الْأَفْعَى تَسْتَعْطِفُ الْفَلَّاحَ
انْسَلَّتْ حَيَّةٌ إِلَى كُوخِ فَلَّاحٍ، وَلَمَّا رَأَتْ صَاحِبَهُ انْطَلَقَ
لِسَانُهَا ذُو الشُّعْبَتَيْنِ يَلْتَمِسُ مِنْهُ بِذَلَاقَتِهِ — الَّتِي خَدَعَتْ
آدَمَ
وَحَوَّاءَ — أَنْ يَسْمَحَ لَهَا بِالْإِقَامَةِ مَعَهُ؛ لِتُؤَانِسَهُ وَتُسَاعِدَهُ
عَلَى تَرْبِيَةِ صِغَارِهِ، وَالِاهْتِمَامِ بِشُئُونِ تَثْقِيفِهِمْ وَتَلْقِينِهِمْ
مَبَادِئَ الْحِكْمَةِ الَّتِي اخْتَصَّ الْخَالِقُ بِهَا بَنَاتِ جِنْسِهَا؛ ذَلِكَ
لِأَنَّهَا سَئِمَتْ عِيشَةَ الْوَحْدَةِ وَالْكَسَلِ، فَهَامَتْ عَلَى وَجْهِهَا تَبْحَثُ
عَنْ عَمَلٍ نَافِعٍ.
قالت: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلَغَكَ أَنَّنَا مَعْشَرَ الْأَفَاعِي مِنَ
الْحَيَوَانَاتِ الْعَقَقَةِ
١ الَّتِي تَتَنَكَّرُ لِمَنْ يُحْسِنُ إِلَيْهَا، أُسْوَةً بِالذِّئَابِ
وَالْبَشَرِ … عَفْوًا يَا سَيِّدِي! … عَفْوًا! وَأَلْفَ عَفْوٍ! فَقَدْ زَلِقَ لِسَانِي
بِمَا اعْتَدْنَا أَنْ نُكَرِّرَهُ فِيمَا بَيْنَنَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْمِيمِ، جَهْلًا
وَخَطَأً؛ لِأَنَّ بَيْنَكُمْ — بِلَا شَكٍّ — مَنْ لَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ هَذَا
الْوَصْفُ أَمْثَالَ حَضْرَتِكُمْ؛ كَمَا أَنَّكُمْ تُجْمِلُونَ أَنْتُمْ عِنْدَ اتِّهَامِ
الْأَفَاعِي بِأَنَّهَا مَجْلَبَةُ الشَّرِّ وَالنَّحْسِ إِلَى هَذِهِ الدُّنْيَا
الْجَمِيلَةِ، دُونَ اسْتِثْنَاءٍ لِأَمْثَالِي الَّذِينَ عَاشُوا كُلَّ حَيَاتِهِمْ
عِيشَةً شَرِيفَةً مُشَرِّفَةً، وها أَنْتَ تَرَى بِعَيْنَيْكَ أَنَّنِي جَازَفْتُ
بِتَعْرِيضِ حَيَاتِي لِخَطَرِ الْقَتْلِ؛ كَيْ أَعْرِضَ عَلَى حَضْرَتِكُمُ اسْتِعْدَادِي
لِلْقِيَامِ بِكُلِّ مَا تَطْلُبُونَهُ مِنِّي مِنَ الْأَعْمَالِ الشَّرِيفَةِ؛ خُصُوصًا
الْعِنَايَةَ بِصِغَارِكُمْ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ مَا تَصْبُو إِلَيْهِ نَفْسِي مُنْذُ
صِغَرِي؛ وَإِنَّنِي أَعِدُكُمْ بِشَرَفِي … أَنِّي سَأُقَدِّرُ لَكُمْ فَضْلَكُمْ
وَمَعْرُوفَكُمْ وَأَخْدُمُكُمْ بِكُلِّ جَوَارِحِي.
وَقَالَ لَهَا الْفَلَّاحُ: رُبَّمَا كُنْتِ صَادِقَةً وَمُخْلِصَةً فِيمَا عَرَضْتِهِ
عَلَيَّ، وَلَكِنِّي أَخْشَى إِنْ أَنَا مَدَدْتُ إِلَيْكِ يَدَ الصَّدَاقَةِ
وَالتَّرْحَابِ أَطْمَعَ ذَلِكَ غَيْرَكِ مِنْ بَنَاتِ جِنْسِكِ بِالدُّخُولِ إِلَى
مَنْزِلِي، وَغَيْرُكِ يَتْبَعُهُ غَيْرُهُ حَتَّى يُمْسِيَ مَنْزِلِي مَبَاءَةً
لِلْأَفَاعِي وَالْحَيَّاتِ، وَأَظُنُّكِ تَرْبَئِينَ
٢ بِنَفْسِكِ عَنْ ضَمَانِ عَدَمِ نُشُوبِ أَنْيَابِ بَعْضِهَا فِي لَحْمِ
عِيَالِي، وَعَلَيْهِ أَرَى نَفْسِي مُضْطَرًّا يَا سَيِّدَتِي أَمَّ عُثْمَانَ،
٣ الشَّهِيرَةَ بِحِكْمَتِهَا، أَنْ أُخْبِرَكِ أَنَّ أَمْثَالِي لَا
يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَسْمَحُوا لِأَمْثَالِكِ بِالْعَيْشِ فِي مَنَازِلِهِمْ، مَهْمَا
انْتَحَلْنَا لِأَنْفُسِنَا مِنَ الْأَعْذَار؛ِ لِتَسْوِيغِ هَذَا الْعَمَلِ.
وَانْهَالَ عَلَى زَائِرَتِهِ بِضَرْبَةِ فَأْسٍ كَانَتِ الْقَاضِيَةَ.
«الْعِرْقُ دَسَّاسٌ.»