النَّقْدُ الْأَثَرِيُّ
عَثَرَ أُمِّيٌّ جَاهِلٌ عَلَى قِطْعَةٍ مِنْ نُقُودٍ أَثَرِيَّةٍ، تَعْلُوهَا قِشْرَةٌ
سَمِيكَةٌ مِنَ الصَّدَأ وَالتُّرَابِ، وَرَآهَا أَحَدُ هُوَاةِ١ النُّقُودِ الْقَدِيمَةِ، وَقَدَّرَ قِيمَتَهَا الْأَثَرِيَّةَ، وَعَرَضَ
مَبْلَغًا مَعْقُولًا لِيَشْتَرِيَهَا بِهِ، فَرَفَضَ، وَاسْتَمْهَلَهُ لِلْغَدِ.
وَلَمَّا خَلَا بِنَفْسِهِ، سَكَتَ بُرْهَةً، ثُمَّ هَزَّ رَأْسَهُ، وَهَمْهَمَ٢ قَائِلًا: «إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ هَذَا النَّقْدِ — بِرَغْمِ مَا هُوَ
عَلَيْهِ الْآنَ مِنْ قَبَاحَةِ الْمَنْظَرِ لِمَا يَكْسُوهُ مِنَ الصَّدَأ وَالْوَسَخِ
—
قَدْ بَلَغَتْ هَذَا الْحَدَّ الْكَبِيرَ، فَكَمْ وَكَمْ تَكُونُ قِيمَتُهُ بَعْدَمَا
أُنَظِّفُهُ، وَأَجْلُوهُ، وَأُصْقِلُهُ، إِلَى أَنْ يَصِيرَ أَشَدَّ لَمَعَانًا مِنْ
قُرْصِ الشَّمْسِ.»
وَقَامَ مِنْ فَوْرِهِ، وَأَحْضَرَ رَمْلًا وَرَمَادًا وَلَيْمُونًا (حَامِضًا) وَخِرْقَةً مَتِينَةً، وَطِفَق يَحُكُّ قِطْعَةَ النُّقُودِ بِالرَّمْلِ أَوِ الرَّمَادِ الْمَعْجُونِ بِعَصِيرِ اللَّيْمُونِ، وَيُدَلِّكُهَا بِكُلِّ جُهْدِهِ بِالْخِرْقَةِ الَّتِي مَعَهُ، حَتَّى تَصَبَّبَ الْعَرَقُ مِنْ جَبِينِهِ عَلَيْهَا.
وَأَخِيرًا خَطَرَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالسَّفَنِ٣ وَالْمِبْرَدِ، إِلَى أَنْ زَالَ كُلُّ مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ صَدَأ
وَوَسَخٍ، وَزَالَ مَعَهُ كُلُّ أَثَرٍ لِنَقْشٍ أَوْ رَسْمٍ أَوْ كِتَابَةٍ، بَارِزَةً
كَانَتْ أَوْ غَاطِسَةً، وَأَصْبَحَ يَلْمَعُ لَمَعَانًا يُبْهِرُ الْأَنْظَارَ.
وَلَمَّا عَرَضَهَا لِلْبَيْعِ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيهَا بِفَلْسٍ وَاحِدٍ، قَالَ لِنَفْسِهِ: «حَقًّا! إِنَّ الَّذِي أَرَادَ الْبَارِحَةَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنِّي كَانَ إِمَّا جَاهِلًا أَوْ مَعْتُوهًا.»
١
المفرد هاوٍ، (مِن هوى يهوى).
٢
تكلم كلامًا خفيًّا.
٣
المعروف في مصر بورق السنفرة.