الْعُقَابُ وَالْخُلْدُ
فَقَالَ الْعُقَابُ لِرَفِيقَتِهِ: «وَيْحَ هَذَا الْأَعْمَى الْمَغْرُورِ، إِذْ يَظُنُّ أَنَّ مَلِكَ الطُّيُورِ الَّذِي ذَاعَتْ شُهْرَتُهُ بِحِدَّةِ الْبَصَر،ِ يَقْبَلُ مِنْ مِثْلِهِ نُصْحًا أَوْ تَحْذِيرًا.»
وَبَنَى الْعُقَابُ وَكْرَهُ فِي أَعْلَى مَكَانٍ مِنَ الْبَلُّوطَةِ الْعَتِيقَةِ هَازِئًا بِنُصْحِ جَارِهِ الْخُلْدِ، ضَارِبًا بِهِ عَرْضَ الْحَائِطِ.
وَجَاءَ الرَّبِيعُ وَأَعْقَبَهُ الصَّيْفُ، وَامْتَلَأَتْ أَرْجَاءُ الْوَكْرِ بِبَاكُورَةِ فِرَاخِهِمَا، وَقَرَّتْ أَعْيُنُهُمَا بِرُؤْيَتِهِمْ يَلْعَبُونَ وَيَمْرَحُونَ وَيَصْئَوْنَ (يَصِيحُونَ).
وَفِي فَجْرِ أَحَدِ الْأَيَّامِ خَرَجَ الْعُقَابُ يَطْلُبُ صَيْدًا لِفطُورِ فِرَاخِهِ، وَرَفِيقَتِهِ، وَعَادَ فَرِحًا يَحْمِلُ لَهُمْ طَعَامًا شَهِيًّا وَافِرًا، فَلَمْ يَجِدْهُمْ فِي وَكْرِهِمْ فَوْقَ الْبَلُّوطَةِ، بَلْ وَجَدَ الْبَلُّوطَةَ قَدْ وَقَعَتْ كَمَا تَوَقَّعَ الْخُلْدُ، وَسَحَقَتْ تَحْتَ ثِقْلِهَا وَكْرَهُ، بِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ فِرَاخِهِ مَعَ رَفِيقَتِهِ وَهَنَائِهِ.
فَصَاحَ مِنْ فَرْطِ يَأْسِهِ قَائِلًا: «وَيْلٌ لِي، مَا أَتْعَسَنِي وَأَشْقَانِي! لَقَدْ جُوزِيتُ بِمَا أَسْتَحِقُّ عَلَى اسْتِخْفَافِي بِنُصْحِ الْخُلْدِ وَتَحْذِيرِهِ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَ يَدْرِي أَنَّ خُلْدًا حَقِيرًا لَهُ مِنَ الرَّأْيِ مَا يُعْتَدُّ بِهِ، أَوْ يَصِحُّ أَنْ يُرْكَنَ إِلَيْهِ.»