النَّارَ! النَّارَ!
اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ فِي تِجَارَةٍ، رَبِحَتْ ثَرْوَةً عَظِيمَةً بَعْدَ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ قَضَوْهَا فِي الْكَدِّ وَالْجِدِّ وَالِاقْتِصَادِ وَالْحِرْمَانِ.
وَحَانَ وَقْتُ اقْتِسَامِ الْأَرْبَاحِ؛ لِيَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمْ نَصِيبَهُ، فَاجْتَمَعُوا فِي مَتْجَرِهِمْ، وَحَدَثَ بَيْنَهُمْ مَا يَكْثُرُ حُدُوثُهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُنَاسَبَاتِ فِي كُلِّ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ، وَبِخَاصَّةٍ فِي بِلَادِ الشَّرْقِ، مِنَ الْأَخْذِ وَالرَّدِّ، وَالْمُشَادَّةِ وَالْمُجَادَلَةِ بِخُصُوصِ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَوَّى فِي كُلِّ الْمَكَانِ صَوْتُ اسْتِغَاثَةٍ؛ لِأَنَّ نَارًا شَبَّتْ فِي ذَاتِ الْمَبْنَى الَّذِي كَانَ فِيهِ مَتْجَرُهُمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ — وَقَدْ وَقَفَ مَذْعُورًا: «هَيَّا بِنَا إِلَى الْإِسْرَاعِ فِي إِنْقَاذِ مَا يُمْكِنُ إِنْقَاذُهُ، قَبْلَمَا تَلْتَهِمُ النَّارُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلنَتْرُكِ الْمُحَاسَبَةَ إِلَى مَا بَعْدُ.»
وَصَاحَ الثَّانِي قَائِلًا: «وَلَكِنِّي لَا أَتَزَحْزَحُ مِنْ هُنَا قَبْلَ أَنْ تَعْتَرِفَا لِي بِحَقِّي فِي مَبْلَغِ الْأَلْفِ الَّذِي يَخُصُّنِي بِنَاءً عَلَى نَصِّ الْفِقْرَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الْبَنْدِ الْعَاشِرِ مِنْ عَقْدِ شَرِكَتِنَا الْمُسَجَّلِ …»
وَعِنْدَئِذٍ اشْتَدَّتْ صَيْحَاتُ الْهَلَعِ وَطَلَبِ النَّجْدَةِ وَالْغَوْثِ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ الْمُحِيطَةِ بِالْمَتْجَرِ؛ وَكَانَتْ كَلِمَةُ «النَّارَ! النَّارَ!» تَتَكَرَّرُ بِصَوْتٍ مُفْزِعٍ.
وَهَمَّ الشَّرِيكَانِ؛ يَقْصِدَانِ النَّجَاةَ، وَلَكِنَّ الشَّرِيكَ الثَّالِثَ اعْتَرَضَ سَبِيلَهُمَا، وَصَاحَ بِهِمَا قَائِلًا: «كَلَّا! وَأَلْف كَلَّا! فَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدِكُمَا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ هُنَا قَبْلَ أْن نُرَاجِعَ مَا بَيْنَنَا مِنَ الْحِسَابِ؛ لِأَرَى كَيْفَ جَازَ لَكُمَا أَنْ تَغْمِطَانِيَ حَقِّي وَتَنْتَقِصَانِ ثَلَاثَةَ آلَافٍ مِنْ نَصِيبِي فِي أَرْبَاحِ الشَّرِكَةِ، وَلنَقْعُدْ هُنَا حَتَّى نَسْتَوْثِقَ مِنْ صِحَّةِ الْحِسَابِ وَنُنْهِيَ مَا بَيْنَنَا مِنْ خِلَافٍ قَبْلَ أَنْ نُفَكِّرَ فِي مُبَارَحَةِ هَذَا الْمَكَانِ.»
فَأَجَابَهُ الشَّرِيكَانِ وَقَالَا بِنَفَسٍ وَاحِدٍ: «هَذَا كَلَامٌ فَارِغٌ! وَنَحْنُ لَا نَسْمَحُ لِمِثْلِكَ بِاتِّهَامِنَا بِالْخِيَانَةِ، وَعَدَمِ مُرَاعَاةِ وَاجِبِ الْأَمَانَةِ، وَسَنُثْبِتُ لَكَ مِنْ دَفَاتِرِكَ وَدَفَاتِرِ الشَّرِكَةِ أَنَّ الْمِيزَانِيَّةَ الَّتِي أَمَامَنَا لَا يَشُوبُهَا أَقَلُّ شَكٍّ فِي صِحَّةِ أَرْقَامِهَا …»
وَكَانَ الْجَدَلُ بِخُصُوصِ حِسَابِ الْأَرْبَاحِ الَّتِي تَخُصُّ كُلًّا مِنْهُمْ قَدْ أَنْسَاهُمْ خَطَرَ النِّيرَانِ الْمُحْدِقَةِ بِهِمْ، فَاسْتَمَرُّوا فِي خِصَامِهِمْ إِلَى أَنْ أَحَاطَتْ بِهِمْ أَلْسِنَةُ اللَّهَبِ، فَحَالَتْ دُونَ نَجَاتِهِمْ، ثُمَّ الْتَهَمَتْهُمْ وَدَفَاتِرَ حِسَابِهِمْ، وَكُلَّ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ وَسِلَعٍ وَعقَارٍ.