطَابِخِهِمْ، وَلَيْتَ الْأَمْرَ يَقِفُ عِنْدَ هَذَا
الْحَدِّ، بَلْ أَظُنُّهُمْ سَيُلَاحِقُونَكَ بِاللَّعَنَاتِ، وَيَصِمُونَكَ بِشَتَّى
الْوَصَمَاتِ الشَّائِنَةِ؛ لِأَنَّكَ لَمْ تَحْفَظْ لِي وَلَهُمْ حُرْمَةَ الْمُمَاَلحَةِ!
٢ تَبًّا لَكَ أَيُّهَا اﻟْ …!
وَانْطَلَقَ لِسَانُ الطَّاهِي بِالشَّتْمِ وَالتَّوْبِيخِ وَاسْتِنْزَالِ اللَّعَنَاتِ،
مَأْخُوذًا بِإِعْجَابِهِ بِبَلَاغَةِ مَنْطِقِهِ، بَيْنَمَا كَانَ الْهِرُّ الْخَبِيثُ
يُحَدِّجُهُ بِنَظْرَةِ التَّعَجُّبِ الْوُدِّيِّ، وَيُعْمِلُ لِسَانَهُ وَأَسْنَانَهُ
لِلْإِتْيَانِ عَلَى مَا كَانَ بَاقِيًا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ طَعَامٍ شَهِيٍّ.
«وَمَنِ اسْتَرْعَى الذِّئْبَ فَقَدْ ظَلَمَ.»