الذُّبَابَةُ الْمَغْرُورَةُ
حَطَّتْ ذُبَابَةٌ مَزْهُوَّةٌ١ عَلَى الْعَرَبَةِ الْمَلَكِيَّةِ فِي أَثْنَاءِ مُرُورِهَا فِي أَحَدِ
شَوَارِعِ الْعَاصِمَةِ، وَرَأَتْ غُبَارًا مُرْتَفِعًا، وَأُنَاسًا عَلَى جَانِبَيِ
الطَّرِيقِ، يُصَفِّقُونَ وَيَهْتِفُونَ ابْتِهَاجًا بِرُؤْيَةِ مَلِكِهِمْ، وخُيِّلَ
إِلَيْهَا أَنَّ مَا تَرَاهُ قَدْ حَدَثَ مِنْ أَجْلِهَا، فَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا:
«لِمَاذَا لَمْ يُتَحْ لِي أَنْ أَعْرِفَ قَبْلَ الْآنَ مَا لِي مِنَ الْخطرِ٢ وَعَظَمَةِ الشَّأْنِ، حَتَّى أَقَمْتُ بِمُرُورِي الدُّنْيَا وَأَقْعَدْتُهَا،
فَأَثَرْتُ كُلَّ هَذَا الْغُبَارِ، وَأَحْدَثْتُ هَذِهِ الضَّوْضَاءَ.»
قَالَتْ ذَلِكَ، وَوَثَبَتْ طَائِرَةً إِلَى ظَهْرِ أَحَدِ جَوَادَيِ الْمَرْكَبَةِ الْمَلَكِيَّةِ.
وَاتَّفَقَ عِنْدَئِذٍ انْطِلَاقُ أَوَّلِ مِدْفَعٍ مِنْ مَدَافِعِ التَّرْحِيبِ
وَنَقَزَ٣ الْجَوَادُ الَّذِي حَطَّتْ عَلَى ظَهْرِهِ، فَخَاطَبَتْهُ قَائِلَةً:
«أَرْجُوكَ الْمَعْذِرَةَ؛ لِأَنِّي مَا كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ ثِقَلِي عَظِيمٌ بِهَذَا
الْمِقْدَارِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُهُ ظَهْرُكَ، وَأَرْجُوكَ أَنْ تَصْبِرَ قَلِيلًا
حَتَّى يَهْدَأَ الشَّعْبُ مِنْ هُتَافِهِ وَتَصْفِيقِهِ الَّذِي اشْتَدَّ الْآنَ عِنْدَمَا
رَآنِي أَقُودُ الْمَرْكَبَةَ بِنَفْسِي.»
وَعِنْدَ ذَلِكَ هَزَّ الْجَوَادُ ذَيْلَهُ فَأَصَابَ الذُّبَابَةَ فَهَوَتْ صَرِيعَةً …
١
مُعجبة بنفسها.
٢
الشرف وارتفاع القدر.
٣
وَثَبَ صُعدًا.